عبدالله الهاجري - الجزيرة:
ترك الراحل معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم -رحمه الله-، أحد أبرز الشخصيات الوطنية بصمة عميقة في مجالات الإدارة والعمل الخيري وخدمة المجتمع، وذلك بعد أن عمل بكل إرادة وعزيمة لخدمة وطنة.
وُلد الفقيد في مدينة عنيزة، وشهدت حياته محطات مميزة من العطاء والتفاني، حيث بدأ تعليمه في كُتّاب الشيخ عبدالعزيز الصالح الدامغ، قبل أن يلتحق بالمدرسة الحكومية الأولى بالمدينة، واصل دراسته حتى الصف الخامس، ثم تلقى علومه الشرعية على أيدي علماء عنيزة، قبل أن يبدأ مسيرته العملية في الصرافة وافتتاح دكان لبيع المواد الغذائية، وامتازت فترة شبابه بروح المبادرة، حيث أسس مع زملائه أول مكتبة في بلدته، ونظموا مدرسة لتعليم الكبار ومحو الأمية.
في الثامنة عشرة، رحل إلى الظهران ليعمل في محطة وقود، ثم في شركة أرامكو، قبل أن يعود إلى عنيزة للعمل مدرسًا، ومن ثم وكيلاً لثانوية عنيزة، وعن قصة عودته مدرساً يقول، طلب مني المربي صالح بن صالح أن أعمل مدرساً بالمدرسة العزيزية، يقول: اختبرتني اللجنة ورفضوني لانقطاعي عن التعليم حوالي 3 سنوات، ولكن المربي ابن صالح طلب من اللجنة إعطائي أسبوعين لأذاكر فيها، وفعلاً عدت ونجحت وصرت مدرسًا بالمدرسة الابتدائية العزيزية ثم مدرسًا بالمرحلة الثانوية براتب 175 ريالاً.
انتقل بعدها الراحل إلى الرياض، حيث تولى إدارة معهد المعلمين، ثم إدارة تعليم الرياض، ولم يمنعه ذلك من مواصلة تعليمه، إذ حصل على الثانوية العامة من الأحساء بانتساب.
ثم انتقل النعيم إلى جامعة الملك سعود، حيث شغل منصب الأمين العام المساعد، بجانب عمله في إدارة التعليم، قبل أن يتفرغ في الجامعة ليكمل دراسته ويحصل على البكالوريوس، ومن ثم يسافر للخارج ليكمل دراسته العليا، كما عمل في شركة الغاز التي خدمها واحداً وأربعين عاماً مديراً عاماً ورئيسًا لمجلس إدارتها.
لعل محطة العمل الأشهر بالنسبة للشيخ عبدالله العلي النعيم -رحمه الله- عمله أميناً لمدينة الرياض أربعة عشر عاماً والذي شهد الجميع له بما أنجز فيها سواء من ناحية النظافة، أو الطرق أو التنظيم أو الخدمات أو الحدائق.
وكان سنده الأكبر -بعد الله- كما أشار أكثر من مرَّة الملك سلمان حتى أصبحت الرياض درَّة الصحراء .
ويروي قصة تعيينه أمينًا لمدينة الرياض بهذه السطور: «استدعاني خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله- (أمير الرياض آنذاك) فقال لي: أنت نجحت في الغاز ونحن أمام مشكلة في الأمانة ونحتاج إلى شخص شجاع مثلك.
وقد شهدت الرياض نموًا عمرانيًا هائلًا، وتمكن خلال عمله من تحسين البنية التحتية للمدينة بشكل ملحوظ، وإعادة تنظيم جهاز الأمانة بما يعزز الشفافية والكفاءة.
بعد تقاعده، لم تتوقف مسيرته في العطاء، بل اتجه للعمل الخيري وأسهم في تأسيس مشاريع رائدة مثل مكتبة الملك فهد الوطنية ومركز الملك سلمان الاجتماعي، جامعًا تبرعات ضخمة لدعم هذه المشاريع التي أصبحت علامة فارقة في مسيرة التنمية الوطنية.
كما أطلق أبناؤه «جائزة عبدالله العلي النعيم لتاريخ الجزيرة العربية وآثارها» في عام 2016، لتكريم الدراسات والأبحاث المميزة في هذا المجال.
وقد أصدر كتاب سيرته الذاتية بعنوان بتوقيعي: حكايات من بقايا السيرة، والتي تروي قصصًا ملهمة من حياته وتجربته المهنية والشخصية، كما صدرت عنه كتب أخرى تسلط الضوء على شخصيته وإنجازاته، وصدر عنه كتاب: «عبدالله العلي النعيم الإدارة.. بالإرادة»، للدكتور: إبراهيم التركي، وكتاب: «عِشْت لم ألْتَفِتْ: رؤية سردية للمسيرة الرسمية والتطوعية للقائد الإداري الشيخ عبد الله علي النعيم»، أعده: مركز العالم للتوثيق، وأشرف عليه د.محمد الطريقي.
تميز عبدالله النعيم بصفات قيادية وإدارية فذة، وترك إرثًا معرفيًا عريقًا من الإنجازات التي ستبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة، تغمده الله بواسع رحمته، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.