الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
المحامون قادرون على معرفة الحلال من القضايا، والتي يكون أصحابها مظلومين، ولم يحصلوا على حقوقهم بالطرق الودية، ولذلك لجأوا للقضاء ليستردوا حقوقهم.
ويقوم بعض المحامين بتحوير الحقائق وطمس البراهين لكي يبرئوا موكليهم على الرغم من يقينهم بأنهم مذنبون، ولاشك أن كل محامٍ لا يأخذ بقاعدة اتقِ دعوة المظلوم فهو على خطر كبير.
«الجزيرة» استطلعت رؤى عدد من المحامين من خلال عملهم في ميدان المحاماة، ونظرتهم لهذا الأمر المشين، وعواقبه على الظلمة.
موت الفضيلة
يقول الدكتور مسعد بن عائض الدوسري المدير العام لشركة المعاون الدولي للمحاماة والاستشارات القانونية: من باب الواقع المرير الذي نعيشه نحن أهل القانون في ميدان المحاماة نجد أن هناك من المحامين ممن ضاعت أمانتهم، وخانوا العهد، والضمير، وأصبح حالهم حال الضواري المسعورة همها الشبع بأي طريقة لا يهمهم دمعة مظلوم وانكسار قلبه وحزنه على اي مستوى الأفراد، الشركات أو المجتمعات.. أقسم بمن هو مطلع على كل شيء ومحيط بكل شيء أن دعوة المظلوم لها أثر ولو بعد حين يكفيك قوله: حسبي الله ونعم الوكيل، يقينه بالقوي المتين الذي لا تخفى عليه خافية بل من أعجب العجب وصية رسول الله لمعاذ وهو من في هذا الباب حذره من الظلم فقال: اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، هنا تقف القلوب المؤمنة ترجع وتخشى وتخاف، لماذا القضاة يحذرون كل كذاب متوغل في حقوق الناس من شر اليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في النار والإثم، ومن التجربة لا تزول قدم الظالم حتى ينتصف منه المظلوم.
تعال اسمع إلى قصة ابن عباد حاكم إشبيلية عندما سأله ولده من العز إلى الفقر فقال: يا أبت بعد العز صرنا في القيد والحبس، فقال والده:
يا بني دعوة مظلوم سرت بليل، غفلنا عنها، ولم يغفل الله عنها، ثم أنشأ يقول:
رب قوم قد غدوا في نعمة
ومنًا والدهر ريان غَدَق
سكت الدهر زماناً عنهمُ
ثم أبكاهم دماً حين نطق
غفر لنا ولكل من ظلم وأعان ظالماً على ظلمه واغننا بالحلال عن الحرام وارزقنا الهداية واتباع سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
صاحب المبدأ
يرى الدكتور عبدالعزيز بن شلوه الشاماني المحامي والمستشار القانوني أن المحامي الناجح ناشد العدل والاعتدال، يبدأ رحلته بسؤال الله تعالى التوفيق والسداد والالهام والنصرة للحق وأهله، ومن أبرز ما يعينه كذلك في مهنته؛ مخافة الله تعالى، وأن يستمد قوته بعد الله من حصيلته العلمية، بعلمه الكافي بالعلوم الشرعية، والقانونية، والفقهية، والعلوم المساندة، والإلمام بإجراءات التقاضي والترافع، ومُتابعة التحديثات والمستجدات التشريعية.. يتحرى الدقة والحق في قضاياه، متسمًا بحسن التعامل مع الآخرين؛ سواءً مع العميل، أو الخصم، أو المحقق، أو القاضي، أو الشهود.. وغيرهم مّمن يتعامل معهم في فنِّه، فلابد من اللباقة، وحسن التصرف، مع مختلف المواقف التي يتعرض لها حين أداء عمله بشكلٍ عام، ومع خصمه بشكلٍ خاص، فالمحام الناجح صاحب مبدأ.. ومبادئه لا ترتضي هضم الحقوق، والظلم، كأن يزيف حقيقةً، أو يختلق من العدم دليلًا، باستصناعه! كيدًا بخصمه، آخذًا بالتوجيه الإلهي: (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا). والنبوي: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ».
المحاكمة العادلة
أما الأستاذ ثامر بن محمد السكاكر المحامي والمستشار القانوني.. فقال: إن مما لا يخفى على الجميع لزوم مخافة الله في العمل، وأن يكون جهد المحامي مبذولاً في طاعة الله ابتداءً، وأن يقدم العون لموكله وفق ذلك وبما يتوافق مع الأنظمة المرعية وأدبيات المهنة، ولذلك فالمحامي يسعى لإثبات حق موكله، دون أن يساعده على أكل أموال الآخرين بالباطل.
ومن الجانب الآخر من المهم أن نوضح أن حصول الموكل على المحاكمة العادلة هو أمر مهم في عمل المحامي، ويتمثل ذلك بجواز توكيل المحامي عن متهم في قضية جنائية على سبيل المثال وغاية توكيله عنه هو أن يحصل على العقوبة المستحقة لجريمته، وللوصول لهذه المحاكمة العادلة لا بد من وجود المحامي صاحب الخبرة للدفاع عن المتهم، حتى لا تكون العقوبة أكثر مما يستحق، والمملكة العربية السعودية حريصة على ذلك فوضحت حقوق المتهم بالاستعانة بمحام في عدد من مواد نظام الإجراءات الجزائية، أيضاً جاء في المادة التاسعة والثلاثين بعد المائة من النظام أنه للمتهم في الجرائم الكبيرة ممن ليس لديه قدرة مالية فله أن يطلب من المحكمة أن تندب له محامياً للدفاع عنه على نفقة الدولة.
إذاً من اللازم على المحامي عدم نصرة الباطل، وفي ذات الوقت على المحامي بذل الجهد والعناية لتحقيق المحاكمة العادلة للمتهم.
عدم المخالفة
يوضح الأستاذ فيصل بن رميح الرميح المحامي والمستشار القانوني أن مفهوم عمل المحامي ليس مقتصرًا على المرافعة والمدافعة إنما يشمل غيرها مثل: الرقابة على إجراءات التحقيق والمحاكمة لحفظ حق موكله وضمان أن يحصل على محاكمة عادلة تجري وفق المقتضى الشرعي والنظامي، كما أن من أعماله تقديم المشورة وغيرها، وهو حين يترافع عن موكله أو يدافع عنه فإنه يبذل جهده ويستفرغ وسعه في حفظ حقه وحمايته من التجاوز في أخذ الحق منه، دون التعدي على حقوق الآخرين، وصفات الموكلين متعددة فقد يكون مدعيًا أو مدعى عليه أو متهمًا وغير ذلك.
ويضيف المحامي فيصل الرميح: ومن الأصول المرعية أن على المرء في كل أعماله وتعاملاته أياً كانت مهنته عدم مخالفة الشرع أو النظام والابتعاد عما يخل بمروءته، ومن ذلك أن لا ينوب عن أحد بباطل يعلمه، ويمتنع من النيابة عمن يطلب رفع دعوى باطلة ابتداءً، ويرفض تمثيل من يتجاوز في استعمال حقه ويُلدّ في الخصومة، والأصل في ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا)، وقوله سبحانه: (وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ).
وقد نص نظام المحاماة أن على المحامي مزاولة مهنته وفقا للأصول الشرعية والأنظمة المرعية، والامتناع عن أي عمل يخل بكرامتها، واحترام القواعد والتعليمات الصادرة في هذا الشأن.
وتبعا لذلك نصت اللائحة التنفيذية في عام 1423هـ أن على المحامي ألا يتوكل عن غيره في دعوى أو نفيها وهو يعلم أن صاحبها ظالم ومبطل، ولا أن يستمر فيها، إذا ظهر له ذلك أثناء التقاضي.
والمقصود هو المبطل حقيقة في كل ما يدعيه، أما إذا كان الحق ملتبسًا غير ظاهر، أو كان مجزءًا بحيث يكون له بعض الحق لا كله، أو جانب منه لا من جميع الجوانب، وكذا من اتهم بأمر لم تثبت إدانته فيه، فلا يعد مبطلاً، وكذلك لو كان مبطلاً ولكنه مدعى عليه، فلا يمتنع من الدفاع عنه في حدود حماية حقوقه الشرعية؛ بأن يحصل على محاكمة عادلة وفق المقتضى الشرعي والنظامي.
ونظرًا لأن هذا المفهوم توسع فيه بعض الناس إلى غير المراد منه، فأدى في بعض الأحيان إلى مخالفة نظام الإجراءات الجزائية، الذي جعل من حق المتهم الاستعانة بالمحامي دون استثناء، وأوجبت اللائحة أن يعرّف المتهم بحقه في الاستعانة بوكيل أو محام، بل ذهب النظام إلى أبعد من ذلك فجعل من حق المتهم في الجرائم الكبيرة أن يطلب من المحكمة أن تندب له محاميًا للدفاع عنه على نفقة الدولة.
ولذلك صدر قرار وزاري يلغي تلك المادة من لائحة نظام المحاماة، وخلت قواعد السلوك المهني من هذا النص، وكذلك خلت منه اللائحة الجديدة لنظام المحاماة.
وفي مقابل ذلك نصت بعض الأنظمة واللوائح ألا ترفع بعض القضايا والطلبات سواء مدنية أو تجارية أو جزائية أو لا يترافع فيها إلا محام مرخص، ولا يتسع المجال لسردها، مشيراً إلى أنه لو أن المحامي امتنع من الترافع عمن له شيء من الحق وعليه بعضه أو لم يظهر له أنه مبطل ولا محق بل التبس عليه أمره؛ لضاعت كثير من الحقوق، والحق غالبًا يكون ملتبسًا، ولكن لا يكون ترافعه إلا عن حق لموكله فلا يتجاوزه، ويرجع إن ظهر له خلافه، كما أن المحامي لا يمتنع عن العمل لصالح موكله ابتداء حتى يظهر له الحق، إذ إن تقرير الحق من عمل القاضي وليس المحامي، فإن ظهر له الحق بعد ذلك فليس له المطالبة إلا بما لموكله من حقوق، وعليه أن يمتنع من طلب ما ليس حقا لموكله، أو ما كان مخالفا للشرع أو النظام، أو مخلا بمروءته.