اطلعت في سانحة نهار الثامن من رمضان في رواق الجزيرة عدد 18587 في» كليمات»ضافية من ذهب للمفتي -حفظه الله- حول العطاء...
فحضرتني هذه الملامح:
حضّ ديننا على البذل في كل حال، حين أثنى على المنفقين، بل وزاد ثناءً على من يعطِي وهو الذي في خصاصة -حاجة-.. من شأن ذاته، كما بالغ الشاعر في مبلغ - قدر- ممدوحه:
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها، فليتق الله سائله
ولست بمعرض حديث كلنا نعرفه حق المعرفة، بل ضرب من الاستخفاف بفطنة المتلقي في تجاذب أطرافٍ عنه، لكن هذا - العرض- يأتي من قبيل التذكير، ثمّ الحثّ على السخاء..
فبالأمس وفي افتتاح (الحملة الوطنية للعمل الخيري..) النسخة الرابعة، وقد قدّم الملك فولي العهد (ولا غرو فهما القدوة).. ما يدفع المسلم لدفع أدنى شيء،
حسبك تلطّف ربك لتغلب هذه النفس الشحيحة {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ثم وعد هذا المقرض بـ{فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً..}..
المهم ألا تتكتّف ذاته خلف البخل المذموم بكل الأحوال!، حتى قيل (أبدي عذرك ولا تبدي بخلك) وعلي- رضي الله عنه- بيوم أطلق (لا تستقل القليل فإن الحرمان أقلّ).. ولا عجب فكم من قليل مع القليل كثير، و(..ما الجبال إلا من الحصى..)، وبالمناسبة فقد قيل من يريد أن يعطي لا تعيقه الحيلُ
.. حتى وصل عند أولئك الصفوة مطلب الباسق والسعي لنواله بكل السبل، وهاك مثال يحتذى.. بحق:
فعن أبي مسعود قال: لما أُمِرْنا بالصدقة (في تبوك) كنا نتحامل (يحمل بعضنا لبعض)، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه».. حتى الذي بلغ منهم الفقر غايته ولا يملك شيئاً يتصدق به - وهو عُلبة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه - يقول: (اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عِرْض، ثم أصبح مع الناس، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -من: أين المتصدق بعرضه البارحة؟ فقام عُلبة رضي الله عنه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: أبشر فوالذي نفسي بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة) رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني، وما دعا (علبة) -رضي الله عنه- إلا لما زرعه الدين في قلوبهم، درجة أن يبحث المرء عن أي شيء يستطيع تقديمه
وبيوم وجّه المتنبي لمن رثّت حاله، بالقول:
لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ
فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ
ويقصد أن المرء يعوّض إن لم يستطع...
عوداً أن نؤكّد على هذه الخلّة - العطاء...- بالذات وحال إخواننا في (غزّة) ما لا يخفى على من بعينه رمد، ولا لمن بفهمه سقمُ
فضلاً أننا في (شهر) الصدقات والإحسان الذي فيه تفتح أبواب الجنات.. إلخ، ألا فلنري الله ونحن بهذا الموسم الجليل الذي حسبه أن «الحسنة فيه بعشر أمثالها «.. عن غيره، وهنا إشارة حضر جلاؤها، فقد جاء في «مطالب أولي النهى»(2/385):
(وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان فاضل كمكة والمدينة وبيت المقدس وفي المساجد، وبزمان فاضل كيوم الجمعة، والأشهر الحرم ورمضان. أما مضاعفة الحسنة؛ فهذا مما لا خلاف فيه، وأما مضاعفة السيئة؛ فقال بها جماعة تبعاً لابن عباس وابن مسعود... وقال بعض المحققين: قول ابن عباس وابن مسعود في تضعيف السيئات: إنما أرادا مضاعفتها في الكيفية دون الكمية.) أ.هـ.
وشرح بسلاسةٍ كعادته شيخنا ابن باز- رحمه الله- (السيئات تُضاعف من جهة الكيفية لا من جهة العدد، أما الحسنات تضاعف كيفية وعددًا، أما السيئات بواحدة دائمًا؛ لكن السيئة في رمضان أو في الحرم أعظم من سيئة في غير رمضان وفي غير الحرم، من جهة الكيفية والإثم..).