انتقلنا من حرمة إلى الرياض على ظهر شاحنة أظن أنه يطلق عليها عنترناش برفقة اثنين من إخواني الكبار الذين قدموا من الرياض برفقة صديقهم سعد بن غدير- رحمه الله- الذي كان يقود تلك الشاحنة والتي أظنها من ممتلكات حكامنا- أدام الله عزهم- حيث كان يعمل مع الطبيشي بداية لدى الملك عبد العزيز مؤسس هذه المملكة الفتية.
وكنت برفقة الإخوة ووالدتي وخالتي متجهين إلى العاصمة الرياض، والتي وإن انبهرت بها إلا أنها لم تكن كبيرة جدًّا، ولكن السوركان قد أزيل منذ سنوات، وبها بعض الطرق المعبدة، وطرق أخرى قيد التنفيذ، وبها أسواق ومحلات تجارية متوسطة الحجم ودكاكين صغيرة، ولم تكن مزدحمة بالسكان من مواطنين ومقيمين من الدول العربية المجاورة وغيرهم من الأجانب.
وانتظمت في التعليم الابتدائي أنا وأحد الإخوة في المدرسة الخالدية الابتدائية في المرقب تقع على شارع المرقب ويجاورها -على ما أعتقد- مدرسة للشرطة، وكنا نشاهد الشرطة العسكرية بلباسهم العسكري وهم يتدربون على الطبول والعزف بآلات القرب التي كنا نطرب لسماعها.
مكثنا سنة عند أخي الكبير في حي المرقب، وكان في ذلك الشارع فوال شهير يدعى بادحدح رجل نتعجب من نظافته وهيبته ووقاره، وكنا نأخذ القدور الصغيرة ونذهب إليه بعد صلاة الفجر ونشتري منه فولاً بنصف ريال، ويضع عليه الحبحر الأحمر الحار الممزوج بالماء على ما أعتقد، ولا يستطيع أيّ كان أن يمنعه من وضع هذه الشطة الحارة جداً ولابد أن تشتري منه خبز البر مع الفول. رحمه الله رحمة واسعة، وأعتقد أن أحد أبنائه يحمل درجة الدكتوراه وهو من الإخوة الحضارم المقيمين في المملكة منذ زمن بعيد.
أما فوله فأنت تأكل أصابعك معه من لذته خاصة لو وضع عليه قليلا من السمن البري الممتاز، والرجل أشهد بالله أنه صاحب طاعة ويعمل بإخلاص كما قال- صلى الله عليه وسلم-:
{إن الله يحب من إذا عمل عملاً أن يتقنه}، وليس لفوله في الرياض مثيل لا في السابق ولا في الحاضر.
بعدها انتقلنا إلى حلة القصمان ودرسنا في مدرسة الحلة الابتدائية، وبعد ذلك ذهبنا للإقامة مع إخوتي في حوطة خالد وانتظمنا في المتوسطة الثانية، ثم في مدرسة اليمامة الثانوية قريباً من مجلس الوزراء، وبعد التخرج أتيحت لي فرصة الابتعاث إلى سويسرا وفرنسا، ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكل دولة من هذه الدول تحتاج إلى أكثر من مقال، وقد كتبت مقالين عن سويسرا فهي عشقي الأول والأخير، فهي بلد صغير نظيف جميل أهله في منتهى اللطافة. أما فرنسا فلم أحببها يوماً. أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي بلاد تتكون من خمسين دولة في دولة واحدة، وبعض ولاياتها أناسها طيبون وبعضها غير ذلك، وقد كتبت عنها العديد من المقالات في جريدة الجزيرة وجريدة الشرق الأوسط.
وعلى كل فلكل واحد رأيه حسب الظروف التي عايشها.
وبعد فهذه نبذة من أيام وشهور وسنوات من حياتي عسى أن توافق هوى لدى البعض.
والله أسأله السداد والتوفيق.