قبل أن يبدأ شهر أكتوبر من العام 2023 والإعلام المصري والعربي من صحافة وإعلام وقنوات فضائية كانت تحضِّر للاحتفال بمرور نصف قرن على انتصار أكتوبر 1973 من تصريحات لجولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك وقادة إسرائيل السابقين من عسكريين ومحللين عسكريين، حتى أمريكا وأوروبا من قادة عسكريين سابقين ومحللين عسكريين خصوصاً بعد أن تم رفع حظر النشر عن وثائق عسكرية واستخباراتية كانت قبل الحرب وبعدها، فقد شاهدنا تحليلات توثِّق كيف انتصر العرب على إسرائيل كلا بما ساهم وكيف كان دوره حتى رئيسة الوزراء جولدامائير وعلى لسانها وعلى لسان موشى ديان كيف استغاثت بالولايات المتحدة الأمريكية حينها وكيف انتفضت أمريكا لإنقاذ إسرائيل، وهذا يوثِّق أن النصر كان حقيقياً وليس به شك كما يدّعي في الفترة الأخيرة بعض الجماعات التي كانت تروِّج لنصر أكتوبر على أنه لم يكن نصراً، وجيد جداً أن هذه الوثائق والتصريحات قد ظهرت أخيراً حتى تشاهد الأجيال الجديدة ماذا فعل العرب بعضهم مع بعض حتى تحرَّرت الأرض وارتفع الرأس إلى السماء بشهادة قادة خبراء العالم وقادة إسرائيل نفسها.
استيقظ العالم في 7 أكتوبر 2023 على هجوم مجموعة من حماس على مستوطنات إسرائيلية وقتل عدد من العسكريين وأسر عدد آخر من العسكريين والمدنيين من نساء وأطفال هذا كان العنوان يومها وهذا كان الفعل.. ولكن العالم وقتها وقف ينتظر رد الفعل ليس الإسرائيلي فقط، بل أيضاً رد الفعل الأمريكي والأوروبي، وسرعان ما تحركت أمريكا ورئيسها ووزير دفاعها ووزير خارجيتها مهرولين إلى إسرائيل للوقوف بجوارها لتنظيم صفوفها وتجهيز جيش الدفاع الإسرائيلي بكل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، ولو طلبت لبن العصفور كانوا سيجلبونه لها ولمَ لا فهي الابنة المدللة.
ونظرنا حولنا إذا بدول أوروبا كلها ترسل مبعوثيها إلى تل أبيب لتأييدها في رد فعلها أياً كان، وتمر الساعات والعالم يترقب كيف سيكون رد الفعل وما هي إلا ليلتان وقد وصلت حاملات الطائرات الأمريكية والسلاح المطور إلى تل أبيب لتسليح الجيش وفوراً بدأت الحرب باسم القضاء على حماس هذا هو العنوان للغطاء على ما سيقومون به لاحقاً، وحلَّق الطيران العسكري وبدأ في تدمير كل المؤسسات والجمعيات والمدارس والمستشفيات ومحطات المياه ومحطات الكهرباء ومنع الوقود وقطعت الطرق حتى لا يتحرك أي إنسان من مكان إلى مكان ومع تدمير كل مبنى يظهر الشهداء والمصابين من رجال وشباب ونساء وأطفال ومرضى تحت الدمار الذي يتم بكل وحشية وهمجية بكل أنواع الأسلحة بما فيها الممنوعة والمحظورة دولياً من قنابل فسفورية، ولمَ لا تستخدم إسرائيل مثل هذه الأسلحة المحظورة دولياً حتى لو اضطرها الأمر لاستخدام الكيماوي أو الذري في حربها ضد شعب مدني أعزل.
كل هذا والعالم والمجتمع الدولي يشاهد والحكومات الأوروبية وليست الشعوب تشاهد وتبارك لما يحصل في غزة وتجاهلوا شيئاً اسمه حقوق الإنسان والإنسانية دون تدخل فوري لإنقاذ المدنيين الذين يواجهون الموت في كل ثانية تمر عليهم.
ومع مرور الوقت وعندما بدأت الصور من داخل غزة وفلسطين تظهر لشعوب العالم وليس الحكومات بدأت الشعوب تشعر بأن هناك شعباً يُباد على أرض الواقع من دولة كانت تظهر للعالم أنها هي المظلومة وهي المضطهدة من جيرانها، فبدأت الشعوب في دولها تنزل إلى الشوارع بلافتات المعارضة للحرب وللإبادة الجماعية لشعب ظل سنوات وسنوات تحت نير الاحتلال والعالم كله يستكثر أن يقاوم أو يعيش أو يتنفس، فمن هنا بدأت أعداد المعارضة تزيد وتضغط على حكومات العالم فتحركت بعض الحكومات بتصريحات فقط وليس أكثر من ذلك لمعارضة الحرب.
وبدأت المفاوضات ووصلت لأخذ هدنة والهدف من الهدنة تبادل الأسرى فقط ثم استئناف الحرب مرة أخرى، وليت المفاوضين يتحركوا سريعاً قبل انتهاء الهدنة حتى لا يقع مزيد من الشهداء والمصابين.
وأخيراً:
ماذا كان هدف حماس وإسرائيل من هذه الحرب..؟ فحماس كانت تريد أن تقول كلمة في شهر أكتوبر شهر الانتصارات الذي يتذكره العالم ويتذكر القضية الفلسطينية وأياً كانت حماس فإنها تحركت.
أما هدف إسرائيل فقد أتتها الفرصة في ثاني يوم من ذكرى هزيمتها في 6 أكتوبر 1973 فإنها تريد أن يأتي هذا اليوم من كل عام وينسى قادتها وشعبها 6 أكتوبر بشهر أكتوبر كله وما يليه من نوفمبر وإلى متى..؟ الله أعلم بتدمير غزة كأن هذه الوحشية ضد المدنيين والأطفال والمستشفيات ينسيها حرب 1973 وعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف وهذا ما يتذكره شعبها دون النظر لأي هزائم سابقة.
** **
- جمال أحمد أبودسوقي