تمهيد:
العلماء في نجد قبل الدولة السعودية الثالثة هم القضاة حتى جاء التعليم النظامي ففصل بينهما، وكان لعلماء نجد جهود قضائية، ومناقشات علمية دقيقة، وحوارات فقهية فريدة، تستوجب من الباحثين والكتّاب إبرازها، وعرضها، وبيان ما فيها من إثبات لمكانة نجد العلمية تاريخياً.
ولعل من تلك الأمثلة الحوار الفقهي الذي دار بين الشيخ محمد بن ربيعة العوسجي البدراني الدوسري قاضي المحمل والشيخ أحمد بن محمد بن منقور التميمي قاضي سدير سنة 1116هـ-1704م في مسألتين فقهيتين، وهما:
- الاختصاص المكاني.
- والحكم على المُدعى عليه غيابياً.
في قضية ادّعاء مريم وفاطمة ابنتي عبدالله بن فارس على زوج أمهما كلثم بنت فارس أنه قد غصب نصيب أمهما من الميراث من العقار المسمى (بالعليا) في بلد (العودة)، والذي راجعه وحققه الأستاذ أيمن بن عبدالرحمن الحنيحن، وصدر في كتاب عن دارة الملك عبدالعزيز.
وكذلك ما سنستعرضه في هذه المقالة عن وكالة تجاوزت حدود نجد والتي ولًّى فيها الشيخ عثمان بن منصور قاضي سدير عبدالله بن عمران آل عامر البدراني الدوسري من أهل عودة سدير لجمع إرث والده عمران في سوق الشيوخ بالعراق.
نص الوثيقة:
أدناه نص الوثيقة كما كتبت:
«بسم الله الرحمن الرحيم
ليكن معلومًا عند من يصل إليه من حكام المسلمين وقضاتهم
بعد السلام الجزيل بأني قد وليت عبدالله ولد عمران بن عمران يقبض ما كان لإخوته المقصرين من إرث أبيهم في سوق الشيوخ وغيره من أمانة ودين وضميت إليه في القبض ناصر بن محمد حتى يلفي به على والدته مضاوي بنت عبدالرحمن بن مفيد في العوده وشهد عندي عبدالله بن حماد وعبدالرحمن بن خميس بلفظ الشهادة المعتبرة بأن مضاوي أم عيال عمران المذكورة وكلت على قبض نصيبها مما ذكر ابنها عبدالله المذكور فبذلك من قيض شيئًا من ذلك عليه فهو بري الذمه قال ذلك واثبته كاتبه
عثمان بن منصور يبلغ من نظر اليه جزيل السلام
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم حرر في 25 رمضان سنة 1256» (ختم: الواثق بالعلي الغفور عثمان بن منصور).
بيانات الوثيقة:
* حالة الوثيقة: الوثيقة بحالة جيدة، فقد سلمت من التلف والسقط والتعديل والطمس.
* شكل الوثيقة: تتكون الوثيقة من ورقة واحدة (عرضها 8 سم، وطولها 13سم).
* نوع الورق: استخدم في كتابة الوثيقة ورقة خشنة نوعاً ما، ولونها أصفر يميل إلى البني، وقوامها متين نوعاً ما مقارنة بغيرها من الوثائق، وهذه الأوراق (القرطاس) عادة ما كانت تجلب لسدير من العراق عن طريق أهل سدير الذين يعيشون في الزبير بالعراق، وقد وجدت في وثائق أسرتي مراسلات بين جدي ناصر بن عبدالله بن عمران وابن عمه الشقيق عمران بن حمد بن عمران مطلع القرن الرابع عشر للهجرة، وفيها أنه يرفق مع رسالته ورقًا.
* الخط: كتبت الوثيقة بخط الرقعة، وهو يعتبر خط بسيط يتواءم مع حركة اليد، وكذلك قليل التعقيدات والتزيينات، مما يجعل الكتابة به سريعة، ورسمه واضح وسهل القراءة، وهو خط عثماني في أساسه، واستخدم منذ القرن الثامن الهجري تقريباً.
* المداد: استخدم كاتب الوثيقة المداد (المداد هو المادة التي يكتب بها، بينما الحبر هو اللون الأسود) الأسود القاتم في كتابتها، وهو مستخلص من مواد طبيعية متوفرة بالبيئة المحلية في زمنهم، وتلك المادة هي السنو (مادة سوداء تتكون أسفل القدر أو المقرصة من جراء دخان النار)، ويسمى باللغة العربية الفصحى (السخام) حيث تكشط هذه المادة، ويضاف إليه الماء مع مادة حمضية مثل الخل (العفص)، ومادة شبه صمغية، ثم تغلى تلك المواد مع بعض، وبعد ذلك تحفظ أيامًا عدة، ثم توضع في إناء للحفظ. (للشيخ عثمان بن منصور قاضي سدير شرح لصناعة الحبر وضعه بعنوان: بيان عمل الحبر مثل هذا الحبر).
* السطور: كتبت الوثيقة على وجه واحد من الورقة، وبسطور متلاصقة، وهوامش ثابتة، وباستقامة واحدة، وبلغ عدد أسطرها (13) سطراً من غير سطر البسملة.
* علامات الترقيم: لم يستخدم كاتب الوثيقة علامات الترقيم، وهي علامات تكتب بهدف تنظيم القراءة والكتابة، أثناء النص أو في نهايته، مثل: النقطة والفاصلة، وهذا ملاحظ في معظم الوثائق النجدية في ذلك الوقت، وإنما جاء الترقيم عندما أدخل أحمد زكى باشا بطلب من وزير المعارف في مصر أحمد حشمت علامات الترقيم إلى اللغة العربية سنة 1912م.
* اللغة: اتصفت الوثيقة بتقيدها بالعبارات الشرعية التي يستخدمها قضاة نجد في وقتها، فقد امتازت بحسن الصياغة وإحكامها، ووضوح المعنى، ودقة الألفاظ، وبخلوها تقريباً من الأخطاء النحوية والإملائية.
* مصدر الوثيقة: الوثيقة محل الاستعراض إحدى وثائق أسرة العمران (وهم من آل عامر البدارين الدواسر أهل عودة سدير)، وهي محفوظة لديهم بأصلها ضمن أرشيف (خزانة) الجد ناصر بن عبدالله بن عمران بن محمد بن عمران بن محمد بن عامر، وسوف نستعرض ما يناسب منها في مقالات أخرى قادمة بإذن الله.
* بلد الوثيقة: عودة سدير، وهي من البلدات التي تتبع إقليم سدير (محافظة المجمعة)، التابعة لمنطقة الرياض، وتقع في السفوح الشرقية من جبل طويق، وفي الجانب الغربي من العتك الكبير، وتحتل جزءً كبيراً من وادي سدير (وادي الفقي)، وتبعد عن مدينة الرياض حوالي 130 كم شمال غرب، وهي من أقدم قرى سدير، ويوجد بها على سبيل المثل: موقع بلدة قديمة تسمى مسافر، وقصري غيلان وجماز، واكتشف بعض المتخصصين في الآثار على بعض الحجارة القريبة من تلعة العبادية وسوم ورموز بالقلم الثمودي.
* تاريخها: حررت الوثيقة يوم الجمعة 25 رمضان 1256هـ، الموافق 20 نوفمبر 1840م.
* المتوفى: عمران بن محمد بن عمران بن محمد بن عامر البدراني الدوسري.
* نوع الوكالة: وكالة خاصة.
* كاتب الوكالة: الشيخ عثمان بن منصور (سنفرد له ترجمة خاصة في هذه المقالة).
* الختم: مهرت الوثيقة بختم الشيخ عثمان بن منصور (الواثق بالعلي الغفور عثمان بن منصور).
* الشهود: شهد على هذه الوكالة، كل من:
- عبدالله بن حماد: الشيخ عبدالله بن محمد بن ناصر بن حماد، تولى إمامة جامع عودة سدير في الفترة من 1254هـ إلى 1277هـ تقريباً، ومن كُتابها الشرعيين المعتبرين، وثًّق كثيراً من المبايعات والوصايا والشهادات في العودة (ضمن وثائق أسرة العمران)، وزوجته هيلة بنت عبدالمغني بن عبدالله (المطيويع) من أهل العودة ويعودون للبابطين الأسرة المعروفة في روضة سدير، وأخوه مشاري بن محمد بن حماد تزوج مضاوي بنت حمد بن ريس ورزق منها بنته هيلة، للشيخ عبدالله بن حماد من الذرية:
- ناصر: تزوج هيلة بنت حمد بن شويش، ورزق منها بولد اسمه محمد، وتزوجت بعده سلطان بن حسين بن شويش.
- منيرة: زوجة حمد بن عمران بن محمد بن عمران، لها منه الأبناء: عمران وإبراهيم، وتزوجت بعد ذلك منصور بن جمهور وانجبت منه هيلة.
- حصة: زوجة مقرن بن علي بن سعود بن شويش، لها منه ابن: علي.
- هياء: زوجة عبدالله بن حمد بن عبدالله بن ريس، لها منه الأبناء: عبدالكريم وعبدالرزاق.
قال عنه الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم أبابطين في أحد الوثائق، الخط المذكور بطن الورقة خط عبدالله بن حماد ساكن العودة، أعرف خطه يقيناً، كما أعرف شخصه، وهو عدل ثقة.
- عبدالرحمن بن خميس: عبدالرحمن بن خميس من البدارين الدواسر من أهل عودة سدير، وهو خال عبدالله بن علي بن عبدالله بن عمران بن محمد بن عامر.
كاتب الوثيقة:
* نسبه: الشيخ عثمان بن عبدالعزيز بن منصور بن حمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حسين الحسيني الناصري العمروي التميمي.
* نشأته: ولد سنة 1200هـ في بلدة الفرعة بإقليم الوشم، ونشأ في سدير (يذكر إن أول انتقال لها كان في روضة سدير).
* علمه: أخذ عن علماء الوشم والدرعية والرياض وسدير، ثم رحل إلى العراق وأخذ عن علماء بغداد والبصرة والزبير، ثم حج وأخذ عن علماء الحرم.
* ولاية القضاء: ولاه الإمام تركي بن عبدالله قضاء جلاجل، ثم لما تولًّى الحكم الإمام فيصل بن تركي ولاه قضاء حائل، ثم ولاه قضاء سدير.
* مؤلفاته: كان محباً لجمع الكتب، وتكونت لديه مكتبة كبيرة، له عدد من المؤلفات من بينها (فتح الحميد شرح كتاب التوحيد) وفيه شرح لكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب طبع في أربع مجلدات، وكتاب (الرد الدافع على الزاعم أن شيخ الإسلام ابن تيمية زائغ) رد فيه على عثمان بن سند بقصيدة دافع فيها عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وبين منهج العقيدة السلفية في نجد، وكتاب (التحفة الوضية في الأسانيد العالية المرضية المتصلة بصفوة الأمة المرحومة المحمدية).
* وفاته: توفي رحمه الله في ربيع الأول سنة 1282هـ في حوطة سدير.
الموكلين:
حسب هذه الوكالة فقد ولًّى الشيخ عثمان بن منصور رحمه الله كل من:
- عبدالله بن عمران: وهو عبدالله بن عمران بن محمد بن عمران بن محمد بن عامر البدراني الدوسري، زوجته موضي بنت عبدالله بن سعود بن شويش، رزق منها بخمسة أبناء هم: عمران، وناصر، وإبراهيم، وعلي، ومحمد.
- ناصر بن محمد: وهو ناصر بن محمد بن سعيد، وهو زوج طرفة بنت عمران بن محمد (ابنة المتوفى).
زوجة المتوفى (عمران بن محمد):
مضاوي بنت عبدالرحمن بن مفيد (والغالب أن الاسم ينطق بن نفيد؛ ولكن لصعوبة النطق بذلك تم إدغام النونين بنون واحدة ثم ميم، ولقد وجدت في بعض وثائقنا تذكر الأسرة بهذا الشكل بن نفيد)، وهي ابنة أخت تركية بنت مفيد زوجة محمد والد عمران (المتوفى)، وآل مفيد كما يذكر الفاخري وغيره من مؤرخي نجد في أحداث سنة 1057هـ: (مفيد) جد آل مفيد و(مزروع) جد آل ماضي جاء من قفار البلد المعروفة في جبل شمر، واشترى مزروع هذا الموضع (روضة سدير) في وادي سدير واستوطنه وتداولته ذريته من بعده.
الأخوة القاصرين:
ورد في الوثيقة أن عبدالله بن عمران ولاه الشيخ عثمان بن منصور على قبض إرث إخوته القاصرين، وهم: (إبراهيم، وحمد، وعبدالعزيز).
* إبراهيم: تزوج زهية بنت سعود بن شويش ورزق منها بابن وحيد هو عمران الذي ذهب للعمارة في العراق، ومنها انتقل للشام، وتوفي ولم يرزق بذرية.
* حمد: تزوج منيرة بنت الشيخ عبدالله بن حماد، ورزق منها بابنين هما: عمران وإبراهيم، وبنتين هما: حصة ومضاوي.
* عبدالعزيز: رزق بابنة وحيدة هي موضي، تزوجها عبدالعزيز بن علي بن عبدالله بن عمران بن محمد بن عامر.
سوق الشيوخ:
يذكر سليمان الدخيل (وهو صحفي من أهل القصيم وانتقل إلى العراق، ولد في مدينة بريدة سنة 1873م، وتوفي في بغداد يوم الخميس 12 محرم 1364هـ الموافق 1944م) في مقال له في مجلة لغة العرب العدد 19 بتاريخ 1 يناير 1913م أن سوق الشيوخ يقع جنوبي لواء المنتفق، وأنه يحده شمالاً وشرقاً نهر الفرات، وجنوباً وغرباً الصحراء الشامية، وهو يبعد 40 كيلو متراً عن الناصرية وهو تحتها، و140 كيلو متراً غربي البصرة، و130 كيلومتراً جنوب غربي العمارة، وأن مؤسسه هو الشيخ ثوينى المحمد جدّ الأسرة السعدونية شيوخ المنتفق، وأن تأسيسه كان سنة 1175هـ، وكذلك ذكر أن سكانه من عرب ثويني وأهالي نجد.
ومما يجدر ذكره هنا أن كثيراً من أهل نجد الذين نزحوا للعراق كانت لهم تجمعات سكانية منها سوق الشيوخ والخميسية (قضاء تابع لسوق الشيوخ) والعمارة؛ إلا أن التجمع الأكبر كان في الزبير جنوب العراق، بل إنه كان نجدياً خالصاً من حيث السكان، وكانت إمارته فيهم.
معاني بعض الكلمات:
وردت في هذه الوثيقة بعض المفردات والعبارات، التي ربما يشكل على البعض فهمها، لذا سنوضح المقصود بها في سياق الوثيقة، فيما يلي:
* وليت: جعلت له الولاية في الاستلام والإقرار بالتسليم.
* يقبض: يتسلم ما للموكل عنه من حقوق مالية أو عينية.
* المقصرين: الأطفال دون سن البلوغ، وقيل سن الرشد وهو ثمانية عشر سنة.
* يلفي: يرجع ويعود إلى أهله.
* قيض: سلم ما لديه وفي ذمته للوكيل.
* بري الذمة: أدى ما عليه من التزام وحقوق.
رسم الأرقام التي وردت في الوثيقة:
من خلال اطلاعي على وثائق أسرتي، والوثائق النجدية، وجدت أن رسم الأرقام يختلف في بعضها عن ما هو معمول به في الوقت الراهن في ثلاثة أرقام، وهي الأرقام: أربعة وخمسة وستة، وخصوصًا الوثائق القديمة، ويبدو أنها أخذت من رسم الأرقام الهندية القديمة، وبعضها مستخدم في بلاد المغرب العربي، وفي الوثيقة ورد رسم لرقمين هما ستة وخمسة، وهي على النحو التالي:
تحليل الوثيقة:
أ. الحالة السياسية فترة كتابة الوثيقة:
هذه الوثيقة محل الدراسة تقدم لنا بعض المعلومات عن واقع الحالة السياسية والدينية والاجتماعية لنجد في تلك الفترة بشكل عام وسدير بشكل خاص، فاستهلال الوكالة بلفظ «ليكن معلومًا عند من يصل إليه من حكام المسلمين وقضاتهم» توضح أن تلك الفترة كانت فترة اضطرابات وتغيرات سياسية سريعة، لذا كان قاضي سدير الشيخ عثمان بن منصور بحكم ولايته القضائية يكتب وكالة خارج نجد يعرف بحكم علمه أنها لابد أن تصاغ بطريقة تجعلها مقبولة ونافذة لمن تقدم له، ففي ذلك الوقت وهو يوم الجمعة 25 رمضان 1256هـ، كانت نجد تعيش حالة من الاضطراب في بدايات تأسيس الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبد الله بن محمد (1240 - 1309هـ)، كما أن الوضع في سوق الشيوخ التابع لإمارة المنتفق مشابهاً للحالة النجدية من حيث عدم الاستقرار، فقد كان أمير المنتفق أيام نامق باشا (والي بغداد) هو عيسى بن محمد بن ثامر السعدون، والذي توفي حرقاً سنة 1259هـ الموافقة 1843م.
ب. الوكالة الشرعية:
تعرف الوكالة بأنها: عقد يتم بمقتضاه تكليف شخص لشخص آخر، أو القاضي لشخص معين، بالقيام بإجراء معين نيابة عن شخص آخر.
وفي هذه الوكالة محل الدراسة فوض الشيخ عثمان بن منصور ابن المتوفى عبدالله بن عمران (بالإنابة عن إخوته القاصرين) في جمع إرث والدهم في سوق الشيوخ وغيره، وأثبت شهادة عبدالله بن حماد وعبدالرحمن بن خميس على توكيل مضاوي لولدها عبدالله بالإنابة عنها كذلك، وأضاف في الوكالة ناصر بن محمد بن سعيد زوج أخت عبدالله بهذه المهمة، ولكنه حدد مدة وكالة ناصر إلى حين عودة عبدالله من سوق الشيوخ، كما يلاحظ أن الشيخ حدد مهمة الوكيل في جمع الإرث دون التصرف فيه.
وبذلك يتضح أن قاضي سدير الشيخ عثمان بن منصور قد استوفى كامل شروط الوكالة الشرعية وهي: التراضي بين الموكل والوكيل، ومحل العقد من الأمور الشرعية الجائزة، وإيضاح السبب للتوكيل وهو جمع الإرث، وأهلية الوكيل، والشهود العدول.
وتعتبر هذه الوكالة من نوع الوكالات الخاصة، فمهمة الوكيل ليست مطلقة، ولكنها محددة بمهمة معينة، وهي جمع إرث والده.
ج. وكالة خارج نجد:
يقع نطاق عمل القضاة فيما يطلق عليه الفقهاء الاختصاص المكاني، وتجاوز هذا الاختصاص المكاني يتطلب تفويض من الحاكم السياسي؛ إلا أنه يلاحظ أن هذه الوكالة تجاوز فيها قاضي سدير الشيخ عثمان بن منصور حدود سلطته القضائية وهي سدير، فأصدر وكالة قضائية عامة، فاستهل الوكالة بقوله: «ليكن معلومًا عند من يصل إليه من حكام المسلمين وقضاتهم»، وربما يمكن تفسير ذلك للأسباب التالية:
* إن الاختصاص المكاني يتمثل في مكان النظر في قضية توزيع الإرث، وهو عودة سدير، وهذه البلدة تقع ضمن الاختصاص المكاني للشيخ حيث إنه قاضي سدير.
* إن الوكالة فرع من النظر في القضية، وأن اكتمال جوانب القضية يستلزم صدور هذه الوكالة لمناطق تقع خارج نطاق اختصاص الشيخ المكاني.
* إن الحالة السياسية للمنطقة عامة، بما فيها مكان نظر القضية، ومكان جمع الإرث، غير مستقرة سياسياً كما سبق ذكره.
ولعلنا هنا نشير إلى أهم الفوائد التي يمكن استخلاصها من الوثيقة:
* المكانة العلمية والقضائية للشيخ عثمان بن منصور في نجد وخارجها، فهو لم يوضح في الوكالة طبيعة عمله، مما يعني أنه معروف لدى قضاة زمانه وحكامهم، والمعروف لا يحتاج أن يعرف.
* اتساع تجارة أهل سدير مما تجاوز مناطق وجودهم وهي سدير، لتشمل العراق.
* طبيعة العلاقات التجارية التي تربط تجار نجد بالمناطق الأخرى من الجزيرة العربية.
* إن تجارة أهل إقليم سدير كانت متوجهة غالباً للعراق، بينما تجارة أهل القصيم على سبيل المثال كان توجهها بشكل عام للشام ومصر من خلال العقيلات، كما أن تجارتهم كانت تصل لسوق الشيوخ في العراق.
ختاماً نسأل الله لجميع من وردت أسماؤهم في هذه الوثيقة والمقالة الرحمة والمغفرة، ولجميع موتى المسلمين.
**
- أ. د. حمد بن إبراهيم بن عبدالله بن ناصر العمران