أكَّد زعماء أكبر الاقتصادات في العالم، خلال اجتماعات قمة مجموعة العشرين في نيودلهي بالهند، على الرؤية المتمثلة في ضرورة تعزيز التعاون العالمي وتبادل أفضل الممارسات في مجال المياه. وانطلاقاً من هذه الرؤية المشتركة، أقرّوا جميعاً بأهمية معالجة أحد التحديات الأكثر إلحاحاً في عصرنا والمتمثّل في الحاجة إلى الحفاظ على أنظمتنا البيئية وحمايتها واستعادتها وتحقيق استخدامها المستدام، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمياه. وفي هذا الإطار، يعترف إعلان قادة مجموعة العشرين لعام 2023 بالدور المحوري للمياه في مساعينا الجماعية نحو تحقيق مستقبل أكثر استدامة ومرونة.
وهذا هو بالضبط ما تدعو إليه المملكة العربية السعودية منذ أن تولت رئاسة مجموعة العشرين في العام 2020، وحالياً مع الإعلان الذي صدر مؤخراً في الرياض من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- عن تأسيس المنظمة العالمية للمياه.
في العام 2020، اعتمدت المملكة العربية السعودية ملف المياه كأحد الموضوعات الجوهرية لرئاستها. لكن لماذا؟ لأن المياه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياة نفسها، وبالتالي فإن لها أهمية بالغة في جميع مبادرات التنمية المستدامة، وعليه تم عقد أول حوار حول المياه في المملكة في العام 2020 . و
بفضل القيادة الرشيدة للمملكة، أصبحت المياه الآن موضوعاً رئيسياً في أجندة مجموعة العشرين، ومع الإعلان عن تأسيس المنظمة العالمية للمياه، فإن معالجة قضايا المياه ستمثّل أولوية في الأجندة الدولية.
وفي ضوء ما يواجهه العالم من تحديات متزايدة، ينبغي علينا إدراك أن التهديد المرتبط بندرة المياه ليس بعيداً عنا، بل هو حقيقة صارخة بالنسبة لملايين البشر، حيث تكافح المجتمعات بالفعل في وجه العواقب الوخيمة لعدم كفاية فرص الحصول على المياه النظيفة، بدءاً من تراجع الصحة وخدمات الصرف الصحي إلى تذبذب الاستقرار الاقتصادي. وإذا لم نتخذ إجراءات سريعة وحاسمة اليوم، فإن أزمات الغد ستكون بلا شك أزمات مائية.
ومن المشجع أن نرى التزام اقتصادات مجموعة العشرين بعالم أكثر استدامة. وهذا التوجه الطموح، إذا ما اقترن بتعزيز التعاون العالمي وتبادل أفضل الممارسات في مجال المياه، يؤكد عزمنا الجماعي على حماية وصون هذا المورد الثمين. وتمثّل المبادرات التي تم إطلاقها في مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023، وحوار مجموعة العشرين حول المياه، الذي أطلقته المملكة، خطوات مهمة في الاتجاه الصحيح.
لكن مع ذلك، ينبغي علينا فعل المزيد. وهنا تقف المنظمة العالمية للمياه المعلن تأسيسها على أهبة الاستعداد للقيام بما يلزم. فمن خلال تعزيز التعاون بين الدول وتحفيز الاستجابة الجماعية لتحديات المياه، ستكون الفائدة شاملة للجميع.
إن رؤية المملكة تكمن في أن المنظمة ستعمل على سد الفوارق من خلال التعاون والتآزر، حيث تدرك المملكة أن قضايا موارد المياه تختلف باختلاف المناطق ومراحل التنمية. ونحن نعتمد نهجاً محدد السياق يعطي الأولوية للحلول المصممة خصيصاً لمواجهة التحديات المختلفة لكل دولة.
ومن خلال التعاون الدولي، سنسعى جاهدين عبر المنظمة إلى مساعدة البلدان النامية على تعزيز الإدارة الفعَّالة للموارد المائية. ويتمثَّل هدفنا في ضمان تقدّم كل بلد نحو تحقيق استدامة الموارد العالمية للمياه، وعدم ترك أي أحد خلف الركب في هذه الرحلة الحيوية.
إن إعلان قادة مجموعة العشرين لعام 2023 وضع العالم على مسارٍ واعد، مسار التعاون الدولي والمسؤولية المشتركة. ودعونا اليوم نغتنم هذه اللحظة لنحقق تغييراً هادفاً، لأنه بحماية مياهنا، فإننا نحمي كوكبنا والأجيال القادمة. العالم لم يعد يتحمّل ترف الانتظار. المطلوب التحرك اليوم قبل فوات الأوان.
** **
د. فهد بن سعد أبو معطي - وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة للشؤون التنظيمية - المشرف العام على الجهاز التنفيذي لمنظِّم المياه