يُعد الكتاب من وسائل التعليم المهمة عبر القرون، فبه تتباهى الأُمم بالخزائن التي أنشأتها لأجله، وبه يتفاخر الأعلام بمقتنياتهم منه، وغير ذلك من الأمور ذات الصلة.
وفي هذا الصدد، تُعد العاصمة السعودية (الرياض) من المُدن التي تحتل الصدارة من حيث وفرة المكتبات مقارنة بمدن المملكة الأخرى، وما زالت تقاومُ في الحفاظ على وجودها، على الرغم من وجود التِقانة المتطوّرة التي حظي بها الكتاب والتي تحوّل خلالها من الورق إلى عالم الكتاب الحاسوبي أو الالكتروني، فبعض المدن التي كان للكتاب في تاريخها حضور بدأت تتقلص مكتباتها شيئاً فشيئاً ولذلك أسبابٌ كثيرة ليس هنا مكان مناقشتها، ومع غياب بعض المكتبات التي لها تاريخ في مدينة الرياض عبر الإغلاق أو تقليص الفروع، إلا أنه لا يزال هناك مكتباتٌ تعتمد الكمَّ والكيفَ في آنٍ معاً، وله كذلك -الكتاب- حضورٌ وسوق رائجة.
وفي ظل هذه المسألة صارَ تجمعٌ لبعض المكتبات في مكان واحد دون تنسيقٍ مُسبق -حسب متابعتي- وهذا التجمّع للمكتبات الذي كان موزّعاً على أحياء الرياض (ولا يزال) صار تجمّعاً كما أسلفتُ في مكانٍ لم يكن فيه في السابق إلا مكتبات محدودة جداً ولا تشكّل ظاهرة بارزة، حتى صار الأمرُ أشبه بالمكان المشهور لكل من يسأل عن كتابٍ ما وهو (مخرج 15) الواقع بالدائري الشرقي، بحيث أصبح عدد المكتبات فيه في الوقت الحالي ما يقارب (15 مكتبة) بعد غياب بعض المكتبات المهمّة فيه، إلا أنه لا يزال هذا التجمّع هو الأشهر -في نظري- رغم وجود بعض التجمعات الأخرى التي بحاجة إلى التفاتة وعدم نسيان من قبل عاشقي الكتب الورقية.
أعود لعنوان المقال، والذي رغم شهرة مخرج (15) وأنه مكان لبيع الكتاب الجديد والمستعمل، بحيث تباع فيه المقررات الدراسية القديمة والجديدة وكتب أخرى في شتّى صنوف المعرفة، في ظل هذا كانت للأستاذ مزيد العصيمي محاولة لتسمية المكان بـ(جادّة الكتب) عبر وسائل التواصل الاجتماعي على غرار شارع المتنبي في بغداد، وسور الأزبكية في القاهرة، لكن يبدو أن المحاولة لم تأخذ نصيبها من الشهرة من حيث تعميم هذه التسمية، حتى إنه تبادر لذهني لو أنّ كاتباً روائياً أنتج عملاً أدبياً يحمل هذا الاسم (مخرج 15) لكان شيئاً جيداً، وهذا المقترح ليس مزاحاً، بل هو تخليدٌ لمكانٍ له من الشهرة نصيبٌ يحمل جزءاً من الذكريات لكل مثقفٍ يقصد الرياض في بعض المواسم أو على مدار السنة إن أراد، وخصوصاً أن في هذا المكان مكتبات مهمّة وبعض دور النشر، ولا أستطيع تسمية بعضهم لأن كل أصحاب المكتبات في هذا المكان وغيره من أصحاب المكتبات بالرياض أعزائي وأحبابي، حيث تربطني ببعضهم وشائج علاقة تمتد لمدة 25 سنة، وعليه تستحق مكتباتهم الزيارة لما فيها من الكنوز ما لا يُحصى، ومن التنوّع المعرفي ما لا يُذكر.
ولا يزال هذا المكان (مخرج 15) أحد أهم المواقع التي حريٌ بالمثقفين زيارته سواءً لمتابعة مستجدات الكُتب، أو رصد حركة البيع والشراء، أو للبحث عن كتبٍ ذات طباعة محددة، أو نحو ذلك، وخصوصاً أن بعض هذه المكتبات لها حضور في ثقافة طلبة الجامعات والمعاهد والكلّيات، حيث يشهد هذا المكان اكتظاظاً بشرياً بداية كل فصلٍ دراسي جديد، والباعة في تلك المكتبات يحملون من الثقافة الشيء الجميل من معلومات حول بعض الكتب وأسماء المؤلفين والمحققين ودور النشر وكل ما له صلةٌ بالكتاب، وأهم شيء يحمله أولئك هو الصبر والأخلاق الحميدة وسعة الصدر والمرونة في التعامل، ونأمل أن يصبح هذا المكان موئلاً للمثقفين مع زيادة عدد المكتبات ودور النشر لنحظى بنشاطٍ دؤوب في المحافظة على الكتاب وتسويقه، خصوصاً وأن الكتاب في هذا المكان وغيره لا يزال يباع إجمالاً بسعر معقول، وهو ما يحفّز القارئ على الشراء أو الزيارة أو بهما معاً.
** **
- عبدالله بن علي الرستم