الاهتمام باللغة والمكان ناضح في سرديات القاص عبدالله الناصر فهما لا ينفصلان عن المستوى الفني في المجموعات السردية التي أبدعها الأستاذ عبدالله الناصر.. وهذه الأعمال التي قدمت صورة انطباعية عن أدبه تمثل أهمية كبيرة في الجانب القيمي الفني لهذه المجموعات القصصية. وفي الحقيقة إن استخداماته اللغوية لم تبعد القارئ عن تمثل الواقع الذي وصفه الناصر والتصق به سواءً أكان في المدينة أو في القرية أو في الأفق المعيش الذي يحف وجدانياته؛ فحين يتكلم عما يختلج في خواطر ذاته يشرك غيره في هذا الهم البشري من رغبات ومشاعر ووجدانيات ومتغيرات وغايات وكل ما تتطلبه الحياة من هذه القيم النفسية التي تسهم في تشكيلها الاختلافات السلوكية والتحولات الاجتماعية. لذلك لا نجد عبدالله الناصر يبتعد عن قارئه فهو قريب منه جدًا؛ ولهذا احترم قراءه بأنه يفضي لهم بصدق عن مكنونات الكاتب ورؤاه وبأنه يولي الجانب اللغوي من جهة أهمية الكشف والشفافية الفنية فلا يرهقه عبر مخياله الفني بكثير من الصور المتلاحقة والمضطربة والكتابة الخارجة عن المألوف ولكنه يقدم له وصفاً يشعره بالقرب والمشاركة بانحيازه للتاريخي والإنساني؛ لذلك نجد سمو الوصف الواقعي مُعلنًا عن تراصف كثير من تمثلات الناصر للأحداث والتماعها في لغته؛ ولهذا ستجد أن كل ما كتبه من قيم سردية يربطك تماماً بتجارب متآلفة أو متنافرة متعاقبة أو متباعدة وينقلها بمشاعره إلى عالمه الثر دون تجوز أو قلق. هذا الهاجس المهم أعتقد أنه ملمح مؤثر ومفتاح غني للدخول إلى عالم الناصر السردي أرجو ألا يهمله النقاد فهو ناضج في مسيرته الإبداعية وناصع في كتاباته الواقعية والفنية ولاسيما أن الناصر معني باللغة ومأخوذ بها. ومن جانب ثانٍ فهو يتكئ على إرث عظيم من المشاهدات والمعايشات والمعلومات الثرّة فمخزونه المعرفي عن الكون المحيط به مملوء حد التشوق إلى وصفه الماتع ولم يتردد الناصر عن تصويره ونقله إلى المتلقي لكنه وصفه وصفًا حذرًا إذ لم يكن فيه شيء من النأي عن القارئ؛ فهو يشعره وكأنه رفيقه في الطريق. ولذلك يجد المتلقي في قصصه هذه المعاهدة والهدنة الأدبية الجميلة التي يرتاح لها. حين ينتقل به من فنن إلى فنن من خلال صوره الشائقة بهذا الحنو فيا له من كاتب قدير يتلمس تارة جريد النخل، وسعفها، ليزف نسمات الماضي إلى تشوق الحاضر ويرسم الشجيرات المورقة بذاكرة الزمن المفعم بالحياة البكر وجمال الطبيعةلخالصة إنها تجارب تلتصق بهذه النخلة الباسقة بالإنسان الشامخ.
وإنني لمؤمن بأن ثمة قراءات نقدية تنتظر الروايتين اللتين سيصدرهما ذات حين وهما: «العوجة - والعرق الأخضر» ولأجل هذه السمة البارزة في كتاباته لا تخرج عن هذين الأفقين الاهتمام باللغة إلى جوار اهتمامه بالمكان من خلال استحالته عنده إلى عمل شفيف يشي بالحميمية هذه الملاصقة للمكان والتعامل معه على أنه عنصر من العناصر المكونة للعمل الفني، وكذلك اللغة التي أؤكد على أنها متصفة بالواقعية والسلامة وكثيرًا ما تربط هذه العلاقة بين رغبته العارمة في الكتابة من جهة وانحيازه للمكان المحرك لبوصلة الكتابة لديه من جهة أخرى. إنها قيم مؤثرة تؤثث للمعنى المنتج وتقوم بخلق الجو الإنساني الفاره بين الكاتب وقارئه.
عبدالله الناصر القارئ غير منفصل عن الناصر المبدع فالإبداع سنجده في الشخصية التي دعمت الثقافة كموظف إداري وكمسؤول ومشرف عمل على هذا المنشط بحس وطني، وإخلاص جُبِل عليه؛ ولولا أنه جُذِب إلى ذلك لكانت أعماله الأدبية أكثر مما هي عليه الآن؛ لأنه قسم وقته على هذا الجانب؛ فلله دره من كاتب ومثقف خدم أدبنا، ووطننا، وأمته، وعبّر عن أدبياته بهذه الصورة المائزة الشائقة.
** **
- د. نايف الرشدان