محمد آل الشيخ
كان السعوديان محمد المسعري وزميله سعد الفقيه قد انشقا في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وهربا إلى لندن، على أمل أن يعودا منتصرين بعد إذكاء ثورة شعبية سنية، على غرار ثورة الخميني الشيعية، وكانت الصحوة الإسلامية حينذاك في أوج غليانها الاجتماعي، بعد غزو صدام للكويت، والاستعانة بالقوات الأجنبية لإخراجه من الكويت، والحفاظ على الحدود الجغرافية للمملكة. كان المغفلان المسعري والفقيه يظنان حينها أن هزيمة منكرة ستحل بالمملكة وحلفائها، وأن بلادنا ستنتهي إلى الاحتلال الأجنبي، إما من صدام إذا انتصر، أو من قوات الحلفاء إذا ما انتصروا، على افتراض غبي ساذج مؤداه أن القوات الأجنبية ستحتل المملكة بعد طرد صدام من الكويت. طُرد صدام، ورحلت القوات الحليفة قاطبة، وعادت الأمور إلى مجاريها، واستتب الأمن، وانتشر الاستقرار، واستمرت عجلة التنمية، وفشلت رهانات الصحويين ومنهم المنشقان المسعري والفقيه، وكانت تلك الواقعة أولى هزائم الصحوة المشؤومة، وانكشاف أمر أساطينها للشعب السعودي الخاصة منهم والعامة، وخاصة لكبار العلماء، الذين كان بعضهم يتعاطف معهم في البداية، على اعتبار أنهم - أي الصحويين - كانوا أهل دين وصلاح، ولم يعرفوا حينها أن أساطينهم كانت أفاعي مؤدلجة، تسعى إلى إسقاط الدولة، وأنهم فئة مسيسة يستترون بقال الله وقال رسوله.
المسعري وزميله الفقيه كانا يحللان الأمور، ويقرآن المستقبل، بأسلوب (رغبوي) محض، لا يمت للعقلانية ولا للواقعية والموضوعية بأي صلة. وبعد تكرر فشلهما الذريع لدى أغلب السعوديين تحولا إلى (معارضين برسم الإيجار)، فكل من أراد إيذاء المملكة وإزعاجها استأجرهما، ودفع لهما مبلغاً من المال، وقد اعترف المسعري صراحة بذلك وسمى الجهة التي ترشيهما هو والفقيه، بعد أن دب الخلاف والشقاق بينهما، ودخل المسعري مع صاحبه الفقيه في معركة سب وشتم مضحك، تندر عليها السعوديون كثيراً، وأطلقوا عليها اسم (معركة ذات الدباسات)، بعد أن اختلفا على مقتنيات مكتبهما في لندن، وتقاسما فيما بينهما الأقلام والأضابير والدباسات والمحايات والمكاتب وأجهزة الكمبيوتر. واستمر كل واحد منهما يعمل بمفرده، ويكيد هذا لذاك والعكس صحيح؛ والغريب أن هذا الفشل الذريع لم يؤد بمن يمولهما إلى التوقف عن التمويل، ويبدو أن الممول نفسه هو الآخر لا يقل غباء وحمقاً عن هذين الرجلين. وكان سبباً رئيساً ليس لفشلهما فحسب وإنما لفشل كل حركات الانشقاقات المماثلة أن السعوديين قد يختلفون فيما بينهم، وربما يتشاتمون بحدة ويتخاصمون، لكنهم أمام الأجنبي أو الخائن يتحولون إلى قلب رجل واحد، فيواجهون أعداءهم متحدين بشراسة، مهما كانت اختلافاتهم الفئوية أو الأيديولوجية أو المناطقية، ظهر ذلك جلياً أثناء الغزو الصدامي للكويت، وتهديده لحدود المملكة، وظهر في معركتنا الحالية مع الحوثي؛ ومن يعرف شعب المملكة، ويعرف معنى الحمية والإباء والنخوة العربية الأصيلة، يدرك أن أي غزو قادم من الخارج، وإن اصطحب معه سعوديين خونة، لن يجد ولو ثقب إبرة يتسللون منها إلى الداخل، فالمعارض المقيم في الخارج في قواميس السعوديين هو (منشق)، ومن يقرأ كيف ينظرون للمنشق الموالي للعدو يوم الزحف في المأثور السعودي يدرك أن من ينشق، ويتحالف مع الأعداء، ويعيش بين ظهرانيهم، فهو في النتيجة إنسان خائن، قد لا يعيرونه اهتماماً في البداية، وقد يجد فئة صغيرة هامشية من الساقطين يتعاطفون معه، لكن الأغلبية الساحقة ستعتبره بالمختصر المفيد (خائن).
ولأن المسعري مغفل، ويتعاطى الأدوية لعلاج الاكتئاب، ويتعاطى أيضاً الخمر كما ذكر المنشق الآخر عبدالعزيز الحضيف في تغريدة له، فقد كان أقرب منشق (لكب العشا) كما يقولون. المسعري المخبول بعد أن قصف الإيرانيون منصات تصدير النفط في رأس تنورة ظهر على حقيقته وغرد في تويتر قائلاً: (منشور سابق إلى الأنصار إذا أنتم تريدون رفع الحصار عن البلد وإيقاف العدوان فعليكم بدك هذا الميناء «ميناء رأس التنورة» وصدقوني سيقف العدوان فورا!! لأن أكثر من 90 % من صادرات المهلكة للمشتقات النفطية من هذا الميناء ودكه يعني اجتثاث عصب الاقتصاد السعودي).. أي أنه تحول ليضع نفسه في صف العدو الحوثي قلباً وقالباً بل بدون أي حياء. أهمية هذه التغريدة أنها جاءت من أسطون المنشقين الأول، وأكبرهم سناً، ما يعني أنه كان يعبر فيها عن موقف المنشقين الآخرين من زملائه؛ في الغرب قد تعترض على الحكومة وتخالف منهجها، لكن أن تنضم بوضوح إلى صفوف أعداء الدولة والوطن فأنت في جميع أعراف العالم كله يعني أنك (خائن) خسيس. الآخرون من المعارضة قد يكونون أحرص من هذا الأحمق ولا يتخذون مثل هذه المواقف، لكنهم في أعماقهم لا يختلفون قيد أنملة عنه.
إلى اللقاء