كشفت لوحات رسوم صخرية في المناطق الشمالية والشمالية الغربية من المملكة استخدام إنسان هذه المناطق الكلاب المدربة في الصيد منذ العصر الحجري الحديث (الفترة من 9000 - 4500 قبل الميلاد).
وأوضحت دراسة للدكتور نايف القنور أن لوحات رسوم صخرية من موقعي الشويمس وجبة بمنطقة حائل أظهرت مشاهد صيد تؤرخ إلى العصر الحجري الحديث، وفيها رسوم الصياد مع كلب صيد مدرب، ولوحة الصياد وهو ممسك بقوس وسهم وأمامه ستة كلاب صيد موزعة بطريقة رائعة، ويقف أمامها وعل بحجم كبير وقرون طويلة ملتفة نحو الخلف بشكل مبالغ فيه، ويتجه هذا الوعل بجسمه نحو الصياد.
ورصدت الدراسة عمليات الصيد التي ظهرت في لوحات الرسوم الصخرية خلال فترات مختلفة من عصور ما قبل التاريخ، واستنطاق طبيعتها للوصول إلى فهم أكبر عن طرقها وأنواعها والحيوانات المستهدفة والأسلحة المستخدمة وما يمكن أن نصل إليه من خلالها من معلومات تعزز هذا الجانب الحيوي والحضاري في منطقة الدراسة التي تمثل عينة للأجزاء المتبقية من الجزيرة العربية.
وقام الباحث بتقصي عمليات الصيد من خلال الواجهات الصخرية المختارة للدراسة، والبالغ عددها (23) واجهة صخرية؛ من أجل معرفة ماهية وأنواع الحيوانات المستهدفة في الصيد والأسلحة المستخدمة، وغيرها من المعلومات التي قد تساعد في التعرف على جانب من الوضع الاقتصادي للمجتمعات البشرية القديمة.
ويعتبر الصيد باستخدام الكلاب المدربة إحدى الطرق التي عرفها الإنسان القديم، وكيّفها في الحصول على غذائه، وذلك منذ العصر العصري الحديث على أقل تقدير، كما يتضح ذلك من خلال لوحات الرسوم الصخرية.
أما اللوحات العائدة لفترات ما بعد العصر الحجري الحديث فتُظهر لوحة من موقع وادي ضم بمنطقة تبوك، تعود إلى العصر البرونزي (نحو 4500 سنة قبل الميلاد)، الصياد بدون سلاح ووعل كبير الحجم، وخلف الوعل يقف كلب صغير في حالة تأهب.
كما توجد نقوش تؤرخ للعصرين البرونزي والحديدي من موقع عردة بتيماء، تُظهر حالة صيد لحيوان الوعل بواسطة كلبَي صيد. وهذه اللوحة تعبّر عن مشهد جميل يتم خلاله صيد الوعل عن طريق محاصرته، إضافة إلى لوحة من موقع الشويمس، تعود إلى العصر البرونزي والحديدي، يبدو فيها الصياد ممسكًا بقوسه ويصوبه نحو الطريدة، وأمامه كلب صيد ممسك بذيل الطريدة التي تمثل وعلاً كبير الحجم. ويُفهم من تلك اللوحات أن الصيد كان يوجّه بانتقاء أنواع معينة من الطرائد، شملت الوعول والمها الوضيحي والنعام، على أن هذه الأنواع تعد أنموذجًا لحيوانات أخرى وإن لم تظهر في الرسوم الصخرية. وأمدتنا تلك الرسوم الصخرية بمعلومات عن الأسلحة المستخدمة في الصيد، منها الأقواس، والسهام، والرماح، والسيوف، والعصا العادية، والعصا المعكوفة. واقترن ظهور الرماح في الرسوم الصخرية بالخيول والجمال.
ويرى الباحث أن ظهور الرماح واستعمالها كان في فترة زمنية تسبق العصر البرونزي في ضوء استقراء اللوحات العائدة لذلك العصر. وقياسًا على أن الرماح تماثل السهام التي كانت تستخدم في العصر الحجري الحديث من حيث الشكل والوظيفة، مع اختلاف الحجم؛ فلماذا لا تكون الرماح تطورًا تقنيًّا للسهام حدث في فترات متأخرة من العصر الحجري الحديث.
ووفقًا للدراسة فقد استُعين بالكلب في أمور عدة، أهمها الصيد، وحماية القطعان أثناء الرعي، وحراسة المنازل؛ إذ يتمتع الكلب بمقدرات فطرية كثيرة، لعل أبرزها اقتفاء الأثر بواسطة الشم، وبحاسة سمع قوية حتى أثناء نومه، كما أنه من أشد الحيوانات يقظة، إضافة إلى أنه من الحيوانات التي يمكن بسهولة تعليمها وتدريبها.
وتعد مشاهد صيد الوعول من أكثر المشاهد حضورًا في الرسوم الصخرية؛ وذلك يعود إلى ما يتميز به هذا الحيوان من قيمة غذائية عالية وجيدة. كذلك فإن صيد الوعل والحصول عليه يعد ضربًا من ضروب المهارة والقوة لدى الصياد؛ وذلك لما يتمتع به الوعل من قوة، وسرعة، وحذر، وقدرة على صعود المناطق الجبلية الوعرة، والاختباء بها.
أما غزال المها، أو المها الوضيحي في تسمية أخرى، فإنه من أكبر وأشهر البقريات الثديية الأليفة غير المستأنسة في الجزيرة العربية.
وقد عُثر على العديد من مشاهد الصيد باستخدام الكلاب والقوس والسهم؛ إذ وُجد في جبل الغوطة والصليحات في موقع جبة بمنطقة حائل مشاهد صيد المها والوعول، كذلك في وادي البقار بمنطقة تبوك، وفي وادي ضم، وفي سكاكا بمنطقة الجوف، وكذلك في جبل كوكب بمنطقة نجران.
وعلى الرغم من أنه لا توجد أدلة واضحة على تاريخ بداية استئناس الحمار إلا أن الإنسان القديم عرف الحمار، وجسده في رسوماته؛ إذ أظهر عدد من الرسوم الصخرية في موقع الشويمس بمنطقة حائل أشكالاً للحمير إلى جانب الخيول، في مشاهد متنوعة، يبدو أنها غير مستأنسة، وتعود إلى العصر الحجري الحديث.
أما الخيول فلا شك أن الإنسان القديم قد عرف الخيل واستأنسها، بدليل امتطائه إياها؛ إذ تعد الخيل من أجمل الحيوانات وأنفسها في نظر المجتمعات البشرية القديمة والحديثة؛ وذلك لما لها من مقومات فطرية وجسدية، مثل السرعة، والقوة، والذكاء، والتحمل في الكر والفر، واستخدامها في الصيد، والحروب والتنقلات.
وقد اكتُشف مؤخرًا في موقع المقر الأثري بالقرب من مدينة تثليث جنوب الرياض، الذي يعود تاريخه إلى العصر الحجري الحديث، أجزاء من منحوتات لخيول بعضها يظهر عليه حبل الرسن؛ مما يدل على أنه مستأنس. وإذا ما تم التحقق بشكل كامل عن تاريخ معثورات الموقع، وذلك بإجراء المزيد من الحفريات العملية والدراسات المتخصصة، فإن هذا الكشف سيعد سبقًا فيما يخص استئناس الخيول في الجزيرة العربية.
وفي منطقة الدراسة توضح الآثار من مناطق الجوف والمدينة المنورة وحائل التي تؤرخ إلى العصرين البرونزي والحديدي مشاهد فرسان على ظهور خيولهم يحملون الرماح الطويلة، ويطاردون جمالاً. وإذا كان مغزى هذه المشاهد هو الصيد بمفهومه العام إلا أن الغرض قد يكون الاستيلاء على الجمال أكثر من صيدها، وربما ذلك يعود إلى الصراعات القبلية بين بعض المجتمعات البشرية القديمة في الجزيرة العربية حتى وقت قريب، أو أن هؤلاء الفرسان يمثلون مجموعة من قطاع الطرق الذين يسلبون الأنعام لأغراض متعددة؛ إذ تعد الجمال من الحيوانات التي يحرص الإنسان في الماضي والحاضر على اقتنائها لما تمثله من مصدر للفخر والاعتزاز.
وقد عثر على مشاهد صيد الجمال في مناطق عدة من الجزيرة العربية باستخدام الخيول والرماح الطويلة؛ إذ وجدت مشاهد تصور هذه الأوضاع من سكاكا في منطقة الجوف، كذلك في جبل كوكب بمنطقة نجران تصور مطاردة الجمال على الخيول وصيدها باستخدام الرماح الطويلة، كما عثر في موقع الظبطية في المنطقة الشرقية على المشاهد ذاتها، وتؤرخ إلى العصرين البرونزي والحديدي.