إعداد - د. هناء بنت راشد الشبلي:
كتبت هذا الموضوع بعد تفكير عميق أثاره أحد الفنانين عندما أرسل رسالة في إحدى المجموعات الفنية في تطبيق «واتس أب» موجهة للأعضاء يقول: لماذا لا أتلقى نقد بناء أو توجيه أو حتى إشارة إعجاب تعبر عن تفاعلكم معي عندما أنشر صورة عملي على تويتر أو انستغرام رغم إنني أرى عدد المشاهدات له كثيرة؟ هل هناك مشكلة معينة نعاني منها؟
هذا السؤال جعلني أفكر كثيراً في متطلبات الفنان التشكيلي السعودي خاصة خلال هذه الفترة من جميع النواحي المعنوية والمادية والاجتماعية ليكون فناناً فعالاً في عطائه وعضواً بناءاً في مجتمعه, وما هي المتطلبات الضرورية التي تجعله شخصاً إيجابياً وطاقته مرتفعة للعطاء وإحساسه عالي للإبداع.
فما يحدث اليوم من فوضى في الساحة التشكيلية تسبب امتعاض الكثير من الفنانين التشكيليين على ما يحدث من تشتت وانغلاق الحركة التشكيلية السعودية على نفسها في معارض لا يعلم عنها معظم فئات المجتمع شيئًا إما لتجاهل الإعلام أو تقصيراً من الجهات التي يجب أن تعني بالفنون التشكيلية، وهذا التجاهل يأتي من الأجهزة الإعلامية السعودية المرئية والمسموعة والمكتوبة إلا ما رحم ربي من نشر تغطية سطحية.
فهذا التقصير يؤثر على انتعاش الفن التشكيلي السعودي ويسبب فجوة كبيرة بين الفنان والمجتمع, لهذا وجهت أسئلة بسيطة على من هم حولي وأثق برأيهم.
ماذا يحتاج الفنان التشكيلي السعودي؟
سؤال طرحته ببساطة وفوجئت بعدد من الإجابات التي تنوعت حسب اهتمامهم الشخصي فاضطررت إلى تصنيفها إلى عدة مجالات منها:
أولاً: متطلبات الفنان التشكيلي من أفراد المجتمع:
وهذا بحد ذاته يحتاج إلى بحث مستفيض لكني وعدت نفسي بأن أنقل الآراء بعد تصفيتها من التكرار مع عدم ذكر الأسماء وهي كالتالي:
- أن يحترم الفنان التشكيلي ويقدر إنتاجه أسوة بالممثل والمطرب والرياضي والشاعر في أي أنشطة حكومية أو خاصة.
- أن يتساوى الفنان التشكيلي مع غيره في المكافآت عندما يطلب حضوره في أي فعالية, فالمشهور يقدم له مبلغ مالي ليحضر المهرجان والتشكيلي عليه أن يتطوع بالحضور وفوقه يقدم أعماله الفنية مجاناً كأنها لا تكلفه مالاً وجهداً ووقتاً.
- اهتمام أفراد المجتمع بالإعلانات الخاصة بالأنشطة الفنية كاهتمامه ببقية المجالات الأخرى.
- زيادة اهتمام أفراد المجتمع بحضور الأنشطة الفنية التشكيلية من معارض ومحاضرات لرفع ذائقته الفنية وتشجيع الفنان.
- تقديم المجتمع الدعم المادي والمعنوي للشباب الموهوب فنياً والعمل على تشجيعه وعدم التنمر عليه.
- حث أطفالهم على الاشتراك بالورش الفنية لاكتشاف مواهبهم والعمل على تنميتها.
- الحرص على اقتناء أعمال فنية للسعوديين وتشجيعهم بالشراء منهم.
- دعم الفنان بالإعجاب بإنتاجه الفني على وسائل التواصل الاجتماعي ونشر إبداعاتهم الفنية والثناء عليها.
علماً بأن المجتمع بجميع فئاته لن يدعم الفنانين المحترفين أو الشباب إذا لم يكن الإعلام شريكاً فاعلاً في هذا الدعم والتشجيع أسوة باهتمامه بالرياضة والمطربين والمشهورين لأن غيابه وتجاهله للأنشطة الفنية التشكيلية سيؤثر على ذائقة المجتمع وتوجيههم لمتابعة الأشخاص إعلامياً.
فالإعلام اليوم هو السلطة الرابعة بالتأكيد, فهو آلية النقاش والتفكير والتدبير والتوجيه والتوعية والتربية والتنشئة والتواصل العمومي, وعليه سنتطرق لأهم المتطلبات من الجهاز الإعلامي.
ثانياً: متطلبات الفنان التشكيلي من الإعلام:
- رفع الذائقة الفنية للمجتمع من خلال تكثيف المواضيع التي تتعلق بالفن التشكيلي خاصة إننا متجهون لرؤية 2030 التي تتمحور حول جودة حياة المواطن ومشروع رياض آرت, والمدينة الرقمية للفنون, ونيوم, وذا لاين, وغيرها من مشاريع ضخمة تعمل على تطوير المستوى الفني والجمالي للبلد ولحياة المواطن, والقنوات الفضائية والمحلية للأسف لا تملك برامج أساسية تهتم بالفن التشكيلي.
- أهمية إصدار قرار وزاري من وزارة الإعلام موجه للقنوات الفضائية التلفزيونية والإذاعية السعودية لتغطية الأنشطة التشكيلية التي تقيمها الجمعيات الثقافية التابعة لها دون مقابل مادي.
- ضرورة تكاتف وزارة الإعلام مع وزارة الثقافة والسياحة في إعداد برامج وزارية إعلامية تخدم الفن التشكيلي وترقى بمستواه أسوة ببرامج دول الخليج والوطن العربي والأجنبي.
- العمل على إعداد مواد إنتاجية عن الفن التشكيلي تدخل ضمن البرامج المهمة في القنوات الفضائية التلفزيونية والإذاعية.
- تسليط الضوء على رواد الفن التشكيلي السعودي الموجودين على قيد الحياة والراحلين وإنجازاتهم الفنية أو الأكاديمية وماهية الفن وأثره على الفرد والمجتمع, والاهتمام إعلامياً بما يحدث في الساحة التشكيلية السعودية وأخبار فنانيها المحترفين والواعدين, مع ضرورة التعريف بماهية الفن التشكيلي ومدارسه الفنية, وتغطية أهم الأنشطة والمشاركات الفنية والمعارض والملتقيات النقدية المحلية والمشاركات الخارجية.
- تشجيع رجال الدولة ورجال الأعمال إعلامياً عند دعمهم لأي مناسبة تشكيلية أو تبنيهم موهبة فنية.
- تخصيص برامج خاصة برعاية الإعلام المرئي والمسموع السعودي هدفها تبني مواهب فنية كالتي لا تجد دعماً مادياً أو معنوياً من عائلاتهم أو مدارسهم.
- إصدار توجيهات وزارية تمنع نشر أي مادة إعلامية تصوّر الفنان التشكيلي في حالة نفسية معقدة أو كوميدية مما يؤثر على صورته الذهنية والاجتماعية عند أفراد المجتمع.
- تعيين فنانين تشكيليين في التلفزيون والإذاعة السعودية للعمل معها في إعداد الإعلانات والحملات الدعائية لأنهم الأقرب للبيئة السعودية وفهماً لتقاليدها.
- اختيار مذيع يكون فناناً تشكيلياً أو لديه خلفية كافية بالفن التشكيلي وليس إعلامياً يحتاج تزويده بثقافة تشكيلية ليعرف كيف يحاور الضيف, بحيث يستثمر وقت المقابلة في الحوار المفيد بدلاً من إضاعته في تعليمه معنى بعض المصطلحات الفنية.
- تدريب المسؤولين والعاملين بالأجهزة الإعلامية السعودية ليكونوا مناسبين وقادرين على عمل تغطية للأنشطة الفنية والتعامل الجيد مع الفنانين التشكيليين.
- رعاية إقامة مسابقات فنية بشراكة مع الشركات السعودية الضخمة على غرار جائزة «وعي» التي اهتمت بالتصميم والانفوجرافيك.
- استغلال المناسبات الوطنية والأيام العالمية في مشاركة الكفاءات الوطنية من الفنانين التشكيليين إعلامياً في إبراز جهودهم الوطنية وإنتاجهم الفني.
وأخيراً نختم هذه المتطلبات والاحتياجات بالتأكيد على أهمية الجهاز الإعلامي بكافة وسائله وأنواعه والذي يجب أن يشكل في تغطيته الإعلامية للفنون التشكيلية حضوراً قوياً يسهم في تنمية الثقافة الفنية وزيادة الوعي بروح تلك الفنون التي تشكل جزءاً من تراث المملكة وترسم ملامح لحقبة من تاريخ الفنون العالمية.
وسنلتقي مرة أخرى في الجزء الثاني لاستكمال المتطلبات التي يحتاجها الفنان التشكيلي لبقية المجالات.