كالمعتاد في جولات وسط مدينة الرياض وبالأخص في الأحياء القديمة التي أصبحت هاجسي الذي لا يغيب عن حراكي الأسبوعي من التجوال برفقة بعض من يقاسمني الاهتمام بتلك الأحياء القديمة.. يلفت النظر في تلك الأحياء جمال البناء العمراني للبيوت الشعبية وما تحمله من ملامح لا تكاد أن تفقدها في ذلك البناء (مثاعيب - طمرة - درايش - أبواب) بأشكال مختلفة وهي مباني فترة الثمانينيات الهجرية..
ويزداد جمال ملامح البيوت على السكك الطويلة وخاصة المثاعيب عندما تراها على صفة واحدة وهي معتلية البيوت لتقوم بدورها المخصص لها عند نزول المطر وهي ايضاً تسمى بالمرازيم او المرازيب واعتقد بأن تسمية المثاعيب هي الأصح للنوع المنحوت من جذوع الإثل أو غيره من الأشجار وقد عرفت هذه التسمية أكثر لدى أهالي مدينة الرياض وضواحيها منذ القدم، أما غيرها والمصنوع من الحديد فاعتقد بأن تسميته بالمرازيم أو المرازيب أنسب لاعتقادي بأن هذه التسمية قدمت مع البنيان المسلح للبيوت الشعبية أو أنها من اللهجات الخارجة عن مدينة الرياض وقد تكون من الحجاز؟
لا ندفن تاريخنا ثم نعود نبحث عنه في مدافنه!
هناك في داخل الأحياء القديمة يجذبك الحنين للماضي وتجذبك الذكريات الجميلة التي قضيتها في تلك الأحياء وتاريخ الحراك الاجتماعي الذي كان يدور فيها ومع نشوة التطور العمراني القادم بقوة إلى أحياء وسط مدينة الرياض وما جاوره في هذا العهد الميمون يخشى على مواطن الذكريات بأن تزال مع ما تحتويه من مباني تحت نظرة التطوير العمراني للمنطقة ونعيد بذلك كرة الغلطة القديمة بحق تراثنا العمراني المديد كما حصل للبيوت التي كانت بداخل سور منطقة الرياض القديمة وأزيلت دون مراعاة القيمة التاريخية لها وانعدام النظرة المستقبلية لأهمية تلك القيمة التي لو بقيت لا أصبحت من مناطق الجذب السياحي العالمي ورافد اقتصادي للبلاد.. فها هم وبعد أن عاشوا الحاضر الذي كان لهم من قبل مستقبل يعودون إلى بعض مناطق العمران القديم من أجل ترميم بيوتها المتهالكة وإعادة إظهارها أمام الجمهور المتعطش لتاريخه وللسياح المهتمين بتاريخنا وثقافاتنا وكأنهم يعتذرون عن تجاوزهم السابق عليها.. ومثالنا هنا فيما يعرف بحي الدحو الذي أطلقت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مشروعها لتطويره وإظهار هويته العمرانية السابق.
إن ما سيطول أو طال بعض تلك الأحياء هو في الحقيقة مشابهة لما قد حدث لسابق الأحياء التي كانت بداخل سور الرياض القديمة وستصبح أثراً بعد عين وقد شاهدت المنطقة الجنوبية من حي الشميسي كيف بان تم تفريغها الكامل من البيوت الشعبية ويتضح بأن هناك مشاريع تطويرية للمنطقة لن تلتفت للوراء لمثل هذه البيوت وستغادر أحياءها دون رجعة وستصبح فقط في ذاكرة أحدهم.
فلماذا لا يتم اقتطاع الجزء الأصلح من الأحياء القديمة (حي الشميسي - حي الديرة) مع إبقائها وتأهيلها وتطويرها وإخراجها بشكل نموذجي وتبقى شاهد عيان لمظاهر فترة عمرانية سابقة ومراحل التطور العمراني لدينا كما يحدث حالياً في حي الدحو وبذلك يتكون لدينا مكسب تاريخي ومكسب اجتماعي ومكسب لصناعة السياحة وهي ما زالت في بواكرها واستغلال هذه المواقع لتكون مركز جذب للأنشطة التراثية والسياحية ومفتوحة أمام الزائرين والمهتمين مما يعزز استدامتها وتصبح رافداً ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.
فهل من متدارك للأمر قبل أن نفقد القيمة التاريخية لتلك الأحياء؟
** **
- محمد بن عبدالله المالكي