برز على الساحة الكشفية السعودية منذ دخولها المملكة قبل عقود من الزمن تتجاوز الثمانية عقود، العديد من القيادات الكشفية التي تركت أثراً كبيراً على تلك الساحة قبل أن تتقاعد نظاماً من العمل الحكومي الرسمي، ومن أهم هذا الأثر ما كان ذا تأثير في من تحتهم من القيادات أو الكشافين الأمر الذي جعل منظومة العمل والتميز والعطاء تستمر حتى اليوم رافعة اسم الكشافة السعودية في كل المحافل على مر التأريخ، ومن هؤلاء الرائد الكشفي محمد نور إبراهيم فارسي، الذي ولد عام 1359هـ، والتحق بالحركة الكشفية في سن مبكرة من عمره، الأمر الذي جعله من أوائل كشافي المملكة في مرحلة التأسيس.
وقد أتصف الرائد محمد نور فارسي بالكثير من السمات والصفات القيادية والتربوية، ومن أهمها القيادة الحكيمة، حيث كان يعد من يعمل معه وتحت قياداته شريكاً رئيساً في النجاح، كان دائماً في المقدمة، يُعظم روح الفريق، يساوي نفسه مع الآخرين، يُدرك أنه بهم سيكون أكبر، يبحث عن أفضل الطرق بعقلية متفتحة، عيناه دائماً على الأهداف العالية.
تعرفت على الرائد محمد نور في أواخر سني عمله الحكومي وكان آخر مرة التقيته في إحدى دورات اللجان الفنية الكشفية، وأتذكر أنني تجاذبت وإياه الحديث في معهد العاصمة النموذجي بالرياض حول صفة القيادة الحكيمة التي عرفه بها زملاؤه من جيله، فكان أن قال لي كلاماً يوزن بالذهب جعلني منصتاً طوال حديثه، وأتمنى وقتها ألا يسكت وكأنني أمام مدرسة في تعليم القيادة، وأتذكر أن مما قاله لي في ذلك الوقت أن أحرص على التواصل مع الآخرين خصوصاً الأشخاص الإيجابيين، ومن ترى أنهم يمكن أن يشكلوا لك أو لمجتمعك أو عملك وهدفك إضافة، وأن تحرص دائماً على بناء فريق العمل معك، ولا تستكن على ما لديهم من معلومات ومهارات ومعارف، بل لا بد من أن تسعى إلى تطويرها وتحديثها لبناء فريق قوي، وأن عليك أن تتجاوز مشكلات عملك أو فريقك ببساطة، والأهم أن تكون متواضعاً تتقبل آراء ونقد الآخرين، مُراعياً التواصل الإنساني مع أعضاء فريقك، متسماً بالنشاط والحيوية.
ولما يتميز به الرائد محمد نور من صفات قيادية حظي بثقة المسؤولين في جمعية الكشافة العربية السعودية ومثل بلاده في كثير من المناسبات ومن أبرزها تجمع الجوالة العربي الإسلامي من الأول حتى السادس خلال الفترة من عام 1384 إلى عام 1394هـ، وشارك بالمعسكر الكشفي العربي الثامن بالجزائر عام 1388هـ والمعسكر العربي الحادي عشر في لبنان 1394هـ، والجامبوري الفضي السادس في باكستان عام 1393هـ، والندوة العربية لتخطيط الأنظمة التدريبية في تونس عام 1401هـ، ولقاء الرواد لحوض البحر الأبيض المتوسط في اليونان عام 2000م، ولقاء الدول العربية لقدامى الكشافين بالمغرب عام 2001م، ومعسكر الصداقة اليوناني السعودي الأمريكي باليونان عام 1401هـ، ومعسكر الصداقة السعودي اليوناني الأمريكي بالسعودية عام 1402هـ، ومعسكر الصداقة الأمريكي السعودي اليوناني في أمريكا عام 1404هـ، كما شارك في العديد من الدورات والندوات الكشفية التخصصية ومن أبرزها دورة تدريب قادة المملكة على البرامج المطورة بالطائف عام 1393هـ، ودورة المتفرغين الكشفيين العرب بالقاهرة عام 1392هـ، ودورة الإنقاذ والدفاع المدني بالقاهرة عام 1392هـ، وندوة تنمية وتطوير مناهج ومتطلبات شارات الهوايات بالأردن عام 1984م، والندوة الكشفية العربية الخامسة للتدريب على البرامج والمجتمع في الأردن عام 1406هـ، كما شارك داخلياً في جميع معسكرات الخدمة العامة في الحج من عام 1382هـ إلى عام 1410هـ وقاد ودرب في العديد من الدورات والدراسات الكشفية الخليجية والمحلية، كما تم اختياره عضواً للجنة البرامج وخدمة المجتمع بالمكتب الكشفي العربي، وعضواً بالهيئة الفنية في جمعية الكشافة بإحدى دوراتها السابقة.
وأضاف محمد نور للمكتبة الكشفية العديد من المؤلفات الكشفية والنشرات والمطويات من أبرزها كتاب حياتي مع الكشافة الذي أصدره عام 1414هـ، وكتاب الكشافة علم.. فن.. مهارة الذي أصدره عام 1416هـ، كما أقام متحفاً تاريخياً يضم الكثير من المقتنيات والصور الكشفية.
وتقديراً لما قدمه محمد نور فارسي من خدمات جليلة للحركة الكشفية منحته جمعية الكشافة وسام القيادة الكشفي الذهبي، في الحفل التكريمي الذي رعاه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة المنورة - آنذاك - يوم السبت 16 شوال 1426هـ.
** **
@mawdd3