أن تكتب عن ناقد بحجم محمد العباس فهذا بلا شك يتطلب منك أن تتصفح مؤلفاته وتستعيد شيئا من ذاكرتك لما قرأته سابقا عن تجربته النقدية تحديدا حينما كان يخوض غمار قصيدة النثر عبر كتابه «قصيدتنا النثرية - قراءات لوعي اللحظة الشعرية» حتى آخر مؤلف له «تويتر مسرح القسوة». لقد صارع العباس كثيرا من الأفكار التي لا تستهوي الوعي الثقافي في الأدب والسينما والمسرح وبقية الفنون حتى أدركنا بالفعل أننا بحاجة لهكذا ناقد يطل علينا من نافذة حقيقية للنقد تلك النافذة التي تُفتح كلما رصد تحريفا عن أي منجز أدبي وثقافي.
إنه كاتب ثري وناقد يثري مساحة الأدب والحياة بما لديه من قناعات أجزم أنها لم تأتِ لولا اجتهاده فيما يؤول إليه من فكر ولولا خوفه على أن توصف ثقافتنا بالانحطاط والتبعثر .فهو دائما مايسأل عن اتساع أفق الإعلام والثقافة والأدب في مشهدنا السعودي فيجيب بما لديه وبحياد تام : إن ثقافتنا وأدبنا وإعلامنا حتى الآن لم تصل ذلك النضج والتأثير الجمالي بشكل يسمح للآخرين أن توجه أنظارها إلينا إلا فيما ندر من مؤلفات تستحق الوقوف عندها . هكذا هو محمد العباس يتمنى أن تصل ثقافتنا إلى أعلى مساحة من الوعي الثقافي والفكري ولن يكون ذلك إلا برفض المجاملات ورفض إصدار الأحكام العابرة على المشهد الثقافي السعودي.
إن المشروع الذي يشتغل عليه الناقد العباس هو مشروع نقدي كبير يتم من خلاله طرح أعلى سقف للنقد بكل جرأة دون إلغاء الآخر أو تصفيته مؤمنا بحقه في حرية الرأي وإعطائه الحق في خوض نقد حيادي من العيار الثقيل على كل التجارب الروائية والشعرية والفنون الأخرى . وهذا بطبيعة الحال يخلق صنفا آخر يتمادى في هجومه على الناقد ويشكك في أطروحاته على الرغم من أن نقد محمد العباس هو نقد موضوعي تحليلي موجه للنص لا لكاتب النص .
إننا أمام ناقد تشكل من خلال تجربة طويلة تعدت الثلاثين عاما في محاولة للخروج بمنجزات إبداعية تجعل العالم يقرأ هذا المنجز ويشير إليه بقلم الاهتمام. إنه ناقد مختلف لايقبل بالتفاهة وإنما يؤسس لوعي نقدي ثقافي وهذا مالاحظناه في مؤلفاته الكثيرة.
** **
- طاهر الزارعي