استعرض القاص والروائي خالد بن أحمد اليوسف، جوانب متنوعة من مسيرة قرن للصحافة السعودية، خلال حديثه لـ«المجلة الثقافية»، قائلا: ربما لايدرك من يتصفح إحدى الصحف اليومية عبر هاتفه النقال كيف وصلت إليه بهذه الطريقة؟ وربما من يتابع أخبار العالم لحظة بلحظة لا يعي ولا يفكر كيف أصبحت الأخبار متاحة بهذه الوتيرة السريعة؟
* وفي سياق التحولات الصحفية التي شهدتها المهنة الصحفية في العقدين الأخيرين، مضى اليوسف في هذا السياق، قائلا: إن سرعة التحول الرقمي في حياتنا جاء على كل شيء أمامه، والواقع الأكثر تأثراً في هذا العالم هو الإعلام! وخصوصاً الإعلام الورقي، لكن هذا لا يعني نهائياً نسف وإنهاء هذه الوسيلة المهمة في حياتنا، لأنها قادرة على مسايرة الواقع، وقادرة على التطور والتحول والتغير، وهذا ما نراها أمامنا، وكيف أصبحت صحافتنا السعودية من أسرع الصحف العالمية في تطورها، ومواكبتها للأحداث والمتغيرات المطلوب إحداثها في تقنيتها ومضامينها وإبرازها للموضوعات والأخبار والكتابات المنشورة، لكن هل الإعلام الورقي هو الصحافة اليومية فقط، أم أن هناك أوعية أخرى لم تتأثر ولم تتغير؟
* وللإجابة على هذه التساؤلات، قال اليوسف: إذن عليّ في هذه الحال أن أسترجع وأعيد التاريخ إلى مساره الصحيح، وعليّ أن أذكر لكم أن الصحافة في بلادنا انطلقت في أواسط الثلاثينيات الهجرية، وتجيء صحيفة الحجاز التي صدرت في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة عام 1334هـ السابع من أكتوبر عام 1916م، كأول أو أقدم صحيفة شبه يومية، وكانت تصدر في المدينة المنورة. ومثلها صحيفة القبلة التي صدرت في مكة المكرمة في اليوم الخامس عشر من شهر شوال عام 1334هـ الخامس عشر من أغسطس 1916م، ثم تلتهما صحيفة بريد الحجاز التي صدرت في مدينة جدة وأسسها محمد صالح نصيف في اليوم الثالث والعشرين من شهر ربيع الثاني عام 1343هـ العشرون من نوفمبر عام 1924م، وجميعها شبه يومية.
* وللوقف على المرحلة الثالثة من مسيرة الصحافة السعودية، (صحافة المؤسسات)، قال اليوسف: معلوم أن نظام المؤسسات الصحفية الذي صدر في اليوم الرابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة عام 1383هـ الحادي عشر من شهر نوفمبر 1963م، هو الذي أسس وصنف ونظم الصحافة في المملكة العربية السعودية، وجاءت بعده الصحافة اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية، وبصدوره صدرت الصحف التالية: صحيفة الاقتصادية في 24 جمادى الآخرة 1413هـ/ 19 ديسمبر 1992م ؛ صحيفة أردو نيوز باللغة الأوردية في 24 ربيع الأول 1415هـ/ 1 سبتمبر 1994م؛ صحيفة البلاد في 1 ذي القعدة 1383هـ/ 14 مارس 1964م؛ صحيفة الجزيرة في 12 شعبان 1392هـ/ 20 سبتمبر 1972م ؛ صحيفة الحياة كانت في الأصل صحيفة لبنانية صدرت في 25 صفر 1365هـ/ 28 يناير 1946م؛ ثم أصبحت سعودية في 20 ذي القعدة 1425هـ 1 يناير 2005م، ثم توقفت نهائيا في 8 رجب 1441هـ 3 مارس 2020م؛ صحيفة الرياض في 14 محرم 1385هـ 16 مايو 1965م ؛ صحيفة رياض ديلي باللغة الانجليزية؛ صحيفة الرياضي في 10 شعبان 1416هـ 1 يناير 1996م؛ صحيفة الرياضية في 1 جمادى الأولى 1407هـ 1 يناير 1987م؛ صحيفة سعودي جازيت باللغة الانجليزية في 29 ذي الحجة 1395هـ 1 يناير 1976م؛ صحيفة الشرق في 10 محرم 1433هـ 5 ديسمبر 2011م، بعد أن خرجت الكترونية في 15 ذي الحجة 1432هـ 11 نوفمبر 2011م؛ صحيفة الشرق الأوسط في 29 رجب 1398هـ 4 يوليو 1978م؛ صحيفة شمس في 8 ذي القعدة 1426هـ 10ديسمبر 2005م، توقفت نهائيا في 9 ربيع الأول 1433هـ 1 فبراير 2012م؛ صحيفة عرب نيوز باللغة الانجليزية في 8 ربيع الأول 1395هـ 20 أبريل 1975م؛ صحيفة عكاظ في 12 جمادى الآخرة 1384هـ 18 أكتوبر 1964م؛ صحيفة المدينة في 27 رجب 1382هـ 24 ديسمبر 1962م؛ صحيفة المسائية في 25 محرم 1402هـ 21 نوفمبر 1981م، ثم توقفت في 25 محرم 1422هـ 19 أبريل 2001م؛ صحيفة الندوة في 1 ذي القعدة 1383هـ 3 مارس 1963م، وتوقفت نهائياً في 8 ربيع الثاني 1434هـ 18 فبراير 2013م، ثم تحولت إلى صحيفة مكة في 10 ربيع الأول 1435هـ 11 يناير 2014م؛ صحيفة الوطن في 24 رمضان 1420هـ 1 يناير 2000م؛ صحيفة اليوم في 1 رجب 1392هـ 11 أغسطس 1972م.
* وعن هذه المسيرة التاريخية للمؤسسات الصحفية عبر مئة عام من الصحافة الورقية، أضاف اليوسف في هذا السياق: يتضح لنا من هذه المعلومات أن الصحافة اليومية وصلت إلى واحد وعشرين صحيفة يومية، تبقى منها الآن ثلاث عشرة صحيفة يومية، والسؤال بعد هذه العقود والتحولات والتطورات والمتغيرات في حياتنا.. كيف استطاعت هذه الصحف أن تبقى وأن تساير الواقع الجديد.. الواقع الرقمي؟
* وبما أن اليوسف أحد المؤلفين عن تاريخ الصحافة في المملكة، إذ أصدر كتابه «الصحافة السعودية: تاريخها وتطورها»، وعن ملامح ما توصل إليه من ملامح تاريخية في إصداره، قال: قبل أن أنقلكم إلى هذا الواقع سأذكر لكم أهم النقاط التي رأيتها من وجود الصحافة اليومية، قبل الانطلاقة الرقمية العصرية وهي:
1- خروج الصحافة اليومية بحد ذاته عملية تطورية في صحافتنا، حيث أتاحت للقارئ المتابعة والقراءة الدائمة للأحداث العالمية والداخلية.
2- الطباعة الحديثة التي ظهرت بها صحفنا اليومية، وعلى أحدث الآلات والميكنة العصرية.
3- الاشتراك في معظم الوكالات العالمية الإخبارية والمصورة، والتي تبث أخبارها خلال الأربع والعشرين ساعة، بالعربية والإنجليزية والفرنسية.
4- انتشار المكاتب الصحفية في الداخل والخارج، التي تغطي الأحداث والأخبار أولا بأول، وتبعث بالمواد الصحفية بأنواعها إلى المكتب الرئيسي.
5- امتلاك أحدث الأجهزة الإخبارية للبث وللاستقبال مثل الفاكس وغيره.
6- تفرد وامتلاك الصحف لمبان خاصة بها، تضم المكاتب الادارية ومكاتب التحرير والمطابع وأقسام التصوير والمونتاج وعلى أحدث الأنظمة والطرز.
7- طبع الصحف على الأفلام الممغنطة بدلا من حفظها كما هي، لأن مرور الزمن يفسد الورق ويعرضها للتلف والضياع.
8- ظهور الألوان في الصحافة اليومية، بعد أن كان صعباً حتى على الصحافة الأسبوعية.
9- خروج الملاحق الأسبوعية التي تعادل صحيفة كاملة في بعض الصحف بالألوان أحياناً، وخروج ملاحق متخصصة في جميع المجالات، كالرياضة والطب والأدب والفن والأدب الشعبي والفن التشكيلي والاقتصاد.
10- قيام الصحافة اليومية بطباعة الصحيفة أكثر من طبعة واحدة، بل إن بعضها وصل إلى ثلاث طبعات.
11- تميزت كذلك بفن الإخراج الذي يبرز المقال والخبر والتحقيق، وللحقيقة يعتبر الإخراج في الصحافة اليومية متجدداً متقدماً.
12- السبق الصحفي الدائم لعدد من الصحف العربية والعالمية، وتغطيتها للأحداث الجارية في حينها وفي يومها، لذا نجد أن بعض الصحف تخرج طبعات خاصة عند الأحداث السريعة.
13- أصبحت هي البوابة الرئيسة لعدد من المجالات لعدم وجود صحف خاصة بها مثل المجال الرياضي الذي يأخذ مساحات كثيرة لا تقل عن صفحتين، كذلك المجال الأدبي، والمرأة، والمجتمع، والاقتصاد، والمال، والفن، والفن التشكيلي.
14- استطاعت صحفنا اليومية بسبب هذه المقومات أن تكون هي النافذة الرئيسة للمجتمع، فانتشرت عادة اقتناء الصحف اليومية بين معظم أفراد المجتمع، وأصبحت قراءتها والرجوع إليها ضمن التقاليد اليومية للبيت السعودي.
15- اتسع انتشار الصحافة اليومية في معظم مناطق المملكة، بعد أن عمدت بعضها للطباعة المتزامنة في عدد من المناطق، وهذه نقلة كبيرة لصحافتنا اليومية.
16- خروج غالبية صحفنا اليومية أثناء الإجازات الرسمية، وبشكل جميل متوازٍ مع المناسبة: كالعيدين ومواسم الحج لما تتمتع به بلادنا المقدسة من اجتذاب للمسلمين في هذه المواسم.
17- إصدار بعض صحفنا في مواسم الحج ملاحق بلغات متعددة خدمة لضيوف الرحمن القادمين من إفريقيا وآسيا والدول الأخرى.
وبالانتقال مما وصفه اليوسف بأنه واقع الملامح الصحفية، لما قبل ثورة الإنترنت الاتصالية، وصف ما تلى بزوغ شبكات الإنترنت، وشيوع انتشارها عالميا، وانعكاساتها على الصحافة، قائلا: في منتصف التسعينيات الميلادية بدأت ثورة الانترنت تتسع وتسيطر على حياة الناس، خصوصاً أنه اختصر كل شيء في الحياة، ثم بعد زيادة قدراته وطاقاته وسرعاته، شعرت بعض الصحف اليومية بأهميته، ولهذا سارعت الصحف السعودية إلى الدخول في هذه الخدمة بداية من عام 1417هـ 1997م، وسارعت لإنشاء مواقع خاصة بها، وبدأت نشر ما يمكن نشره عبر هذه المواقع تدريجياً، وعنونتها باسمها مع الربط بكلمة الإلكتروني، ومن هنا تم تأسيس مكانز ومخازن للصحف اليومية، من ذلك التاريخ، ثم تم ربط معظم الصحف اليومية بالشبكات العالمية، ومواقع ومحركات البحث العالمية، ثم تدرجت الصحف اليومية في التحول الإلكتروني بعد أن وجدت انحسارا واضحاً في السوق المحلية للصحافة الورقية، بل أن الهوة اتسعت وأصبح الإقبال على الأحدث في الساحة المحلية والعالمية من خلال الأجهزة الذكية، فانطلقت الصحافة اليومية السعودية إلى الدخول في العالم الرقمي، وهذه أحدث خطوات التطور الإعلامي العالمي في هذا المجال، لكي تثبت أنها صحافة حية متواكبة مع أي تغيير وتحديث، وانعكس هذا على موادها الإخبارية، والتقارير والمقالات، والصور، ولهذا دخلت المادة الفيلمية والصور الحية المتحركة ضمن موادها الجديدة، وبعضها أنشأت قنوات خاصة بها، حيث لم تعد الكتابة هي المادة الرئيسة للمتلقي، لأننا في زمن الصورة، والصورة المعتمدة على البث الحي.