بعيداً عن تلك الحكايات التي تناسختها عامة كتب التراث، على سبيل الفكاهة مما أحاط بتدوين الخليل بن أحمد الفراهيدي، لعلم العروض، التي لا يمكن لبعضها (الساذج)، أن يقود إلى اكتشاف للتأسيس لعلم العروض، بدءاً من جمعه، ودراسته، وتحقيقه، والتحقق من «فونيماته»، ومن ثم تصنيفها في علم، من أدق علوم اللغة العربية، التي أثبتت الدراسات اللسانية دقة الفراهيدي - رحمه الله - ومقدرته على التأسيس لعلم الصوت العربي، الذي وضع بذلك المنهجيات النظرية، والأسس التجريبية لنظرية، ما تزال تمد العديد من الدراسات الألسنية الحديثة بثراء معرفي تطبيقي، الذي يصنف بأنه أحد رواد علم الصوت في العالم.
وبما أن الفراهيدي، الذي كان عقله أكبر من علمه، كما وصفه ابن المقفع، فقد استطاع الخليل أن يؤسس لهذا العلم، لكونه العالم اللغوي، والفقيه بفنونها، على المستويات: النحوية، الصرفية، الدلالية، والتداولية كما توصلت إليه دراسات علم إنتاج الصوت، بما تصفه بالصوائت والصوامت، المستمدة من المهموس، والمجهور، من الأصوات، عبر ثلاثة مستويات من الصوت، للفونيم الواحد، وما استكمله سيبويه من أصول لنظرية «وحدة الصوت»، ثم قعد له ابن جني، في «سر صناعة الإعراب».
وإذ كان الفونيم في أبسط أشكاله، هو: أصغر وحدة صوتية قادرة على تغيير دلالة المعنى؛ مقارنة بـ»الألفونات» التي تعد أيضا أصغر وحدة صوتية، وفرع - كما تصورها ابن جني - عن الفونيم، لكنها لا تغيير دلالة المعنى، وهذا ما يعيدنا إلى الفراهيدي، في تأسيسه لبحور الشعر العربي، بما في ذلك الوحدة الصوتية، التي يكشف منتهى الدقة فيها، الكتابة العروضية: اللفظية، والترميزية (/o)، وما أثبتتها حديثاً التجارب الصوتية المخبرية؛ لذلك فإن البناء الصوتي بمنزلة الموجات الطيفية، التي تمتلك من الطاقة ما جعل الأذن تسبق كل الحواس إلى عشق جماليات مضمرة!
* بين العلم.. والحكايات.. فهم بسطاء!
** **
- محمد المرزوقي