تعيش المملكة العربية السعودية مرحلة مهمة في مجال صناعة الأفلام لم تشهدها من قبل وأحدثت الكثير من الشجون والآمال والطموح للخروج بمسلسلات وأفلام سعودية تصل لمرحلة الاحتراف المطلوب منها أو المرتقب لها. لكن هذا لن يحصل لعدد من الأسباب ومن أهمها هو عدم وجود أساس حقيقي لصناعة السينما لهذه المرحلة حالياً بغض النظر عن بعض تجارب المحاولة من هواة وغيرهم للخروج بفيلم قصير أو روائي طويل يمكنه أن يسترعي اهتمام المشاهدين. يعود ذلك لأهم خلل في صناعة الفيلم وهو عدم توفر وضعف السيناريو المكتوب ويعود السبب كون المنتج والمخرج يولون اهتماماً أكبر لشكل المنتج النهائي فقط ونسيان أو تناسي المضمون وهو السيناريو الذي يعتبر العمود الفقري لأي فيلم يرتقي للمستوى الاحترافي المطلوب.
لكتابة سيناريو احترافي يجذب الجمهور ويجعلهم يشاهدون الفيلم أو المسلسل حتى نهايته يتطلب عملاً شاقاً ومجهوداً ضخماً ومتطلبات يجب أن يتمتع بها كاتب السيناريو المحترف ومنها درايته العلمية والعملية بكتابة السيناريو بشكل مُعتمد وموثوق، الثقافة العالية، قارئ مُطلع على أحداث العالم والتطورات الحاصلة، مولع بالسفر والتعرف على ثقافات أخرى، قدرته على التحدث لأكثر من لغة. قد يكون من أهم الخصائص التي يتمتع بها كاتب السيناريو هو قدرته على أخذ موقف في الحياة ويحوله إلى قصة مثيرة لها معاني ومضامين بين السطور ضمن سرد قصصي مميز وشخصيات قوية ومتعددة الأبعاد.
من أهم الأمثلة التي يمكن ذكرها في السينما السعودية والتي كانت تتمتع بسيناريو مميز وسابق لمرحلته والتي ظهرت في منتصف التسعينات هو مسلسل «خلك معي» من كتابة وإنتاج الفنان الراحل محمد العلي -رحمه الله- الذي استمر لستة مواسم من 1994 حتى 2001 والذي كان له تأثير كبير على المجتمع بشكل إيجابي لأنه استطاع مخاطبة الجمهور بشكل ذكي واحترم عقلية المشاهد في تلك الفترة الزمنية. نستطيع أن نقول إن نشأة وتعليم الفنان محمد العلي منذ نعومة أظافره في بلدان مختلفة من سوريا ومصر وبريطانيا كان لها تأثير كبير على ذائقته الفنية وتعرفه على مختلف الفنون واحتكاكه بمحترفين من المجال وثقافته العالية كان له المسوغ الأكبر ليخرج لنا بإبداعات لم تشهدها المملكة وقتها وأسس لها ليستمر الفن حتى وقتنا الحالي.
السينما السعودية ما تزال في خطواتها الأولى نحو صناعة حقيقة للسينما ولا يجب علينا التسرع من أجل الوصول إلى الأوسكار كما يعتقد البعض، فكوريا الجنوبية لم تصل للأوسكار من أول فيلم بل عملوا لعقود طويلة تخللها التجربة الاحترافية والفشل حتى يصلوا للأوسكار. لذلك لبناء صناعة سينما جديرة بالاحترام وتستديم، من أساسياتها الاهتمام بشكل كبير في كتابة السيناريو لأنه هو الواجهة الحقيقية للفيلم، ومهما كان عمل الطاقم من ممثلين ومخرجين ومنتجين فإن الفيلم لن يكون إلا ترجمة ما هو على الورق. يقول كاتب السيناريو روبرت تاون (Robert Towne) الحائز على جائزة الأكاديمية لأفضل سيناريو أصلي: «بغض النظر عما يقال حول كيفية صنع الفيلم، فإن هناك حقيقة واحدة لا مفر منها: حتى يقوم كاتب السيناريو بعمله، لا يوجد أحد، مثل الممثلين، يستطيعون أن يقوموا بعملهم. حتى يقوم كاتب السيناريو بعمله، لا أحد له عمل».
** **
عاصم الطخيس - كاتب سيناريو واستشاري وناقد نص سينمائي