مسيرة حافلة بالعطاء وزاخرة بالإنجازات، تسجل بأحرف من نور جهودًا بارزة على مدار 65 عاماً قضاها أمير الكويت الراحل في خدمة بلاده ودفاعًا عن قضايا أمته ودعم القضايا الإنسانية منذ توليه أول مسؤولية «عمل عام» في 1954، وهو في الـ 25 من عمره، ومرورًا بتوليه منصب أول وزير للإعلام بالكويت، ثم منصب وزير الخارجية على مدار 40 عامًا، فرئيس للوزراء خلال الفترة من 2003 إلى 2006، ثم أميرًا للكويت منذ عام 2006، وما تخلل ذلك من مناصب ومهام ومسؤوليات عديدة تولاها، لم يتوان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في خدمة وطنه وأمته والإنسانية بشكل عام، فحققت الكويت في عهده قفزات تنموية واقتصادية في مختلف المجالات، وأسهمت وساطاته في حل العديد من أزمات المنطقة.
ببسمته المتفائلة وسياسته الحكومية، استطاع أن يكسب حب واحترام الجميع، وتوجت مبادراته الإنسانية، التي كانت لها أصداء عالمية بتكريم رفيع من الأمم المتحدة بمنحه في 9 سبتمبر/أيلول 2014 لقب «قائد للعمل الإنساني»، وهو لقب تم اعتماده خصيصاً له نظراً لجهوده في العمل الإنساني على الصعد كافة، ولم يتم منح مثل هذا اللقب لأحد من قبل.
مولده ونشأته
يعدُّ الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الحاكم الـ15 لدولة الكويت الابن الرابع للشيخ أحمد الجابر الصباح الحاكم العاشر للكويت.
وُلد في 16 يونيو/حزيران عام 1929، وتوسم فيه والده الفطنة والذكاء منذ صغر سنه، فأدخله المدرسة المباركية، ومن ثم أوفده إلى بعض الدول لاسيما الأجنبية منها للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات السياسية التي ساعدته في ممارسة العمل بالشأن العام.
وكان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يرافق والده في رحلاته الخارجية، الأمر الذي ساعده باكتساب خبرة في المسائل السياسية خلال وقت مبكر، وأعطاه دراية بالدول ومعرفة بالمسؤولين وعدد من الأشخاص البارزين من أفراد شعوب تلك الدول، ما كان ذخيرة له في مستقبل حياته عن سلوك الحكام وتقديرهم للأمور.
دخوله في السياسة
بدأ حياته السياسية الأولى وتمرس في العمل العام ولم يكن قد تجاوز الـ25 عاماً من عمره عندما تم تعيينه في 19 يوليو/تموز عام 1954 عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها بمهمة تنظيم مصالح ودوائر الحكومة الرئيسة ووضع خطط عملها ومتابعة تنفيذ تلك الخطط.
وفي عام 1955 تولى منصب رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث تولى تنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، كما أولى اهتمامًا بالفنون وعلى رأسها المسرح، فأنشأ أول مركز لرعاية الفنون الشعبية في الكويت عام 1956، ثم في 1957 أضيفت إلى مهامه رئاسة دائرة المطبوعات والنشر، إذ عمل على إصدار الصحيفة الرسمية للكويت «الكويت اليوم»، وتم إنشاء مطبعة الحكومة لتلبية احتياجاتها من المطبوعات ووقتها تم إصدار مجلة «العربي».
وأبدى أمير الكويت اهتمامًا بارزًا بإحياء التراث العربي وإعادة نشر الكتب والمخطوطات القديمة، وتشكيل لجنة خاصة لمشروع كتابة تاريخ بلاده، وإصدار قانون المطبوعات والنشر الذي كان له دور مميز في تحقيق الصحافة المحلية مكانة مرموقة بين مثيلاتها في الدول العربية.
عميد الدبلوماسيين
بعد استقلال دولة الكويت عام 1961 عُيِّن الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عضوًا في المجلس التأسيسي الذي عهدت إليه مهمة وضع دستور البلاد، ثم عُيِّن في أول تشكيل وزاري عام 1962 وزيرًا للإرشاد والأنباء، التي تحول اسمها بعد ذلك لوزارة الإعلام، ليكون أول وزير لها في تاريخ الكويت.
وفي 28 يناير/كانون الثاني 1963، وبعد إجراء أول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الأمة عُيِّن الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وزيرًا للخارجية، لتبدأ مسيرته مع العمل السياسي الخارجي والدبلوماسية التي برع فيها ليستحق عن جدارة لقب مهندس السياسة الخارجية الكويتية وعميد الدبلوماسيين في العالم، بعد أن قضى 40 عاماً على رأس تلك الوزارة المهمة قائدًا لسفينتها.
وإبان عمله وزيرًا للخارجية، رفع الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح علم الكويت فوق مبنى الأمم المتحدة بعد قبولها عضوًا فيها في 11 مايو/آيار 1963.
وبذل طوال سنوات قيادته لوزارة الخارجية جهدًا كبيرًا في تعزيز وتنمية علاقات الكويت الخارجية مع مختلف دول العالم، كما قام بالعديد من الوساطات التي أسهمت في حل العديد من الأزمات.
وشهدت البلاد نتيجة ذلك استقرارًا في سياستها الخارجية وثباتًا اتضحت ثماره في الثاني من أغسطس/آب عام 1990 عندما وقف العالم أجمع مناصرًا للحق الكويتي في وجه غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والذي أثمر صدور قرار مجلس الأمن رقم 678 الذي أجاز استخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية لتحرير الكويت.
مسؤوليات عديدة
ونظرًا إلى ما يتمتع به من فطنة وذكاء وقدرة فائقة على تحمل المسؤولية، فقد أسندت إليه العديد من المناصب، إضافة إلى منصب وزير الخارجية، حيث عين وزيرًا للإعلام بالوكالة في الفترة من 2 فبراير/شباط 1971 وحتى 3 فبراير/شباط 1975.
وفي 16 فبراير/شباط 1978 عُيِّن نائبًا لرئيس مجلس الوزراء الكويتي، ثم في 4 مارس/أذار 1981 تسلم حقيبة الإعلام بالوكالة، إضافة إلى وزارة الخارجية حتى 9 فبراير/شباط 1982.
ويوم 3 مارس/أذار 1985 عُيِّن نائبًا لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية حتى 18 أكتوبر/تشرين الأول 1992 عندما تولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية.
وأسندت إليه مهمة تشكيل الحكومة الكويتية بالنيابة عن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك الأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح بسبب ظروفه الصحية، وذلك يوم 14 فبراير/شباط 2001.
رئاسة الوزراء
في 13 يوليو/تموز 2003، صدر مرسوم أميري بتعيين الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رئيسًا لمجلس الوزراء، ليسجل نجاحًا جديدًا في قيادة دفة السياسة الداخلية، كما نجح على مدار 40 عاماً في قيادة السياسة الخارجية لبلاده.
منذ اللحظات الأولى لتوليه منصب رئاسة الوزراء، حرص الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على تبني رؤية شاملة وعميقة للتنمية في الكويت تطول مختلف قطاعات الدولة، وعلى رأسها القطاع الاقتصادي، فقام بتشجيع القطاع الخاص وفتح فرص العمل الحر أمام الشباب من خلال دعم المشروعات الصغيرة.
واستمر في مسيرة العطاء رئيسًا للحكومة الكويتية حتى يناير/كانون الثاني عام 2006، عندما اجتمع مجلس الوزراء واتخذ قرارًا بالإجماع بتزكية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أميرًا للبلاد، وفقاً للمادة 3 من قانون توارث الإمارة الصادر عام 1964.
تولي مقاليد الحكم
وانطلاقًا من هذا القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء الكويتي، ومبايعة أسرة آل الصباح، عرض الأمر وفقاً للدستور على مجلس الأمة الذي عقد جلستين يوم الأحد 29 يناير/كانون الثاني 2006، خصصت الأولى لمبايعة أعضاء مجلس الأمة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح - رحمه الله - أميرًا للبلاد، فيما خصصت الجلسة الثانية لتأديته القسم الدستوري بحضور جميع الوزراء، ليصبح أول أمير منذ عام 1965 يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة.
ومنذ ذلك اليوم التاريخي، وعلى مدى 14 عاماً من تولى الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم شهدت البلاد نهضة تنموية شاملة.
وتم افتتاح مجموعة من المشاريع الضخمة، من أبرزها مدينة «صباح الأحمد البحرية» التي تعد أول مدينة ينفذها القطاع الخاص كاملاً، ما يدل على تشجيعه على إعطاء دور أكبر للمساهمة في تنمية الكويت وتنشيط عجلة الاقتصاد.