«لكل من اسمه نصيب». مَثَل يعرفه الصغير قبل الكبير، ولا يهمني هنا معرفة قائله، ومدى صحته، لكن ما يهمني هو أنه ما قيل إلا وقد تجسد في اسم ومسماه.
ليس الاسم إلا وصفًا، والموصوف هو المسمى؛ لذلك - حسب ما وردنا من روايات أهالينا - فإن بعض العرب كانت تسمي أبناءها على أسماء الأحداث التاريخية التي وُلدوا بها، أو الأماكن؛ ما يشعر بأنهم موصفون بهذه الأحداث والأمكنة.
وباعتبار أن الناس هي من تسمي بعضها البعض تكون العودة إلى المثل السابق مشوبة بشيء من النقص؛ ما يولد عنه ردًّا بالمثل الآخر «لكل قاعدة شواذ» إذا ما لم يكن للمسمى نصيب من اسمه. ترى لِمَ؟ هل لأن المثل باطل؟ أم لأنه لا يتجاوز من أطلق عليه لحظة انبثاقه؟ من جهتي السبب في ذلك أن الناس هي من تسمي، وباعتبار أن الإنسان لا يملك الحقيقة المطلقة في علم كل شيء يتولد قصورًا في تطابق الاسم على المسمى تطابقًا كليًّا. لكن ماذا إذا كانت هناك أسماء لمسميات سمت نفسها وفقًا للمعجزة القاهرة والكمال المطلق؟ هكذا هي أسماء الله التي سمى جلالته بها.
وما دام الأمر على ذلك - إذن - فلا ريب أن الله يقصد الوصف الذي يتجلى بأسمائه. وعلى هذه الشاكلة فحتمًا توجد مواطن بلاغية في تطابق الاسم على المسمى في كل أسمائه التسعة والتسعين. كل اسم ينفرد ببلاغته التي تتجلى في معناه.
ولأن كل اسم يدل على معنى معين يحيل على وصف خاص به، كان اسم «الله» الاسم العام لذاته الإلهية، وبقية الأسماء خاصة بصفاتها. وبعد تمعني بالنظر إليها وجدت أن أكثر ما يحتاج إليه الإنسان يتمثل في أحد أسمائه، فإذا ما احتاج إلى الرزق دعاه باسمه «الرازق»، وإذا ما احتاج الشفاء دعاه باسمه «الشافي»، وفي الظلم دعاه باسمه «العدل»... وهلم جرا.
«الرحمن» اسم الطمأنينة، اسم يحوط النفس بالأمان من الفزع، يرد في قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا}.
لم يكن الخوف من الموت - عادة - وإنما الخوف مما بعده؛ ولا شك أن السبب في ذلك أن الإنسان يخاف من الغيب الذي لا يعرفه، فضاء آخر يصيب بالذعر التفكير في معالمه وكيفية ماهيته، ما الذي يمكن أن يهدّئ من روع الإنسان إزاء الفزع من الغيب المجهول؟ أليست طمأنينة الرحمن التي يهدأ بها الإنسان ما دام في حماها؟ ألا ينبغي أن يكون لهذا السبب خص الله اسمه «الرحمن» ارتباطًا بالغيب، مثلما خصه معه في آية أخرى: {أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}. اتخاذ عهد عند الرحمن يلغي احتياج الاطلاع على علم الغيب؛ لأنه مأمن من مفاجآت الغيب. مثل هذا ما قصدته ببلاغة الاسمية؛ تتطابق أبعاد الاسم على أبعاد المسمى تطابقًا كليًّا، لا يضطر قصوره إلى استحضار المثل «لكل قاعدة شواذ».
من هنا جاءت فكرة «بلاغة الاسمية» فارضة ظرافة جدتها، وأهمية الاعتبار إليها، والتعاطي معها تعاطي التقصي والتحليل والاستنتاج، مع ضرورة الاعتبار للخيط الرفيع بين القوة القاهرة التي تصف نفسها بمسميات تتطابق تتطابقا كليًّا عليها، وتسميات البشر لبعضهم التي يعتريها الجزئية، مثلما قد يعتريها الطمس تمامًا.
وأجده من المفيد أن أدعو طلبة الدراسات العليا في مساق البلاغة للنظر إلى هذا الموضوع. والمجال في هذا البحث يتخذ مناحي متعددة؛ إما بتناول اسم واحد من أسماء الله، وحصر الآيات التي ورد فيها، وتحليل بلاغة تطابق الاسم على المسمى. وإما بتناول كل أسمائه، وهذا بدوره يتفرع لمسلكين: إما حصر كل الآيات التي وردت فيها أسماؤه، أو اتخاذ مدونة أخرى للتحليل، كالأدعية أو غيرها. وأيضا يمكن دراسة «بلاغة الاسمية» في غير أسماء الله الحسنى.
** **
- سراب الصبيح
sarabalwibari@gmail.com