الجزيرة الثقافية - علي السعلي:
التقت «الثقافية» بالأستاذ الدكتور حسن النعمي الناقد والأكاديمي والمبدع فكان هذا الحوار:
* الدكتور حسن.. الناقدُ أم الكاتبُ القاصُّ، وأيُّهما أحبُّ إليك؟ ولماذا؟
- بين الناقدِ والقاصّ مسافةٌ، الناقد قارئ يتحاور مع النص والعالم، والقاصُّ يقيمُ حواره بين الذات والعالم، ومن هنا فالوظيفتانِ تكملانِ بعضهما، ولا أرى تعارضاً بينهما، ومن ثم فهما محببتان إليَّ بالقدرِ نفسه.
* هل تؤمنُ بالنص بِكْراً، أم ترى أنَّ فضَّ بكارته بالنقد؟
- النصُّ لم يكتب إلا للقراءة، وهو بهذا المعنى تجاوز مسألة الغزو والاستيلاء إلى التراتبية الزمنية، يولد النصُّ ويتلقفه القارئ، وبعد القراءةِ يحضرُ النقدُ بوصفه تجربة حوارٍ عميقةٍ مع النص.
* هل أنت مغرورٌ ومتعالٍ على النّقادِ، ودودٌ مع الكتَّابِ الشَّبابِ؟
يفترضُ ألا تعتمد العلاقةُ في فضاءِ الثقافة على التَّراتبيةِ، أعلى وأدنى، وإنما هي أدوارٌ حسبَ كل تجربةٍ، ويقوم الاختلافُ بوصفه فرضية حوارٍ بين النقاد أو القراء أو الكتاب، فلا وجودَ هنا لمسألةِ التَّفاضلِ التي تستدعي تعظيمَ الذَّات على حسابِ الآخرينَ.
* أنت صاحبُ مقولة (القراءةُ أولاً والكتابة عاشراً) متى بدأت تقرأ؟ وكم كتاباً قرأتَ؟ وماذا فعلت بك القراءةُ، وبم خرجتَ منها؟
القراءة أساسٌ وهي مثل الماء بالنسبة إلى الكائنات البحرية، لا تستطيعُ أن تنمو وتبقى دونَ وجودهِ في بيئتها، وكذلك الكاتبُ والناقدُ لا يستطيعُ أن ينموَ ويتطورَ دونَ القراءةِ، وبقدرِ كثافة القراءةِ وعمقِها وتنوعِها يتحدَّدُ مستقبلُ المثقفِ، ولولا قراءاتي المبكرة ما استطعتُ الاستمرارَ في رحلةِ الحياةِ المتغيرةِ، أما كم كتاباً قرأتَ فأنا أقرأ لا لأحصيَ ما قرأتَ، لكن لأستفيدَ.
* هل ترى أن بعضَ المثقفينَ يعيشُ في برجٍ عاجيٍّ بعيداً عن الناسِ، ينظر إليهم من فوقٍ، ويطالعهم من تحتِ؟
مفهوم العزلة التي تسمَّى (البرج العاجي) فرضيةٌ غيرُ موجودةٍ أصلاً، وهي مقولةٌ شاعت وترددت بغير وعي انتقاصاً من أدوارِ المثقفينَ على مر التاريخِ، ومفهومُ (البرج العاجي) أنَّ المثقفَ معزولٌ عن مجتمعه ولا يقتربُ من مشكلاتِ الناس، وهذه المشكلاتُ حلها بيد السلطاتِ لا المثقفِ، فدورُ المثقفِ تحفيز الوعي بأدواتهِ المعرفيةِ والإبداعيةِ، وليسَ السجالات اليومية، والإمامُ السيوطيُّ اعتزل في صومعتهِ وأنتجَ عشراتِ المؤلفاتِ التي ما تزالُ من مصادرِ معرفتنا بالتراثِ العربيّ إلى يومنا هذا.
* في حساباتك الشَّخصيةِ توتير، فيسبوك، الاسنتقرام، ويوتيوب...
ما بين الشِعْر والقصة كتابةً ونقداً أنت نشطٌ جداً في كل ذلك، هل هو حبُّ الظهورِ، أم إثباتُ وجوديةِ مهارةٍ، وهل تؤمنُ بشموليةِ الأكاديميّ المثقَّفِ؟
إذا لم تظهر لن يراكَ أحدٌ، وإذا ظهرتَ صحَّ أن تكونَ منتمياً إلى الحياةِ من حولكَ، وتستطيعُ أن تقيمَ حواراً معهم، تأخذ منهم ويأخذون منكَ، بهذا المعنى نعم أحبُّ الحضورَ على الغيابِ، وهذا يردُّ على مقولة أنَّ المثقفينَ في برجٍ عاجيٍّ، إن اعتزلوا قيل مترفعينَ، وإن شاركوا قيل يحبون الظهورَ، المشكلة ليست في المثقفين، بل فيمن يتصيَّد المواقفَ ليبنيَ عليها قناعاتهِ المسبقةَ، وأسوأ ما نعانيهِ الاستسلامُ للمسلماتِ من الأقوالِ والأفكارِ المعلبةِ.
* كيف ترى مسرحَنا السعوديَّ، ولماذا لم نرَ كتاباتك حوله كتابةً ونقداً بحكم تخصصك؟
- المسرحُ في السعوديةِ مرَّ بحالةِ جفاءٍ، من قبل المجتمع ممثلاً في المؤسَّساتِ الدينيةِ والثقافيةِ والتعليميةِ، أثَّرت على نموه الطبيعيّ، وفي الوقتِ الرَّاهنِ هناكَ محاولةٌ للنهوضِ به، والمواهبَ موجودةٌ، لكنَّها تفتقد الصقلَ والتدريبَ، وقد طالبتُ منذ سنواتٍ بإنشاء هيئةٍ عليا للمسرح وانتقدتُ يومها، والآنَ يتحقَّق الأمرُ بعد عقدينِ من المطالباتِ التي نادى بها المشتغلونَ بالمسرحِ، وقد كتبتُ عنه في أكثر من مناسبةٍ، وتوليت رئاسة قسم المسرح في جمعية الثقافة والفنون بجدة لمدة عامين، وشاركت الجمعية وقتها في مهرجان القاهرة التجريبيّ ضمن المسابقة الرَّسمية عام 2002م، وأقوم بتدريس مادة المسرح في برنامج الدكتوراه في جامعة الملك عبد العزيز، وتقدم الجامعة الآن ولأوَّل مرةٍ على مستوى الجامعاتِ السعوديةِ برنامج (ماجستير المسرح).
* جهود وزارةِ الثقافةِ ما بين القفزِ على الحواجزِ بمهارةٍ، أو مشي السُّلحفاةِ، كيف تقرأ ذلك؟ وماذا تتمنّى؟
- تحتاج الوزارة إلى العمل المؤسَّسيّ، ومنذ إنشائها ما يزالُ دورُها أقلَّ من الطموحِ، وهي الآنَ تجربُ تجربةً مختلفةً وهي الانفرادُ بالعملِ عن طريق مبادراتٍ متناسيةً عمقها الثقافيَّ التقليديَّ في الأنديةِ الأدبيةِ وجمعيات الثقافةِ، والمطلوبُ البناءُ على الأصلِ وتطويرهِ، أما العملُ بشكلٍ منفردٍ فهو ارتباكٌ آخر ووقتٌ مهدرٌ.
* أصدر الناقد الدكتور معجب الزهرانيّ روايته اليتيمة «رقص» ولك رأيٌّ فيما كتبه، هل تؤمن أنَّ الناقد «كاتب» فاشل ، وهل رواية «رقص» بيضة ديك؟
- المعيار فيما يكتبه النقادُ أو سواهم الموهبةُ، ومن يحكمُ القراءُ، رواية «رقص» سيرةٌ روائيةٌ جميلةٌ، وفي النهايةِ هي بدائل تعبيريةٌ متاحةٌ لمن أراد أن ينوع فيما يقدمُ.
* بكل أمانةٍ ماذا حصلَ في «ملتقى حوار» بأدبي جدة. هذا الملتقى أينَ ذهبَ؟ من أقصاه واغتاله؟
«جماعة حوار» أدَّت دورها في مرحلةٍ كانت الساحةُ تحتاج فيها هذا النوعَ من الحراكِ الثقافيّ، فتمَّ التفاف نخبةٍ من المثقفينَ حولها، وكطبيعةِ كلّ شيء له أوانُ المغادرةِ، تغيَّرت ظروفُ كثيرٍ من المثقفينَ لأسبابٍ مختلفةٍ، لكنَّ مؤسسة «نادي جدة الأدبي» قائمةٌ، وقدمت بعد «جماعة حوار» العديد من الجماعاتِ التي أسهمت بدورها في العمل الثقافيّ.
* هل القاصُّ محمـد الراشدي ناقدٌ، وكيف تراهُ من حيث هو كاتبٌ ساخرٌ؟
- لم أقرأه ناقداً لكن أحببته قاصاً له تفرده الخاصُّ.