إعداد - خالد حامد:
بعد انتهاء جائحة كورونا سيعود الناس إلى حالة التنقل مرة أخرى عبر الدول بحثًا عن فرص وظيفية وتعليم وأنماط أفضل للحياة.. لكن وجهات واتجاهات تلك التحركات قد تتغير إلى الأبد.
ستبدو الحياة في بعض البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، أقل جاذبية مما كانت عليه قبل الوباء. كما أن طبيعة أزمة كورونا قد تدفع الراغبين في الهجرة إلى منح الأولوية للسلامة والاستقرار، وقدرة الحفاظ على الروابط الأسرية.
الولايات المتحدة، التي كشفت استجابتها لفيروس كورونا عن حالة من الفوضى والانقسام، ستفقد المهاجرين. لكن البلدان الأخرى ستكسبهم، ومعهم الفوائد المصاحبة للتنوع والديناميكية والموهبة الجديدة.
قليلة هي الدول الرابحة أكثر من اليابان التي هي بلد آمن ومستقر نسبيًا، والبطالة فيه منخفضة، حتى أنها بحاجة إلى المزيد من العمال، كما تتوافر فيه الجامعات المرموقة التي يمكن أن تغري الطلاب الأجانب الذين قد يترددون الآن في المخاطرة بالدراسة باهظة الثمن في الغرب.
لطالما اعتُبرت اليابان دولة متجانسة إلى حد ما، ويُتوقع أنه بعد انتهاء الوباء من المرجح أن تزداد تنوعًا وترابطًا عالميًا. هذا التحول، الذي سيعيد تشكيل المجتمع الياباني، ويتحدى الفهم التقليدي لهويته الوطنية، يعد ضروريًّا إذا أرادت اليابان أن تظل قوة مهمة في الساحة العالمية.
وبخلاف العديد من البلدان الصناعية الغنية الأخرى، يوجد في اليابان عدد قليل من السكان المهاجرين، يشكلون اثنين في المئة من سكان اليابان البالغ عددهم 126 مليون نسمة. ومنذ عام 1980 أصبح هناك نحو 440 ألف مهاجر فقط حصلوا على الجنسية اليابانية.
على النقيض من ذلك، فإن 13 في المئة من المقيمين في الولايات المتحدة إما مواطنون مجنسون أو غير مواطنين. وقد أدت أزمة فيروس كورونا إلى قيام اليابان بتقييد الهجرة بشكل كبير، بما في ذلك منع المقيمين الأجانب منذ فترة طويلة من العودة إلى البلاد. وتشير مثل هذه الإجراءات إلى دولة غير راغبة في الهجرة بشكل أساسي، لكن اليابان الآن أصبحت مستعدة للتخلي عن هذا التوجه. لقد سمحت الحكومة اليابانية في السنوات الأخيرة لفئات جديدة من التأشيرات، وخففت من معايير التأشيرات الحالية من أجل توظيف وإبقاء المزيد من العمال الأجانب والطلاب الدوليين.
في السنوات الخمس التي سبقت الوباء زاد عدد المقيمين الأجانب في اليابان بنسبة 31 %.
وتتمتع البلاد بسمات من المرجح أن تجتذب المزيد من المهاجرين بعد الوباء، تشمل فرص العمل الجيدة، والتعليم العالي بأسعار معقولة نسبيًا، وبيئة اجتماعية آمنة ومنظمة. ولطالما تفاخرت اليابان بهذه المزايا النسبية، لكن الخراب الذي سببه وباء كورونا جعلها أكثر بروزًا.
لا يزال سوق العمل الياباني قويًا على الرغم من الركود الاقتصادي العالمي، وارتفاع معدلات البطالة. وقد بلغ معدل البطالة في البلاد نهاية مايو الماضي 2.9 في المئة، وهو ارتفاع طفيف مقارنة بالأشهر السابقة، لكنه لا يقترب من المعدلات في العديد من الاقتصادات الصناعية الأخرى، مثل فرنسا (8.1 في المئة)، والولايات المتحدة (13.3 في المئة). كانت نسبة الوظائف الشاغرة بدءًا من مايو 1.2؛ وهو ما يعني أن هناك 1.2 وظيفة متاحة لكل متقدم. هذا الرقم أقل من العام الماضي (1.6 وظيفة لكل متقدم)، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر مع استمرار الوباء، لكنه مع ذلك يشير إلى وجود وظائف شاغرة في اليابان.
وتشير أرقام العمالة القوية هذه في الواقع إلى مشكلة أساسية: فقد أدت الأزمة الديموغرافية إلى نقص حاد في العمالة في اليابان؛ إذ بدأ عدد سكان البلاد في الانخفاض لأول مرة في عام 2005، وتقلصت بشكل مطرد منذ عام 2011 القوة العاملة بشكل أسرع من إجمالي عدد السكان. ففي عام 2019 كان أكثر من 28 % من السكان أكبر من 65 عامًا، وكان 60 % فقط من السكان اليابانيين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا؛ وهو ما يعني حدوث نقص 6.4 مليون عامل بحلول عام 2030.
قد يؤدي الوباء إلى ركود اقتصادي لسنوات قادمة عدة، لكن هذا لن يخفف من نقص العمالة على المدى الطويل؛ وستحتاج اليابان إلى المهاجرين ذوي المهارات العالية، ومنخفضة المهارات؛ لملء قوتها العاملة، من الصين المجاورة، وكذلك دول جنوب شرق آسيا، مثل إندونيسيا وفيتنام.
وقد أسهم القطاع الخاص الياباني بشكل أكبر في معدل البطالة المنخفض بشكل مذهل في البلاد. فمنذ الركود العظيم في عام 2008 وفرت الشركات اليابانية نسبة كبيرة من أرباحها لمواجهة الأوقات الصعبة التي تمر بها البلاد، بدلاً من مكافأة المستثمرين وزيادة رواتب الموظفين. بحلول نهاية مارس الماضي أعلنت الشركات اليابانية احتياطيات نقدية إجمالية قدرها 283 تريليون ين (نحو 2.65 تريليون دولار). وعندما ضرب الوباء كانت الشركات قادرة على السحب من احتياطياتها للاحتفاظ بعمالها.
لا يزال سوق العمل الياباني قويًا على الرغم من الركود الاقتصادي العالمي، وارتفاع معدلات البطالة التي بلغ معدلها في البلاد بنهاية مايو 2.9 في المئة، وهو ارتفاع طفيف مقارنة بالأشهر السابقة، لكنه لا يقترب من المعدلات العالية في العديد من الاقتصادات الصناعية الأخرى، مثل فرنسا (8.1 في المئة)، والولايات المتحدة (13.3 في المئة). كانت نسبة الوظائف الشاغرة بدءًا من مايو 1.2؛ وهو ما يعني أن هناك 1.2 وظيفة متاحة لكل متقدم. هذا الرقم أقل من العام الماضي (1.6)، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر مع استمرار الوباء، لكنه مع ذلك يشير إلى وجود وظائف شاغرة في اليابان.
وتشير أرقام العمالة القوية هذه في الواقع إلى مشكلة أساسية: فقد أدت الأزمة الديموغرافية إلى نقص حاد في العمالة في اليابان عندما بدأ عدد سكانها في الانخفاض لأول مرة في عام 2005، وتقلص بشكل مطرد منذ عام 2011. القوة العاملة تتقلص بشكل أسرع من إجمالي عدد السكان. في عام 2019 كان أكثر من 28 % من السكان أكبر من 65 عامًا، وكان 60 % فقط من السكان اليابانيين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا.
قد يؤدي الوباء إلى ركود اقتصادي لسنوات قادمة عدة، لكن هذا لن يخفف من نقص العمالة على المدى الطويل، وستحتاج اليابان إلى المهاجرين من ذوي المهارات العالية والمنخفضة لملء قوتها العاملة، من دول مثل الصين المجاورة، وكذلك دول جنوب شرق آسيا، مثل إندونيسيا وفيتنام.
لقد أسهم القطاع الخاص الياباني بشكل أكبر في تراجع معدل البطالة بشكل مذهل في البلاد، ومنذ الركود العظيم في عام 2008 خصصت الشركات اليابانية نسبة كبيرة من أرباحها لمواجهة الأوقات الصعبة، بدلاً من مكافأة المستثمرين وزيادة رواتب الموظفين.
بحلول نهاية مارس الماضي أعلنت الشركات اليابانية احتياطيات نقدية إجمالية قدرها 283 تريليون ين (نحو 2.65 تريليون دولار). وعندما ضرب وباء كورونا كانت الشركات قادرة على توظيف احتياطياتها الضخمة للاحتفاظ بعمالتها.
وفي أعقاب الأزمة العالمية قد تجعل العديد من العائلات المسافة الجغرافية عاملاً أكثر أهمية؛ لأنها ستقرر إلى أين سترسل أطفالها في سن الدراسة إلى الخارج؟
وإضافة إلى جذب المزيد من المهاجرين الباحثين عن عمل مقارنة بالماضي، تزداد شعبية اليابان كوجهة للطلاب الدوليين، خاصة من الصين ودول آسيوية أخرى.
لقد جذبت اليابان طلابًا من الخارج منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكن الهيمنة العالمية للغة الإنجليزية أدت إلى ترجيح كفة الميزان لصالح الجامعات في أوروبا وأمريكا الشمالية؛ إذ يفضل معظم الطلاب الصينيين - على سبيل المثال - الدراسة في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة بدلاً من الدراسة في اليابان. لكن الفيروس التاجي يمكن أن يغير هذا الاتجاه.
كما تقدم اليابان بديلاً مقنعًا للطلاب الصينيين والآسيويين الآخرين الذين يسعون للدراسة في الخارج. وتعد العديد من الجامعات اليابانية من بين الأفضل في العالم؛ إذ إن تكلفة الرسوم الدراسية في اليابان زهيدة مقارنة بما يتم دفعه في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وفي السنوات الخمس من 2015 إلى 2019 نما عدد الطلاب الدوليين في اليابان بنسبة 40 في المئة من أقل من 250.000 إلى ما يقرب من 350.000. من بين الطلاب الدوليين المتخرجين من المؤسسات التعليمية اليابانية بين إبريل 2018 ومارس 2019 وجد 35 % وظائف في اليابان، و30 % واصلوا تعليمهم هناك.
ومنذ أن بدأ وباء كورونا تلقت بعض الجامعات اليابانية أعدادًا قياسية من الطلبات من الصين. يعتمد نمو الاهتمام على اتجاه قائم بالفعل: لقد جاء العديد من الطلاب الصينيين إلى اليابان في السنوات الأخيرة لمتابعة دراساتهم العليا بعد الدراسة في أستراليا أو المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة. عند سؤالهم عن أسباب قدومهم إلى اليابان أشار معظم المتقدمين إلى فرص العمل، والسلامة النسبية للبلد، والقرب من الوطن.
لا تزال العقبات تقف في طريق أن تصبح اليابان أكثر عولمة وتنوعًا. ويجب على الشركات اليابانية القيام بالعديد من الإصلاحات إذا أرادت هي والمجتمع الأوسع أن يصبحوا أكثر انفتاحًا على العالم. لكن مزايا اليابان كوجهة للمهاجرين والطلاب واضحة؛ إذ إن الوباء حطم الاقتصادات، وجعل الجامعات الغربية أقل جاذبية مما كانت عليه من قبل.
** **
جراسيا ليو فارير هي أستاذة علم الاجتماع في المدرسة العليا لدراسات آسيا والمحيط الهادئ بجامعة واسيدا اليابانية، ومؤلفة كتاب «اليابان المهاجرة: التنقل والانتماء في مجتمع عرقي قومي» - عن دورية (فورين أفايرز) الأمريكية