«الجزيرة» - ناصر السهلي:
أبدى عدد من المختصين بالتعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد آراءهم في تجربة تطبيق التعليم عن بُعد، والتي تجري خلال هذه الفترة بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وبعد نجاح وزارة التعليم والجامعات والمؤسسات التعليمية في تسيير العملية التعليمية وعدم توقفها خلال أزمة فيروس كورونا والتي أثرت على الحياة والتعليم ليس فقط في المملكة، بل في أنحاء العالم كافة.
وقد تم استطلاع آراء عدد من المختصين بالتعليم الإلكتروني، ورصد آراءهم وانطباعاتهم عن هذه التجربة، وعن آفاق التعليم الإلكتروني في المملكة خلال الفترة القادمة، وأثر التجربة الحالية في التسريع بالتوجه نحو التعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد باعتباره أصبح توجهًا عالميًا لا يمكن إنكاره، خاصة مع هذه الأزمة التي أثبتت الحاجة الحقيقية له.
ويشير المهندس سامي الحصين، المستشار والشريك المؤسس لمنصتي رواق ومهارة إلى أن جائحة كورونا أجبرت العالم على التحول للعالم الافتراضي، سواء في العمل أو التعليم أو التجارة، ولم يكن العالم عمومًا مستعدًا لهذا العدد وبهذه الطريقة المفاجئة والسريعة، وقد تفاوتت نسب نجاح العالم في التعامل معها؛ فالدول المستعدة بمنصات وطنية وخاصة مثل eclex وكوسيرا وفيوتشرليرن كان أداؤها أفضل في توفير بعض البدائل، وإن لم تكن كاملة؛ لأنه لا يوجد فيها ما يقدم جامعة افتراضية كاملة، ودول أخرى كانت أقل حظًا ومنها جامعاتنا.
وأشاد المهندس الحصين بقدرة الجامعات على التجاوب السريع، والتفاعل وابتكار الحلول، وأوضح أن هذه نقطة تحسب لجامعاتنا وتعليمنا، فقد بادرت الجامعات بابتكار الحلول المختلفة لاستمرار العملية التعليمية كلٌ بحسب قدراته، مضيفًا أن المهم دائمًا هو الخروج من كل تحدٍ باستعداد أكبر، ولذا يقع السؤال عن ما الذي نستطيع عمله للتعامل مع تحديات أخرى مشابهة، وأنه لا بديل من وجود منصات وطنية، بمحتوى قادر أن يكون بديلاً دائماً لطلابنا، وربما لطلاب العالم.
أما الدكتور فهد بن محمد الشهراني المستشار في صندوق تنمية الموارد البشرية -هدف- فقد أوضح أن هناك تفاوتًا بين الجامعات في الاستفادة من التعليم الإلكتروني في هذه الفترة. فمنها من لم يتأثر سير العملية التعليمية فيها بشكل كبير، ومنها من حاول تدارك الموقف، مضيفًا أن السبب في هذا التفاوت يرجع لمدى استثمار الجامعات في التعليم الإلكتروني قبل الجائحة؛ فبعض الجامعات تدعم وتطبق التعليم الإلكتروني بالطريق الصحيحة مع مراعاة نظريات التعلّم الإلكتروني واحتياجات المتعلّم الذي يلتقي المادة العلمية خلف الشاشة، ولكن البعض الآخر كان يستخدم التعليم الإلكتروني والخدمات المقدمة منه بوصفها وسيلة لرفع الملفات وتوصيلها للطالب، أو يعتبرها مجرد منصة لمشاهدة محاضرة لمدة 50 دقيقة.
وتوقّع الدكتور الشهراني أن هذه الجائحة سوف تغير مسار التعليم الجامعي التقليدي القائم على الدكتور والقاعة والتلقين إلى دمج فعلي للتقنية في العملية التعليمية، وانتقال مسؤولية التعلّم من المدرّس إلى الطلاب، ليتحول دور المدرس إلى الإرشاد والدعم. وهذا سيؤدي لخلق جيل جديد ذاتي التعلم قادر على التطور الوظيفي والحياتي.
وقد تحدث الدكتور خالد عبد العزيز العصفور من قسم تقنيات التعليم بجامعة الملك سعود عن الآفاق الواسعة التي أتاحتها لنا هذه الأزمة للاطلاع على تجربة التحول للتعليم عن بُعد من عدة نواحي، وأنها أتاحت للمملكة أن تبرهن للعالم جدارتها بأن تكون في مقدمة الدول العشرين العظمى، وذلك بالتحول السريع للتعليم عن بُعد لأكثر من 5 ملايين طالب، واستمرار العملية التعليمية؛ مما يدل على قوة الجاهزية التقنية والبشرية للمملكة والاستعداد التقني لطلابها، والذين هم وقود رؤية 2030 .
وأضاف أن التجربة أتاحت للمجتمع التعليمي التعرّف على التعليم عن بُعد، وزادت من اهتمامه بكيفية توظيفه بما يخدم العملية التعليمية، كما أتاحت من جهة أخرى للطلاب الدارسين في مجال تقنيات التعليم الخوض في تجربة حقيقية للتعليم عن بُعد، بما أسهم في زيادة إبداعهم في تصميم حلول التعليم عن بُعد.
وقد استعرض الدكتور سعد بن مبارك الودعاني عميد التعلم الإلكتروني والتعليم عن بُعد بجامعة القصيم الجوانب الإيجابية لتجربة الجامعات السعودية في التعليم الإلكتروني خلال الأزمة، والتي اعتبر أن من أبرزها التخطيط والتعاون ودوره في نجاح التجربة، وكذلك وضع السياسات وقواعد العمل عند الأزمات، وكذلك تطوير عناصر العملية التعليمية، فقد أظهرت التجربة ما تحقق من عائد على عناصر العملية التعليمية خلال فترة تعليق الدراسة، موضحًا أن هذا العائد يفوق الفائدة المتحققة للتعليم الإلكتروني منذ ظهوره، وأوضح أن الجامعات لمست ذلك من خلال المقرّرات وتطويرها فتحولت من كتب تقليدية إلى برامج تفاعلية، وكذلك لمست ذلك من خلال الأساتذة حيث تم تمكينهم من المهارات الأساسية المتعلقة باستخدام وتوظيف نظام إدارة التعلّم الإلكتروني وتطبيقاتها المتنوعة. وأيضًا من خلال الطلاب، فقد تغير دور الطالب من متلقي سلبي إلى باحث نشط متفاعل مساهم في بناء المعرفة.
وأضاف الدكتور الودعاني أن من الجوانب الإيجابية لهذه التجربة تطوير نمط التعليم وأسلوب التعلّم، واتضح ذلك من خلال إسهام التعليم الإلكتروني في توفير التعليم للطلاب طوال اليوم دون انقطاع، وإتاحة التعليم الإلكتروني لكل متعلم بالسير في المقرر الدراسي الإلكتروني وفق قدراته ومهاراته، وكذلك ما يتيحه التعلم الإلكتروني من تفاعل مستمر بين الأستاذ والطالب، وبين الطلاب بعضهم بعضًا، هذا التفاعل الذي يفوق الاتصال التقليدي بالقاعة والذي يكون محدودًا ومقيدًا بالزمان والمكان.