أثار انتشار فيروس كورونا القلق في جميع الأسواق العالمية، حيث رجح خبراء الاقتصاد أن العالم بأجمعه تنتظره خسائر فادحة قد تقوده إلى ركود أو كساد اقتصادي تخرج فيه الكثير من الشركات من السوق بإعلان إفلاسها ويفقد الكثير من المستثمرين في العالم ورجال الأعمال بعض أو كل أصولهم وثرواتهم.
ومع تفاقم الأزمة والخسائر العنيفة التي خلفها فيروس كورونا على كثير من المستثمرين حتى الآن والزحف بهم نحو الانهيار مع عدم وجود مؤشرات إيجابية لتراجع حدة الأزمة في الوقت الحالي، إلا أنه هناك من يرى فرصة استثمارية ويقتنصها فعلاً على غرار المقولة الاقتصادية الشهيرة في الأزمات صنع الثروات. وبما أني أكاد أجزم أننا سنرى قصص نجاح وأفكار ابتكارية - محلية وعالمية - تولد من رحم هذه الأزمة بعد أن نقضي على فيروس كورونا بإذن الله، سأتناول الموضوع من منظور علمي ألا وهو اتخاذ القرارات في ظل الغموض Decision Making Under Uncertainty
يوجد هناك عدة معايير لدراسة صنع القرار قبل اتخاذه في ظل الغموض أو عدم اليقين وجميعها تتطلب حسابات رياضية معقدة. والمعيار الأول هو معيار أقل عائد Maximin والمعروف أيضًا باسم معيار التشاؤم ويستخدم عندما يكون صانع القرار متشائمًا من المستقبل مفترضة بأن يحقق أقل عائد ممكن من الاستثمار، وهو على عكس المعيار الثاني أقصى عائد Maximax الذي يعرف بمعيار التفاؤل حيث يكون صانع القرار متفائلاً بشأن المستقبل مفترضة بأن يحقق أعلى عائد ممكن من الاستثمار.
أما المعيار الثالث هو معيار الندم Regret Criterion ويركز على «الندم» الذي قد يعض صانع القرار أصابعه بسبب اختيار استثمار معين دون غيره، بمعنى أن المستثمر لا يريد تضييع أفضل الفرص الاستثمارية وبالتالي تساعد هذه الطريقة على اختيار الاستثمار الذي يحقق أقل ندمًا من الفرص الأخرى الضائعة.
ويتم تعريف «الندم» أو «الأسف» على أنه الفرق بين أفضل عائد استثماري يمكن تحقيقه لو كنا نعرف الحالة التي سنكون عليها بعد هذه الأزمة، ويقيس هذا الفرق حجم الخسارة المتكبدة باسم «خسارة الفرصة أو تكلفة الفرصة البديلة.
أما المعيار الرابع والأخير فهو معيار لابلاس Laplace وهذا المعيار يوازن بين المعيارين الأول والثاني أي بين التشاؤم والتفاؤل وذلك لأنه لا يمكن معرفة احتمالية ازدهار السوق من ركوده أو كساده بعد هذه الأزمة، وبالتالي يفترض المستثمر أن جميع الاحتمالات متساوية ويتخذ قراره بناء على ذلك. مجمل القول، اتخاذ القرارات في ظل الغموض أو عدم اليقين دراسة علمية واسعة تعتمد على نظريات رياضية حيث يكون صانع القرار لا يملك معلومات كافية لتعيين أي احتمالات لحدوثها مستقبلاً، ويكون هناك العديد من الأشياء المجهولة مع عدم إمكانية معرفة ما يمكن أن يحدث في المستقبل لتغيير نتيجة القرار، تمامًا كما هو حالنا اليوم في الغموض الذي يحيط العالم أجمع صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وذلك لأننا لا نعرف الكثير عن كورونا ولا يمكننا التنبؤ بموعد احتوائه كما قال المتحدث الرسمي لمنظمة الصحة العالمية وكذلك توقع العلماء بأن الوصول إلى لقاح كورونا سيستغرق ربما عامًا أو أكثر. من هنا تظهر صعوبة اتخاذ القرارات حيث يشعر صناع القرار بعدم اليقين بنتيجة قراراتهم بل عدم استطاعتهم الإجابة بثقة كاملة على سؤال واحد محدد وهو «كيف سيكون عليه الحال بعد هذه الأزمة، حيث إنه من الممكن أننا سنعيش في عالم مختلف عن العالم الذي عرفناه من قبل، نرى فيه نجاحات وإنجازات ومشروعات ريادية تبلورت من رحم هذه الأزمة بعيدًا عن الخسائر والانهيارات التي قد تلحق بآخرين.
** **
م. عبد الله بن صالح الفته -
مدير مشروع التصنيع المحلي في الشركة البريطانية للطيران والفضاء BAE Systems