يمكن أن نعد قصيدة الشاعر حسن الزهراني الكورونية المعنونة بـ (ابن ووهان) المنشورة في عكاظ يوم الجمعة الماضي 24-4-2020 مسرحية من فصل واحد.
تبدأ القصيدة - المسرحية بالشاعر في صحبة أبي العلاء المعري، ومعهما المغنيتان عريب وشارية يتسلون جميعاً في وقت الحظر:
أنا و(المعرّي)
على (مكتبي) بعد منتصف (الحظر)
في نشوةٍ وسرورْ.
ويتغنون بأبيات المعري بعد تعديلها بما يناسب المقام:
(غيرُ مُجدٍ في عُزلتي وانطوائي
جَمعُ صَحبٍ ولا زيارة نادي
أقلقتنا هذي (الكرونا) فبِتنا
بين (كمّامةٍ) وغسل أيادي)
في هذه الأثناء يُطرق الباب ويتساءلون في هلع من سيطرقهم آخر الليل؟ غير أن المعري بلا تردد يأمر الجارية بفتح الباب:
أطلّ علينا فتىً من هُلامٍ
بِبزته الزّاهية.
قال: صبّوا من الشاذلية لِلضيف،
أو إن وجدتم نبيذاً فيا حبذا
إنني جئتُ من بلدةٍ نائيةْ..
ثم تمضي المسرحية فيلقي القادم شماغ المعري على وجهه فيرتد بصيراً ويبكي الجميع فرحاً:
ارتبكنا ونحن نرى نار عينيه،
والشّرر المُتطاير من بين جفنيه في لَحظةٍ داجِيةْ.
لم يُعِرنا اهتماماً وألقى (الشّماغ) بِوجهِ (المعرّي) فعاد إليه البصرْ...!!!
فبكى
وبكينا
جرى دمعنا أنْهُراً في القفارْ..
وتبسّم في غصن رُمانِهِ الـ(جُلّنارْ)..
واستحالت جميع الصحاري مروجاً من الفلّ والياسمين،
والندى في سرورٍ يكحّلُ في كل صبحٍ رموش الشجرْ..
ويدور حوار بين الضيف والمضيف، يعيب فيه ابن ووهان سلوكنا الذي جعلنا مستحقين لما فعل بنا الفيروس اللعين:
قلت: بالله من أنت؟!
قال: (كرونا)
وقفنا ذهولاً
وقُلنا جميعاً: عليك من الله...
قال: اهدأوا ياااابشرْ..
واستعدوا لـ أمرٍ.. أمَرْ..
أنتم الآن أحقر خلقٍ على الأرض.
كرّمكم خالق الكون عن كل خلقٍ
فحِدتم عن الحق.
حَاقَ بكم مكرُكم حين لم تُغنِكم أيها السادرون النّذرْ.
ويؤنب شاعرنا ابن ووهان على ما فعله بنا ويعدد شيئاً من أفعاله التي لا تطاق:
يابن (وُوهان):
لا مرحباً بك
عكّرتَ صفوي،
ولوَثت كوكبنا، وتجبّرت.
أذْللتنا أيها الوغد:
أودعتنا في سجونٍ من الرّعب،
أرهبتنا
ومزجت الأماني بِصِبْرِ الكدرْ..!!
كل شيءٍ توقّف من أجل عينيك،
كم من فؤادٍ طعنتْ!
وكم من صغيرٍ حرمتْ!
وكم من...!
وكم من....!
وأوجعتَ.
أوجعت.
أوجعت.
يا أيها المُستطير الأشِر.
ويوافق شاعرنا الزائر الغريب، لكن ليس على سبيل المعجب بأفعاله؛ بل اللائم قومَه على ثقتهم وغرورهم بمنجزاتهم:
كل ما قد بلغناه من عِلمنا
وابتكاراتنا يابن ووهان
أضحت وفي لَحظةٍ من ذهولٍ هباءْ.
واكتشفنا سريعا مدى ضَعفِنا،
وتساقط في لَمحةٍ كل ذاك الهراء.
وأنت الذي لا تُرى يا سليل الخياناتْ
غيّرت كل القناعاتْ.
أخلفت كل الموازين.
أسكَتَّ كل الصواريخ والطائرات!!
وأخرست كل القنابل، كل البنادق والمدفعيات والقاذفاتْ!!
وكمّمت أفواه كل المُرابين والأدعياءْ.
وأغلقت دون عناءٍ علينا جميع الدّروب،
وأغلقت حتى الفضاءْ.!!
ويقلِّل شاعرنا من تهديد ابن ووهان له بالقتل:
قلت: أمّا أنا يابن ووهان
قبري معي،
وفي أيّ حينٍ على أُهبةٍ للرحيلْ.
ومتاعي قليلٌ قليلْ.
لم يعد بين جنبيَّ قلبٌ.
ولا في الشرايين نبضٌ.
ولا في المشاعر دفءٌ،
وطرفي كَلِيلٌ كليلْ.
وما بِتُّ أطمع في برزخ الحزن إلاّ بِقطرة ماءٍ خَصِر.
ويطلب شاعرنا من ابن ووهان الرحيل فلا يجيبه بغير لازمته: (استعدوا لأمر أُمر):
يابن ووهان
بِتنا نفكر بعدك من أين يأتي الهلاك؟!
وكيف سينصبُ لِلغافلين الشباك؟
لم يَعدْ مُستحيلاً جميع الذي قلتُ
بعد الذي قد فعلتَ بنا
أيها الوغد
فارحل عليك من الله..
قال: اهدأوا يا بشر
واستعدوا لـِ أمرٍ أمرْ
ويوجه شاعرنا لزائره سؤالاً أخيراً وهو: «من سلطك علينا»؟
يابن ووهان هذا سؤالي الأخير
الذي لم يزل ينخر الروح في كل حين!!
وينذر في كلّ أحواله بالخطر:
أنتَ من أنت؟!
هل أنت لُعبة أوغاد هذا الزمان: الجديدة،
أم حتفنا المُنتظرْ؟!
ومن هم؟!
وأين يقيمون؟!
كيف يديرون عالمنا في الخفاء؟!
وماذا يريدون مِنا؟!
فقال اهدأوا يا بشر..
واستعدوا لـ أمرٍ أمرّ.
ويبدو أن الرعب أصاب المعري فالتزم الصمت حتى خرج الزائر فعادوا جميعاً إلى ما كانوا فيه من لهو وطرب:
ثم قام المعري وألقى عصاه ومدّ يَديه
فألقت عريب وشارية الحسن: عوديهما
ومضوا يرقصون على صوت (فيروز) قبل السّحر:
(على دلعونا على دلعونا
متى نتخلص من ذي الكورونا)
(قولوا لأوروبا وقولوا لأمريكا
والصين العظمى جننتمونا)...
ووددت أن الشاعر استفاد من حضور زميله المعري فمنحه مشهداً أو - على الأقل - مشاركة في الحوار وإبداء الرأي، وربما سأل الزائر عن علاقته بعائلات الوباء في زمانه وهل كان سليل إحداها؟
القصيدة من شعر التفعيلة، طويلة تتألف من مقاطع عديدة، جميلة في فكرتها وفي لغتها، راوح فيها الشاعر بين تفعيلتي (فاعلن) و(وفعولن) وكان بودي لو استقل كل مقطع بتفعيلة لأنه كان يمزج بين التفعيلتين في المقطع الواحد، وخير مثال على ما أقول هذا الجزء:
يابن ووهان
بِتنا نفكر بعدك من أين يأتي الهلاك؟!! (فاعلن)
وكيف سينصبُ لِلغافلين الشباك؟ (فعولن)
** **
- سعد عبدالله الغريبي