سبحان الخالق البارئ.. «فيروس» صغير إلى درجة أنه لا يرى بالعين المجردة يقلب كيان العالم رأسًا على عقب.. يوقف عجلة الزمن ويعطل الأعمال ويشل الاقتصاد ويتسبب في انقطاع 1.6 مليار طفل وشاب عن التعليم في 161 بلداً، ويحجز البشر في بيوتهم ويقتل عشرات الآلاف ويملأ المستشفيات على امتداد هذا الكون.. ولا يعترف بالحدود والسدود بين الدول والأمم.
وبالتأكيد فإن عالم ما بعد (كورونا) لن يكون كعالم ما قبله.. وسيعمد المؤرخون إلى تقسيم تاريخ العالم إلى مرحلة ما قبل وباء كورونا ومرحلة ما بعده.. وسيتغير النظام العالمي الحالي وسيتشكل نظام عالمي جديد وتسقط تحالفات وتتشكل أخرى وتتغير الموازين مع بقاء الولايات المتحدة كدولة عظمى رغم أنها البؤرة الأكثر تعرضاً للوباء.. وسوف يتأثر العالم في كل مفاصله ومؤسساته وتقنياته بما أحدثه هذا الوباء اللعين.. وسوف تتغير المفاهيم والنماذج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.. تغييرات كبيرة منتظرة على المستوى الدولي والإقليمي.. وعلى مستوى المنظمات الدولية.. ربما تشمل هيئة الأمم المتحدة - المنظمة العجوز -.. وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.. وغيرها.. العالم سوف يطالب بتغييرات جذرية.. كما حصل عقب الحرب العالمية الثانية.
هؤلاء دقوا ناقوس الخطر منذ سنوات
أذكر أنني شاهدت في عام 2015م المحاضرة الشهيرة للعبقري (بيل غيتس) وأعدت سماعها مؤخراً.. دق فيها ناقوس الخطر وحذر من وقوع ما هو حاصل الآنـ حيث قال: أنفقنا الكثير للتصدي لكارثة نووية والقليل جدًا لمواجهة كارثة فيروسية. وقال «لا يوجد نظام عالمي لمواجهة كارثة فيروسية وكذلك لا يوجد عدد كافٍ من المتخصصين في مجال الفيروسات والوبائيات والأمراض المعدية سواء من أطباء أو فنيين وممارسين وممرضين صحيين.. وأيضًا لا تتوفر جاهزية واستعدادات ووسائل تقنية وغير تقنية لمواجهة أي كارثة فيروسية». كذلك قال غيتس «لا يوجد نظام استجابة عالمي ولا نظام تطوعي ولا تنسيق دولي وأيضًا لا يتوفر نظام وآلية واضحة للاستدعاء العسكري في المواجهة». وحذر بوضوح قائلاً: إذا لم نبدأ من الآن الاستعداد لمواجهة الكارثة الفيروسية فإنها ستكون كبيرة ومدمرة. (هذا ما قاله غيتس في عام 2015).
وقبل 17 عامًا أصدر العالم البريطاني (مارتن ريس Martin Rees كتاباً بعنوان (ساعتنا الأخيرة)، حذَّر فيه من وقوع كارثة بيولوجية نتيجة لخطورة الفيروسات المتحولة وإمكانية تخليقها مستقبلاً بسهولة كسلاح بيولوجي.. وتوقع مارتن ريس قبل 17 عامًا أن يكون عام 2020 هو عام وقوع الخطأ البيولوجي.
وفي عام 2005 حذر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن من وباء فيروسي ووضع خارطة طريق لمكافحته.. قال بوش في كلمة ألقاها في المعهد الوطني الأمريكي للصحة: إنه أمر مصيري لهذه الأمة أن تسارع وتبدأ من الآن التصدي لتهديد ظهور وباء فيروسي. نعم لا يوجد وباء حاليًا في أمريكا أو في العالم.. والعلماء والأطباء لا يستطيعون إخبارنا أين ومتى سوف يظهر الوباء القادم ومدى قوته، ولكن الجميع متفقون أننا في وقت ما سوف نواجه هذا الوباء عالميًا وسوف ينتشر بصورة أكبر مما نستطيع السيطرة عليه، بينما إذا بدأنا الاستعداد من الآن فسوف نخفف آثاره المدمرة. وقال أيضًا.. إستراتيجيتنا تتضمن ثلاثة أهداف.. الأول يجب أن نكتشف ظهور أي وباء في أي مكان في العالم فور ظهوره. والثاني يجب أن نحمي الأمريكيين، وذلك بتوفير الأدوية واللقاحات وتطوير قدرتنا على الإنتاج السريع للقاحات الجديدة. وثالثًا أن نكون جاهزين للاستجابة السريعة على مستوى الحكومة الفيدرالية والولاية والمدينة في أي وقت يطرق الوباء أبوابنا.
ولكن.. ما حصل هو ما أن ترك بوش كرسي الرئاسة إلا وحفظت الإستراتيجية.
الجائحة أصابت الغرب وحضارته في مقتل
والحقيقة هي أن جائحة فيروس كورونا كوفيد- 19 العالمية والتي بدأت مع ظهور أول إصابة بالفيروس في مدينة يوهان بالصين في 17 نوفمبر 2019 ومن ثم انتشرت بشكل سريع في الصين وانتقل انتشارها إلى دول العالم في جميع القارات.. مما دفع بمنظمة الصحة العالمية إلى الإعلان في 11 مارس 2020 أن فيروس كورونا هو جائحة عالمية Pandemic، ولقد ضرب الفيروس بصورة قاسية القارة الأوروبية العجوز ولا سيما أيطاليا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا.. وأودى بحياة الآلاف وتكدست المشافي بالمرضى المصابين بالفيروس وبالجثث الناتجة عنه.
ثم تحولت الأنظار إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت بؤرة التفشي الأولى والأكبر في العالم.
وكأن الجائحة أصابت الغرب وحضارته في مقتل.. ولم تسلم منه دولة في العالم.
هي حرب قاتلة ضد مجهول.. وهي كما قال (انطونيو غيتيرش) الأمين العام لهيئة العامة للأمم المتحدة.. أسوأ أزمة يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل 75 عامًا.. معربًا عن قلقه من أن تتسبب تداعياتها في تأجيج النزاعات والحروب في العالم.
محمد بن سلمان يجسد النموذج السعودي في التصدي للأزمة
قدمت الحكومة السعودية للعالم نموذجاً رائعاً وعملاً استثنائياً في التصدي للأزمة.. حيث أمر قائدنا الاستثنائي صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتشكيل لجنة وزارية بشكل عاجل ومبكر تضم نحو عشرين وزيراً، وذلك قبل ظهور أي حالة في المملكة.. وتفرع منها لجنة أخرى تضم وكلاء الوزارات.. واتخذت الدولة قرارات مهمة وسريعة وحازمة.. وفرضت إجراءات احترازية محكمة.. حتى قبل ظهور أي إصابة والتي ظهرت في 2 مارس 2020م.. شملت الإجراءات تعليق الدخول والخروج إلى ومن البلاد وبين المناطق داخل البلاد.. وتعليق الدراسة في الجامعات والمدارس وتعليق الحضور إلى مقرات العمل للقطاعين الحكومي والخاص.. وإغلاق دور السينما والمولات والمجمعات التجارية.. وتعليق الأنشطة الرياضية والمناسبات وإيقاف الصلاة في المساجد وحظر التجول. وأكد سمو ولي العهد على أن إنسانية المملكة قادرة على تحييد لغة المال والاقتصاد..
يقول معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة: «ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضحى بكثير من المكتسبات الاقتصادية لضمان سلامة المواطن وصحته».
وتحدث قائد البلاد الملك سلمان إلى شعبه بكل شفافية موضحاً حقيقة الأمر وفي الوقت نفسه أدخل الطمأنينة في النفوس حث أكد الحرص الشديد على صحة المواطن والمقيم.. قال خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله: «أؤكد لكم حرصنا الشديد على توفير ما يلزم المواطن والمقيم في هذه الأرض الطيبة من دواء وغذاء واحتياجات معيشية».
ولم يقتصر نجاح الإدارة السعودية في إدارة الأزمة على هذه الإجراءات الاحترازية.. بل تجسد في أمر مهم ألا وهو «السرعة» في اتخاذ القرارات.. والسرعة عامل مهم جدًا في مواجهة هذه الأزمات.. فهي فارق النجاح.. وهذا ما أكده المدير التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية Michael Ryan الدكتور مايكل ريان، وهذا ما يؤكده علماء إدارة الأزمات الذين يرون أن إدارة الأزمات تكون من خلال هدف تلقائي وهو التعامل الفوري مع الأحداث لوقف تصاعدها وتحجيمها وتحطيم مقومات تعاظمها.
ولقد أدت هذه الإجراءات الحازمة وتوقيتها المدروس إلى أن تكون حالة المملكة جيدة على مستوى العالم، وهذا ما أكدته (شركة ستراتيجك جيرز السعودية) في تقريرها المنشور في منتصف أبريل.. مشيرة إلى أن عدد الحالات لكل مليون نسمة في المملكة يبلغ 80 حالة فقط بينما يصل المتوسط العالمي لهذا المؤشر إلى 182 حالة لكل مليون نسمة.
ولم يقتصر تصدي الدولة للجائحة العالمية على هذه الإجراءات الاحترازية.. بل اتخذت قرارات مهمة وفعالة اقتصادية واجتماعية.. ولعل في مقدمتها الأمر الملكي الكريم القاضي بتحمل الحكومة 60 % من رواتب العاملين في القطاع الخاص.. إضافة إلى حزمة من المبادرات الداعمة بنحو 120 مليار ريال.. منها مبادرات من مؤسسة النقد ومبادرات من الصناديق والبنوك التنموية لتخفيف الأثر المالي والاقتصادي على القطاع الخاص.. ودعمت الدولة القطاع الصحي بـ17 مليار ريال إضافة إلى 32 مليار ريال أخرى إلى نهاية السنة المالية الحالية لمواجهة كورونا.
وكما قال وزير المالية.. «إن الاحتياطات النقدية مكنت المملكة من مواجهة أزمة كورونا من موقع قوة».
وهذا ما أكده (صندوق النقد الدولي) مشيرًا إلى أن النظام المالي في السعودية مهيأ بشكل جيد لمواجهة الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا.
ولا بد لنا أن ننوه بجاهزية الحكومة «إليكترونياً».. حيث ساهمت الخدمات الإليكترونية الحكومية المتعددة في تمكين المواطنين والمقيمين من إنجاز معاملاتهم واحتياجاتهم إليكترونياً بيسر وسهولة.
إشادات دولية بالنموذج السعودي
وفي مبادرة إنسانية لافتة أمر خادم الحرمين الشريفين بتقديم الرعاية الصحية مجاناً لجميع مصابي كورونا حتى لمخالفي أنظمة الإقامة بما يضمن الأمن الصحي للمملكة ومواطنيها ومقيميها.
ولقد حظيت هذه المبادرة الإنسانية بإشادات دولية.. ومن ذلك إشادة مدير عام منظمة الصحية العالمية الدكتور (تيدروس أدهانوم) الذي قال: «أتقدم بخالص الشكر والتقدير للملك سلمان لقيادته وجهوده من أجل الحافظ على سلامة العالم والحد من انتشار فيروس كورونا المستجد». وأضاف قائلاً: «هذا ما يعنيه مفهوم الصحة للجميع. شكرًا جزيلاً للملك سلمان لقيادتكم والتزامكم لضمان حصول الجميع على الخدمات الصحية اللازمة لمواجهة كورونا. أتمنى أن تحذو الدول الأخرى حذوكم».
وكذلك السفير الأمريكي بالمملكة جون أبي زيد قال مخاطباً الجالية الأمريكية في المملكة: «القرار قراركم ولكنني أنصحكم بالبقاء هنا.. فالإمدادات الغذائية هنا جيدة وجميع الخدمات متوفرة والنظام الصحي فعال وجيد».
والسفير الألماني بالمملكة قال لدينا 2500 ألماني يعيشون في المملكة ولم يعودوا إلى بلادهم بل هم سعيدون هنا. وأشاد بأن في ألمانيا 650 طبيبًا سعوديًا يعملون في المستشفيات ممتنين لهم ومدينين لهم».
والبلجيكي (اوليفر بانهويس) كبير مستشاري التخطيط يقول: «السعودية لا تقتصر على الترحيب فقط.. بل يقدمون لكم العلاج مجانًا ولا يوجد أي بلد فعل ذلك حتى بلدي بلجيكا».
ويقول الدكتور كيجي فوكوما مساعد مدير عام منظمة الصحة العالمية: «الإجراءات الصائبة التي اتخذتها الحكومة السعودية ممثلة في وزارة الصحة تجعلنا نقرر في منظمة الصحة العالمية ونتشجع للعمل اللصيق مع وزارة الصحة السعودية والاستفادة من تجربتها».
الالتحام بين القيادة والشعب في المملكة
والجميل في الأمر هو تكاتف جميع القطاعات وجميع فئات المجتمع في المملكة للتصدي للأزمة والتعاون والاستجابة والالتزام من قبل المواطنين والمقيمين. ومن ذلك الدور البارز للقطاع غير الربحي.. ومنه الهيئة العامة للأوقاف التي دشنت (الصندوق المجتمعي للتخفيف من آثار كورونا) برأس مال يبلغ (500) مليون ريال مستهدفًا الفئات الأكثر تضررًا.
وكذلك صندوق (الوقف الصحي) الذي تلقى تبرعات قاربت المليار ريال وهو يهدف إلى المساهمة في التنمية الصحية والمساعدة في توفير احتياجات المرضى من أجهزة وعلاج وتأهيل والإسهام في تمويل البرامج الوقائية والأبحاث الصحية.
وبنك التنمية الاجتماعية أعلن عن تدشين محفظة الرعاية الصحية بـ2 مليار ريال لتمويل 1000 منشأة صحية، وذلك تزامنًا مع أحداث كورونا وتفاعلاً مع القطاع الطبي.
وما أن فتحت منصة التطوع الصحي وفي خلال ساعتين من فتحها وصل عدد المتطوعين إلى 100 ألف متطوع ومتطوعة.. وهو ما يجسد التلاحم والتكاتف بين القيادة والشعب في هذا البلد المعطاء.
كذلك مساهمات البنوك والشركات ورجال الأعمال لمواجهة الجائحة بصورة تعكس تكاتف الجميع.
وقبل ذلك حرص القائد الملك سلمان على تقدير وتحفيز مختلف العاملين في المواجهة.. حيث قال حفظه الله: «نشكر كل الجهات الحكومية على جهودها ونخص العاملين في المجال الصحي أولئك الذين يقدمون جهودًا جليلة للمحافظة على صحة المواطن والمقيم باذلين نفوسهم في مواجهة هذه المرحلة الدقيقة».
الدور السعودي.. عالميًا
وعلى المستوى العالمي.. كان للمملكة دور ريادي، فلقد دعت المملكة إلى عقد أول قمة افتراضية لقادة دول العشرين إدراكًا كبيرًا من القيادة السعودية لحجم الأزمة والحاجة إلى توحيد الجهود المشتركة لمواجهتها.. واستضافت المملكة القمة افتراضياً في 26 مارس 2020م.
يقول عضو الكونجرس الأمريكي (دين فيلبس): إن أقوى دعوة للتنسيق العالمي جاءت من المملكة العربية السعودية».
ولقد أشاد أمين عام الأمم المتحدة بما تبذله المملكة من جهود كبيرة في قيادة مجموعة دول العشرين وبالمبادرات التي قدمتها في إطار الجهود الدولية لمكافحة جائحة كورونا.
ولقد تعهدت المملكة بتقديم (500) مليون دولار للمنظمات الدولية لدعم مكافحة وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19).
خطاب الملك التاريخي
وجاء خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في القمة الافتراضية ضافيًا جامعًا عميق المعاني ثاقب الرؤية المستقبلية، حيث غطى الجوانب الإنسانية والصحية والاقتصادية وآليات التوحد العالمي لمواجهتها.. فلقد استهل كلمته بلمسة إنسانية، حيث قدم للدول ومواطنيها خالص العزاء والمواساة في الخسائر البشرية التي تسببت بها الجائحة.. وتمنى الشفاء العاجل للمصابين، مشيرًا إلى أن هذه الجائحة تخلف خسائر في الأرواح البشرية وتلحق المعاناة بالعديد من مواطني دول العالم.
واستنهض -حفظه الله- الوحدة العالمية لمواجهة هذه الجائحة العالمية حيث قال: «إن هذه الأزمة الإنسانية تتطلب استجابة عالمية ويعول العالم علينا للتكاتف والعمل معاً لمواجهتها».
وحول الجانب الصحي قال -حفظه الله: إن المملكة بادرت بالعمل مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات المتخصصة لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لاحتواء انتشار فيروس كورونا المستجد وضمان سلامة الأفراد. مؤكدًا دعم المملكة الكامل لمنظمة الصحة العالمية.
وقال يجب أن نأخذ على عاتقنا جميعًا مسئولية تعزيز التعاون في تمويل أعمال البحث والتطوير سعيًا للتوصل إلى لقاح لفيروس كورونا وضمان توفر الإمدادات والمعدات الطبية.
وأكد على ضرورة تقوية إطار الجاهزية العالمية لمكافحة الأمراض المعدية التي قد تتفشى مستقبلاً.
وقال: «وعلى الصعيد الاقتصادي وفي ظل تباطؤ معدلات النمو واضطراب الأسواق المحلية فإن لمجموعة العشرين دورًا محوريًا في التصدي للآثار الاقتصادية لهذه الجائحة، لذلك لا بد من تنسيق استجابة موحدة لمواجهتها وإعادة الثقة في الاقتصاد العالمي».
وأضاف - حفظه الله - قائلاً: وفي الوقت الذي ترحب فيه المملكة بالتدابير التي اتخذتها الدول لإنعاش اقتصادها.. ومع أهمية هذه الاستجابات الفردية من الدول إلا أنه من الواجب علينا أن نقوم بتعزيز التعاون والتنسيق في كل جوانب السياسات الاقتصادية المتخذة.
وقال: كما أن من مسؤوليتنا مد يد العون للدول النامية والأقل نموًا لبناء قدراتها وتحسين جاهزية البنية التحتية لديها لتجاوز الأزمة.
وختم رعاه الله قائلاً: «نحن على ثقة بتعاوننا المشترك بأننا سنتمكن معاً -بعون الله- من تجاوز الأزمة والمضي قدمًا نحو مستقبل ينعم فيه الجميع بالرخاء والصحة والازدهار».
أطباء سعوديون يتصدون
لكورونا في الغرب
والجميل أيضًا أن هناك 6 آلاف طبيب سعودي يتصدون لكورونا وهم مبتعثون في 27 دولة.. منهم 1050 في كندا و650 في ألمانيا و350 في الولايات المتحدة و250 في فرنسا.
هذا ما يجب علينا عمله
لعل من الواجب علينا أن نستفيد من دروس هذه الأزمة المؤلمة.. لنستعد لما قد يستجد -لا سمح الله- من أزمات مماثلة قادمة مستقبلاً.. خاصة وأن منظمة الصحة العالمية قد أشارت إلى احتمالية عودة ظهور الفيروس بأشكال مختلفة..
- نحن بحاجة إلى إستراتيجية وطنية متكاملة للأمن الصحي.. تتضمن أهدافًا وبرامجًا ومبادرات.. وتحدد الأدوار التكاملية بين مختلف الجهات الحكومية والأهلية والكوادر البشرية المطلوبة بتخصصاتها المختلفة في حال حدوث أزمة صحية مماثلة - لا سمح الله.
- وضرورة التركيز على إعداد وتأهيل أطباء وممرضين وفنيين صحيين متخصصين في الأمراض المعدية والفيروسية والوبائية وطب المجتمع.. وكذلك في العناية المركزة، والتخدير، والطوارئ.. وأيضًا العلاجات التنفسية والإنعاش القلبي والرئوي، ومكافحة العدوى، والصحة العامة.
- كذلك وضع آليات وبروتوكولات واضحة ودقيقة لحماية الممارسين الصحيين فهم خط المواجهة الأول والأهم.. ذلك أن تعرضهم للإصابات يؤدي إلى عرقلة عملية المواجهة.
- وتطوير صناعات الأدوية واللقاحات الوطنية.. مع ضرورة الاستفادة من الخبرات العالمية المتقدمة في هذه الصناعات.. من خلال عقد شراكات مع شركات عالمية متخصصة في هذه المجالات.
- الشيء نفسه بالنسبة لصناعات الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية. واعتبارها (قضية أمن وطني).
فلقد أشار تقرير لمنظمة التجارة العالمية أن (80) دولة أوقفت تصدير المستلزمات الطبية بما فيها الكمامات والقلفزات إبان الأزمة.
معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة قال: إن المشكلة الرئيسة التي تواجهنا هي عدم توافر معروض كافٍ في الأسواق العالمية من الأجهزة والمستلزمات الطبية.
وشاهدنا كيف عانت دول العالم من نقص أجهزة التنفس الصناعي والكمامات الطبية وغيرها.. وكيف عمدت بعض الدول إلى المزايدة في الطلبيات من هذه المستلزمات على حساب دول أخرى.. تصارع وتسابق ومزايدات بين الدول للحصول على هذه المستلزمات.
- وهناك حاجة إلى التعاون مع مراكز الأبحاث العالمية المتخصصة في مجالات الأمراض المعدية والبيولوجية.. مثل معهد الجيش الأمريكي للأسلحة البيولوجية والأمراض المعدية MRID ومعهد باستير الفرنسي.. وكذلك مركز مكافحة الأمراض المعدية الأمريكي الشهير CDC وغيرها.
- ضرورة الإعداد الجيد لاستخدام التقنيات والتطبيقات الحديثة خاصة ما تفرزه الثورة الصناعية الرابعة وعلى الأخص الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence ومن ذلك استخدام طائرات الدرون في المسح الحراري وفي المراقبة والمتابعة.. وهي تقنية استخدمت بشكل واسع في الصين وكوريا وسنغافورة وساهمت بفعالية في التصدي لوباء كورونا.
كما ساهم في نجاح الصين على وجه الخصوص في مواجهة كورونا استخدام الصينيين بشكل واسع لتطبيق يحذر الشخص إذا كان الذي أمامه مصاب بالفيروس.
- تعزيز مراقبة الأمراض.
- لدينا حالياً (المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها) على خطى مركز مكافحة الأمراض المعدية الأمريكي الشهير CDC وهو مركز مرتبط بوزير الصحة ويهدف إلى الإسهام في الحد من الأمراض المعدية وغير المعدية، والعمل على رصدها ومتابعتها ودرء انتشارها. ويعد إنشاء هذا المركز إنجازًا صحيًا إستراتيجيًا.. فوجود هذا المركز مهم جدًا وعلينا دعمه مادياً وبشرياً ليتمكن من تحقيق أهداف مواجهة الأمراض الوبائية المعدية.
- وضرورة الاهتمام بالأبحاث الطبية.. وإعطاء الأولوية للأبحاث المتعلقة بالأمراض المعدية والوبائية والإنفاق عليها بسخاء.. والتعاون مع المراكز البحثية العالمية المتقدمة.
- لدينا حاليًا (8000) سرير عناية مركزة في جميع مستشفيات المملكة في مختلف القطاعات.. وهذا أقل من المعدل العالمي.. ولذلك هناك حاجة ماسة إلى زيادة عدد أسرة العناية المركزة في المملكة. وخاصة في مستشفيات وزارة الصحة.
وكذلك الحال بالنسبة لغرف العزل.. علينا أن نعمل بتوفير عدد كافٍ من غرف العزل في المستشفيات.
- ضرورة عمل (خزن إستراتيجي) للأجهزة والمستلزمات الطبية الأساسية بحيث تكون متوفرة وفق أسس علمية عند الاحتياج لها.
- ضرورة العمل على إنشاء مختبرات طبية على مستوى عال في مناطق المملكة الرئيسة.
- حيث إن التطوع يعد رافدًا مهمًا للأعمال التي تقدمها القطاعات الرسمية وتعزيزًا لتكاملها لا سيما في حالات الطوارئ.. فإن وجود نظام متكامل للتطوع في الطوائ الصحية.. يشمل بيانات متكاملة وجاهزة للاستفادة منها عند الحاجة بشكل منظم وسريع.. يعد أمرًا مهمًا.
- ووضع آلية محددة للاستفادة من الممارسين الصحيين المتقاعدين ذوي الخبرة والكفاءة في سد النواقص عند الاحتياج لها في مثل هذه الأزمات.
- وكذلك أن تتضمن الإستراتيجية آليات محددة لاستدعاء تدخل القطاعات العسكرية للمساهمة بدورها في تنفيذ الخطط الصحية.
- وضرورة الإسراع في التحول الرقمي في القطاع الصحي.. والصحة الإليكترونية.. والعيادات الافتراضية.
- كما أن من المهم أن تتضمن الإستراتيجية إطاراً عاماً لخطة إعلامية وتوعوية في مختلف الوسائل الإعلامية ولاسيما وسائل الإعلام الجديد.. تحدد الخطاب الإعلامي اللازم لكل موقف ومدى ومتى نحتاج إلى تبني ما يعرف بـ«إعلام الصدمة».. وهو ما استخدمه معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة في كلمته التي حذر فيها من وضع صعب ربما تصل فيه عدد الإصابات لدينا في المملكة إلى 200 ألف إصابة. وغير ذلك من المنهجيات الإعلامية التي قد تتطلبها الأزمات.
** **
- عضو مجلس الشورى