لو كنت في مجلس من المجالس أو أيّ مكان وعطس أحدهم أمامك أو سعل لارتجفت خوفاً من العدوى، ولا سيما في هذه الأيام التي فزع العالم أجمع من فيروس كورونا، ولو قدر لك أن تزور مريضاً في هذا الوقت لقرأت المعوذات وتحصنت، ولبست الكمامات، واستخدمت المعقمات في الذهاب والإياب، ولا ملامة على أحد فهذا من الوقاية والحرص على تجنب المخاطر.
ولكن فئة من الناس تجازف بأرواحها عدة ساعات في اليوم، وقد تضطر في بعض الأحايين لزيادة ساعات العمل تطوعاً، وتفادي بأعز ما يملك الإنسان وهي صحته، هؤلاء هم العاملون في المجال الصحي الذين يواجهون العدوى والأمراض المزمنة والموبوءة طوال فترة عملهم مع سائر المرضى ويعالجونهم ويداوونهم ويصبرون على مخالطتهم، وفي هذه الأزمة العالمية «أزمة كورونا» وفيروسها كان للأطباء نصيب من هذه الإصابات ولا ينجي حذر من قدر فهم حريصون كل الحرص على الوقاية، واتخاذ الأسباب، ولكن مهمتهم الإنسانية تجعلهم يصبرون على هذا الابتلاء.
إن الأطباء والممرضين والفنيين وكافة طواقم العمل الطبي وحتى المستخدمين والعمال في مثل هذه الظروف هم كالجنود الذين يرابطون على الحدود، ويواجهون العدو ولكنه عدو لا ينفع معه المتاريس، ولا يمكن وقف نزيف ضحاياه بصورة سريعة، والعاملون في هذا القطاع يواجهون عدواً لدوداً لا يكاد يرى كإنفلونزا الطيور، والخنازير وغيرها من الأمراض، والأوبئة: كالجدري والكوليرا، والتهابات أمراض الكبد، وأمراض أخرى لست خبيراً بعدّها ولا حصرها.
وإذا كان الجنود البواسل على الحدود وهم عيون ساهرة على سلامة الوطن والمواطن والمقيم فهناك عيون ساهرة في المستشفيات تقوم على الرعاية الصحية، وعلاج المرضى، وتقديم المساعدات لهم، كما يقدمون النصائح والإرشادات الوقائية الاحترازية، وواجبنا معهم التعاون باتباع الإرشادات، واجتناب أماكن التجمعات في هذا الوقت والعمل بالنصائح التوعوية مع الدعاء لهم بأن يحفظهم الله، ويجنبهم كل أذى ومكروه، وأن يعينهم ويسددهم.
وليس غريباً على أبناء الوطن وبناته في كل قطاع ومنها القطاع الصحي أن نرى تضحياتهم وإنسانيتهم ووطنيتهم ووازعهم الديني ظاهراً للعيان في هذه الأزمة الصحية وغيرها فقد ألغى الكثير منهم إجازته وتطوع البعض بساعات عمل إضافية مجاناً، وحتى طلاب وطالبات كليات الطب تقدموا لكلياتهم مبدين استعدادهم للتطوع والخدمة تحت أي ظرف وفي أي وقت.
لقد رأينا ولله الحمد استنفاراً كبيراً من كافة القطاعات الحكومية في بلادنا وهي جهود عالية متميزة ومقدرة، وهناك تعاون من جميع القطاعات الحكومية والأهلية، ولكن الفريق الصحي كانوا ولازالوا أقوياء وأمناء وأشداء أبدعوا في أعمالهم وتفانوا في إخلاصهم واستفادوا من الإمكانات التي وفرت لهم في كافة القطاعات وفي مقدمتها وزارة الصحة، وواصلوا الليل بالنهار ويستحقون الذكر الحميد والثناء الحسن المستحق، وفي الوقت الذي نشيد فيه في الأبطال الأشاوس رجال الأمن على حدودنا لأنهم يقاتلون العدو ويذودون عن الوطن وأهله فإن رجال الصحة يخوضون معركة من المعارك بنفس مؤمنة شجاعة وبأسلحة مختلفة داخل البلاد.
** **
alomari1420@yahoo.com