ما توفر من آلات متطورة «ذكية» في عصرنا لم يكن في أي وقت مضى قابل للتوقعات. وهي مستمرة في تطورها بتسارع أشبه بالمعجزة. ولكن لاتزال تلك الآلات معتمدة اعتماداً كلياً على ما يمليه عليها الإنسان، لأنها غير قادرة على امتلاك «الوعي»! وإذا كان الرأسمال العالمي يروّج فكرة أن الآلة «الذكية» تستطيع استبدال الإنسان من جميع المهن، فهي محاولة بائسة منه لتخويف الناس كي لا يطالبوا بحقوقهم.
الحقيقة التي يتهرّب منها أصحاب الشركات ورؤوس الأموال؛ هي أن تطور الآلة يرافقه بالضرورة؛ ارتفاع مستوى الثروة المتراكمة. وهذا الارتفاع يوازيه بالضرورة أيضاً ارتفاع في متطلبات الفرد والمجتمع ككل. وبالتالي- ومن أجل الحفاظ على استمرارية التطور التكنلوجي- لابد من إعادة توزيع الثروة الناتجة عن هذا التطور بطريقة أكثر عدالة.
في العصور الغابرة كان الناس يوردون الماء من النهر أو المنابع، ولم تكن الكهرباء قد اكتشفت بعد، وكانت الحياة سائرة حسب متطلبات تلك العصور. أما اليوم لا أحد يستطيع العيش في منزل دون أنابيب مياه أو أسلاك الكهرباء، فهي أصبحت من مقومات الحياة. وإلى وقت غير بعيد كانت الدواب هي وسيلة النقل الأولى؛ وكان من يمتلك «سيارة» يعتبر ذو ثراء فاحش. أما اليوم لا غنى لأي فرد عن المواصلات العامة أو الخاصة.
خلاصة القول هو أن تطور الآلة يتطلب تطوراً؛ لا مناص منه؛ في العلاقات الاجتماعية وتوزيع الثروة، وهذا هو بيت القصيد بالنسبة للنظام الرأسمالي الحالي. فالقاعدة الأساسية للنظام الرأسمالي هي: تسخير الإنسان من أجل «اكتناز الذهب والفضة»، أي مراكمة الثروة؛ وليس استخدام الثروة من أجل ازدهار وتطور المجتمع الإنساني.
لا يمكن إنكار أن العلاقات الاجتماعية ضمن النظام الرأسمالي هي متطورة وليست ثابتة. وهي تتماشى مع التطور التكنلوجي ومتطلبات المجتمع البشري. وهي أيضاً قابلة للتطور إلى أفق غير منظور. ولكن المعضلة الأساسية تكمن في أن من يدير عملية التطور هذه هم أصحاب الشركات، الذين يحاولون لجم التطور الرأسمالي ذاته كي يراكمون الثروة. فلو أطلقوا العنان لتطور العلاقات الاجتماعية؛ بالتناسب مع الناتج الاقتصادي الكلي؛ سيفقدون جزءا يسيرا من مكتسباتهم؛ وهم لا يقبلون ذلك. وهم يلجؤون للحروب الاقتصادية والعسكرية والفتن والدسائس والتشويه الفكري؛ للجم التطور. بينما حلّت الصين هذه المعضلة بكل بساطة، حيث اعتمدت التطور الرأسمالي ذاته؛ ولكن بإدارة ليست من أصحاب الشركات.
** **
- عادل العلي