جاءت الأندية الثقافية لتلبي طموح المثقف السعودي في تحريك المشهد الثقافي، ونشر نتاجه الذي يخدم المجتمع ويدفعه نحو التنوير، وفكرة الأندية الثقافية فكرة رائدة وفاعلة رغم قصور بعض الأندية وعدم قيامها بالدور المنوط بها كما ينبغي، ومع ذلك فإن المطلع على ما قدمته هذه الأندية يجد أنها قد خلقت حراكا ثقافيا، وأسهمت في نشر الوعي المعرفي، ليس في المملكة فحسب بل في الوطن العربي برمته.
وفي هذا المقام يمكننا تصنيف نادي جدة الأدبي بأنه النادي الرائد والمتجدد في هذا المجال، فهو الذي يقود المشهد الثقافي في المملكة، وقد تبنى منذ بداياته مشروع الحداثة في النظرية النقدية، وناقش الظواهر الثقافية الجديدة، وحمل على عاتقه طيلة الفترة الماضية فتح المجال لنشر البحوث والدراسات الرصينة التي تقدم الجديد والأكثر جدة على صعيد المشهد النقدي والأدبي والثقافي عمومًا، وهي بحوث أسهمت بشكل كبير في الإجابة عن تساؤلات معرفية جمة، بل يمكن أن نجزم أنه أحد أهم الكيانات الثقافية العربية التي أسهمت في نشر الوعي الفكري عبر فعالياته وملتقياته ومنشوراته الرائدة وعلى رأسها مجلتا علامات وجذور، ومجلة نوافذ التي فتحت آفاق القارئ على النتاج الفكري والحضاري العالمي ونقلته إليه، فضلا عن ما قدمه هذا النادي من نشاط كبير عبر ملتقاه السنوي الذي أطلق عليه ملتقى قراءة النص.
لقد دأب النادي على تبني فعاليات كبيرة بمستوى فعالية ملتقى قراءة النص، وهو الملتقى الذي كان يجدر بالجامعات السعودية تبنيه لكنها لم تفعل ففعل النادي، والمتتبع للبحوث المقدمة في فعاليات هذا الملتقى يجد مدى الكم العلمي الهائل الذي تقدمه في خدمة الأدب السعودي وأدب الجزيرة العربية والأدب العربي عموما.
إن المتابع لما تم تقديمه في ملتقى قراءة النص السادس عشر في نادي جدة الأدبي في الأيام القليلة الماضية من أوراق عمل سيجد أن الأوراق التي قدمت كانت على قدر كبير من الرصانة العلمية، وقد ناقشت تحول الحركة الثقافية في الألفية الثالثة، وعرضت في ست جلسات، وناقشت كل جلسة موضوعا مستقلا كالهوية الوطنية، والقضايا النقدية الحديثة، وأنواع السرد كالرواية والقصة والسير الذاتية، وكذلك القضايا الشعرية، ولم يقتصر أدبي جدة على أوراق النقاد الكبار فقد دعم الباحثين الشباب وأفسح لهم المجال ليجالسوا كبار النقاد في المملكة.
إن هذه الملتقيات من شأنها أن تقرأ التطورات الحياتية المعاشة في المجتمع وتسلط الضوء على أبرز الظواهر والإشكاليات وتقترح الحلول لها، وهي ملتقيات باتت ملحة ومهمة ويجب أن لا يقتصر دور تنظيمها وتفعيلها على الأندية فحسب بل يجب أن تسهم في ذلك الجامعات ليكتمل المشهد وتتفاعل المؤسسات الثقافية كلها.
وختاما لابد أن نشير إلى أن ما قدم في هذا الملتقى محسوب لرجل الأعمال الدكتور عبدالله دحلان الذي تعهد بدعم الملتقى، وهذا الأمر لا يصدر إلا من مثقف عضوي يسعى إلى تحويل فكره إلى نتاج له أثره الإيجابي على مجتمعه، مثقف يتمثل الرؤية الوطنية الداعمة للثقافة، وذلك لما للكلمة من تأثير قوي على الشعوب.
** **
- د.عائشة صالح الفيحان