رغم تركيزه على الحضارات التاريخية التي شهدتها الجزيرة العربية منذ الحصر الحجري وحتى عصر الحضارة الإسلامية، إلا أن معرض «طرق التجارة في شبه الجزيرة العربية.. روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» المقام حالياً في المتحف الوطني الروماني بالعاصمة الإيطالية روما في محطته السابعة عشرة، اهتم بإبراز تراث الدولة السعودية بمراحلها الثلاث منذ بداية الدولة السعودية الأولى قبل نحو ثلاثة قرون إلى تأسيس المملكة الحديثة.
حيث إن المعرض الذي انطلق منذ العام 2010م من متحف اللوفر بباريس وطاف عدداً من أشهر المتاحف العالمية، استقبل خلالها أكثر من 5 ملايين زائر، قدم نماذج تبرز ثراء وتنوع التراث السعودية وتميزه الثقافي والاقتصادي بما يعكس أصالته وكونه امتداداً لحضارات أصيلة شهدتها مناطق المملكة المتخلفة.
وتقدم هذه القطع دليلاً ملموساً على أن المملكة لم تكن غائبة في التطور الثقافي والاجتماعي، وكانت بحكم موقعها الإستراتيجي متصلة بالحضارات والدول الأخرى ومؤثّرة فيها.
وشملت القطع المتعلّقة بالتراث لسعودية مناحي مختلفة من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصيد وغيرها.
وتم خلال قسم التراث السعودي عرض (42) قطعة تراثية؛ بعضها من مقتنيات الملك المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- إضافة إلى عدد من قطع التراث الشعبي التي تمثّل الفترة الممتدة من الدولة السعودية الأولى إلى مرحلة توحيد المملكة.
ومن مقتنيات مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود -طيّب الله ثراه - قدم المعرض عدداص من القطع التي شاركت بها دارة الملك عبدالعزيز وتعود لأوائل القرن العشرين الميلادي ومنها: علَم للمملكة العربية السعودية، ومشلح، ومصحف مُهدى للملك عبدالعزيز، وصندق للمصحف المهدى، بالإضافة إلى أدوات الصيد بالصقور الخاصة بالملك وتشمل قفاز يد، وغطاء رأس الصقر، ووكر لصقر الصيد.
كما قدّم المعرض عدداً من القطع التراثية السعودية تعود للقرن التاسع عشر ومنها: مبخرة، وبنادق، وعملات سعودية قديمة، ودرفة نافذة تراثية من المجمعة، وخناجر تقليدية للاحتفالات، وحلي وقلائد مع العلب الخاصة بها، ووعاء كحل مزخرف، خلخال من الفضة، حامل البارود، مبردة حبوب البن، مدقة من الحجر الأملس، حامل قلم، محبرة، قلم خشبي، قالب للصب، مَصهَر رصاص، حزام تقليدي، كرة مدفع، نجر من الحجر المزخرف، دلة قهوة عربية وغيرها.
ويهدف معرض «طرق التجارة في شبه الجزيرة العربية.. روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، إلى تعريف شعوب العالم بحضارتها التي تمتد لآلاف السنين، وتؤكد المشاركة الفعَّالة لإنسان الجزيرة العربية في بناء الحضارات البشرية على مر العصور، حيث ترى القيادة السعودية أن إبراز البُعد الحضاري للمملكة لا يقل أهميةً عن إبراز أبعادها الثلاثة التي يعرفها العالم، وهي: (البعد الاقتصادي، والبعد الديني، والبعد السياسي)، للتأكيد على أن المملكة ليست طارئة على التاريخ، بل كانت مهداً وملتقىً لحضارات إنسانية تُوِّجت بحضارة الإسلام العظيمة.
ويضم المعرض أكثر من 460 قطعة أثرية نادرة يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من مليون سنة قبل الميلاد، وإلى مختلف الحضارات التي شهدتها الجزيرة العربية على مر العصور، وهي قطع أصلية تم جمعها من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، ومعظمها تم العثور عليه من خلال بعثات تنقيب وطنية ودولية يقودها علماء آثار سعوديون، ويرجع تاريخ هذه المعروضات إلى حقب زمنية مختلفة تبدأ من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد)، مروراً بفترة العُبَيْد (الألف الخامس قبل الميلاد)، ثم فترة دلمون، ثم فترة الممالك العربية المبكرة، ثم الممالك العربية الوسيطة والمتأخرة، ثم فترة العهد النبوي، ثم فترة الدولة الأموية والعباسية والعصر الإسلامي الوسيط والمتأخر، حتى عصر النهضة السعودي الذي بدأ قبل ثلاثة قرون مضت، وصولاً إلى فترة توحيد المملكة العربية السعودية، وما تلاها من تطور وازدهار يتضح في كافة مجالات الحياة، وقد تم تصنيف محتويات المعرض إلى ثلاثة أقسام وفقاً لتسلسلها التاريخي.
وصُمم المعرض ليكون سفيراً متجولاً يمثّل المملكة العربية السعودية، ويحمل حضارتها إلى شعوب العالم.
ففيه تقدم المملكة قطعاً من آثارها النادرة التي تُعرض للمرة الأولى بهذا الحجم وبهذه الضخامة والتنوّع، حيث يركز المعرض على إبراز الأثر الحضاري للطرق التجارية القديمة التي اجتازت شبه الجزيرة العربية في سياق التبادل الاقتصادي والحضاري بين الثقافات الإنسانية المختلفة، والتي شكلت الجزيرة العربية حاضنةً لها عبر العصور حتى ظهور الدين الإسلامي العظيم وانطلاقه من أرض المملكة لينير العالم.
كما تُبرز المعروضات أن الدين الإسلامي لم ينطلق من أرضٍ خاوية من الحضارات، بل إنه جاء ليبني الحضارة الإسلامية تأسيساً على الحضارات السابقة والقائمة وقت ظهوره، وكيف احترمها واستوعبها وعمل على تطويرها من ذلك التاريخ القديم وصولاً إلى قيام الدولة السعودية منذ ما يقارب ثلاثمئة عام.
ويوضح المعرض - أيضاً - أن تلك الطرق القديمة كان لها دور كبير في تعزيز التبادل التجاري والثقافي بين الحضارات القديمة ومواقع الواحات والمدن التي تلتقي فيها القوافل التجارية مثل: تيماء، والعلا، والفاو، وهي بعض المواقع التي تجري فيها حالياً أعمال التنقيب عن الآثار في المملكة، يشارك فيها إلى جانب علماء البعثات الدولية نخبة من العلماء السعوديين. وتُبرز القطع التي يحتويها المعرض أن التحول الأكبر في تاريخ شبه الجزيرة العربية بدأ مع ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي وانتشاره في مناطق جغرافية واسعة النطاق، وقد شهدت المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة عبر مئات السنين قوافل الحجيج السنوية التي سلكت طرق الحج التاريخية الممتدة من مصر والشام والعراق واليمن عبر شبه الجزيرة العربية، ومن أشهرها درب زبيدة وآثاره التاريخية الماثلة، وهو ما يوضح انفتاح شبه الجزيرة العربية على العالم منذ القدم، ويؤكد أن نهضة المملكة العربية السعودية وانفتاحها وتواصلها مع الحضارات والثقافات العالمية في العصر الحديث هو امتداد طبيعي للإرث التاريخي الذي تمثّله محتويات المعرض.