د. سامي بن عبدالله الدبيخي
تستهدف رؤية المملكة 2030 الطموحة الرفع من مستوى الخدمات المقدمة للمواطن والبنى التحتية وتوليد الوظائف وجذب الاستثمارات، لذا وضع لها برنامج تنفيذي متكامل: برنامج التخصيص، يعاضد البرامج الأخرى المتعددة والشاملة لتحقيق الرؤية. تاريخياً اتسمت جهود المملكة بالتخصيص بالحذر المتحفظ والمبني بالشكل الصحيح والناضج، وبما يضمن عدم العبث بالمكتسبات الوطنية واستغلال الآخر للتجربة، وقد بدأت عام 1422هـ بإعداد لجنة التخصيص في المجلس الاقتصادي الأعلى لـ «استراتيجية التخصيص» وموافقة مجلس الوزراء عليها عام 1423هـ، وكانت متوازنة بالطرح وضمان حقوق الدولة والممول والقطاع الخاص المشارك والمستهلك. وقد تم تنفيذ بعض مبادرات التخصيص، بينما اضطرت الدولة في العديد من المبادرات للتدخل وتنفيذها لإنقاذ الموقف واستمرار عجلة التنمية، وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك مشاريع شراكة مع القطاع الخاص قبل ذلك على شكل عقود امتيازات مثل أرامكو (أول عقد امتياز) والتي امتلكتها الحكومة لاحقاً وبخطوات استراتيجية وتكتيكية وثقة مع الشركاء الاستراتيجيين الدوليين بشراء جميع الحصص وهو ما حافظ على سمعة المملكة في السوق التجارية، على عكس رعونة إيران وليبيا بتأميم شركات النفط وما تلاها من تبعات وانعكاسات سلبية.
ومع رؤية المملكة 2030 الطموحة وذات التطلعات القوية للإصلاح الاقتصادي وحرصاً على التوسع بالتخصيص لتقديم خدمات نوعية للمواطنين وجذب وتمكين القطاع الخاص ورؤوس الأموال الداخلية والخارجية وتذليل جميع العقبات أمامه، تم تأسيس «المركز الوطني للتخصيص»، الذي عكف على تطوير وتحسين تلك الاستراتيجية ووضع السياسات والاستراتيجيات والحوكمة وأدلة مشاريع التخصيص الإرشادية والإجراءات والبرامج والخطط التنفيذية لبرنامج التخصيص، وقواعد العمل للقطاعات المستهدفة ومهماتها، ويرأس لجانها الإشرافية وزراء تلك القطاعات. ويعمل المركز أيضاً وبالشراكة مع الأطراف الأخرى على تطوير الأطر التنظيمية والقانونية بما يكفل حقوق جميع الأطراف، وكذلك يضمن النزاهة والشفافية في عمليات الهيكلة والتأهيل وتجهيز وثائق طلب تقديم العروض للمتنافسين والطرح والترسية والإدارة. وتكاملاً مع هذه الجهود، تستمر الدولة بتأسيس هيئات تنظيمية مستقلة معنية بتنظيم وتشريع القطاعات والخدمات والأنشطة المستهدفة، لغرض الوضوح والشفافية عند التعاقد مع القطاع الخاص، وعدم ارتفاع تسعير تكاليف المخاطر على الحكومة أو مطالبة الدولة بضمانات أو الاختلاف والانسحاب خلال مدة تنفيذ العقود.
وقد طُرحت ونُفذت دولياً العديد من المشاريع على نمط الشراكة بين القطاعين العام والخاص كخيار لتصميم الطرح والتعاقد وعلى مدد زمنية متفاوتة، تقصاها على سبيل المثال فلاي بيرغ وآخرون في كتابهم الشهير «المشاريع الضخمة والمخاطر» Megaprojects and Risk، كما تقصت المنظمات والهيئات الدولية والحكومية تجربة التخصيص بالشراكة وشاركت التجربة ومنحنى التعلم مع دول اخرى. ولم تقتصر مشاركة القطاع الخاص على الحدود الجغرافية للدول المسجلة بها، بل تجاوز إلى الاستثمار والشراكة في دول أخرى، معظمها نامية تهدف إلى الإصلاح الاقتصادي وتقديم الخدمات العامة والبنى التحتية والحصول على القروض. وفي العديد من الحالات، ساهمت الشراكة بين القطاعين في التحسين والابتكار والجدولة لإنجاز وتسريع المشاريع ومستوى الخدمات المقدمة، وخفض التكلفة وتحقيق كفاءة الإنفاق. إضافة إلى قدرة القطاع الخاص وبطرق ابتكارية على تصميم وتدبير النفقات الرأسمالية والتشغيلية والاستثمارية للمشروع ومن عدة أطراف، وتحمله لمخاطر التنفيذ ومنها الجدولة الزمنية والإنجاز وتخفيض التكلفة والمبالغ المالية المستثمرة؛ نظراً لكفاءته.
تجربة السعودية ضمن رؤية المملكة 2030 وجهودها في التخصيص رائدة على مستوى الرؤية وسياسات التخصيص والتجهيز والتأهيل والطرح والترسية لخدمات وأنشطة بقطاعات متعددة، وقد صدرت موافقات عديدة لمجلس الوزراء بشأنها وتم توقيع اتفاقيات مجموعة منها والبقية تسير بخطى سريعة، وما تحقق يبشر بكل خير وعلى الطريق الصحيح - بإذن الله - برعاية قيادتنا الرشيدة أمدها المولى بعونه ورعايته. وفي الوقت الذي تعمل الكفاءات الوطنية المخلصة في المركز الوطني للتخصيص واللجان الإشرافية وفرق العمل بالوزارات على تنفيذ وإنجاح برنامج التخصيص لمصلحة الوطن والموطن، يعمل القطاع الخاص المحلي والدولي على «وضع يده» في يد برنامج التخصيص وإنجاحه وتغليب الشراكة الاستراتيجية والثقة.
** **
* عضو هيئة التدريس بكلية العمارة والتخطيط – جامعة الملك سعود
sami@ksu.edu.sa