«الجزيرة» - عوض مانع القحطاني:
تواصلت فعاليات المؤتمر السنوي السابع عشر لمؤسسة الفكر العربي «فكر 17»، المنعقد تحت عنوان «نحو فكر عربي جديد» في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) في الفترة الممتدة من 2 إلى 5 ديسمبر 2019.
وقد حضر مكتب التربية العربي لدول الخليج فعاليات المؤتمر، وشارك معالي الدكتور علي القرني المدير العام للمكتب متحدثًا في الجلسة المتخصصة الأولى من المؤتمر التي عقدت في الثالث من ديسمبر تحت عنوان «نحو سياسات تربويّة جديدة لبناء فكر عربي جديد». واستعرض معاليه ورقة العمل التي أعدها وتضمنت عناصر مختلفة حول ما يعانيه التعليم في عالمنا العربي من مشكلات وما يواجهه من صعوبات حيث كانت البيئة المحيطة بالتعليم وتأثيراتها هي محور حديثه، وأشار في هذا الصدد إلى أن القيادات السياسية في العالم العربي تضع التعليم في أعلى قائمة الأولويات في كل قُطر حسب إمكاناته، متسائلاً: هل اهتمام القيادات السياسية في الدول الأكثر تطورًا في التعليم هو العامل الذي أدى إلى تطور التعليم فيها ؟ وهنا أشار إلى أن التعليم تتجاذبه قوى متعددة لها اتجاهات مختلفة بل ومتضادة أحيانًا.
وأكَّد معالي المدير العام للمكتب على أن المال هو أسٌّ مهمٌّ جدًّا للتعليم وأشار هنا إلى عدة أمور تتعلق بالإنفاق على التعليم وكان من بينها:
- أن معدل الإنفاق على التعليم في العالم العربي جيد بل وكبير في بعض الدول.
- ولكن.. هل الإنفاق يكفي ؟ إن الإنفاق ضروري ولكنه ليس كافيًا لتطوير التعليم.
- إن أعلى الدول إنفاقًا سويسرا ولوكسمبرغ، ومع ذلك فإن مستوى التعليم في كلٍّ منهما ليس الأفضل في العالم.
- إن دولًا مثل استونيا أو تايبيه الصينية إنفاقها أقل من 50 % من إنفاق سويسرا لكن تعليمها أفضل. واستخلص معاليه من ذلك أن المال لا يكفي وحده لتطوير التعليم على الرغم من أهميته وضرورته
ثم انتقل الحديث إلى المؤثرات التي يتعرض لها التعليم فهو لا يتطور في فراغ، حيث تتجاذبه قوى مختلفة، وإحدى هذه القوى هي البيئة التربوية المحيطة ويدخل في إطارها الفكر التربوي وتوفر المصادر الحديثة للمعلمين، وهنا أثار معاليه قضية تربوية حول الناتج الفكري التربوي ومدى ثرائه، مشيرًا إلى أن الحاجة ماسة جدًّا للتعريب ونقل التجارب والمهارات والأنشطة المتميزة. كما أشار إلى أهمية توفر المحتوى للتدريب والتطوير المهني، مؤكّدًا أن هناك فرقًا شاسعًا بين المصادر المتاحة للمعلم العربي، والمعلم في الدول المتطورة تعليمًا. ثم انتقل المدير العام في حديثه إلى دور الكيانات المالية والاستثمارية في التعليم، وإلى العنصر المهم في تجاوز التحديات ويتمثل في اهتمام الأسرة بمجريات تعليم أبنائها، فالأسرة إحدى القوى المؤثرة في التعليم، فحينما يكون اهتمام الأسرة بالتعليم حاضرًا فإن النتيجة تتطلع للتحصيل المتميز، والرضا في الحياة، وعدم الشعور بالوحدة في المدرسة، والشعور بالحاجة للتعليم، فانعدام الشعور بالحاجة للتعليم يضعف الحافز ويرفع مشكلات التنمر، ويجعل اليوم الدراسي والوقت عرضةً للضياع في فرض الانضباط.
كما توقفت الورقة عند عنصر مهم مؤثر في العملية التعليمية وهو «الطالب» ومن الواجب على القائمين بتعليمه إدراك السمات الجديدة فيه، فالطالب اليوم لا يحتمل التوجيه في اتجاه واحد، فهو يحب المشاركة ويعشق العمل الجماعي، ويستمتع بالاستكشاف، فإن كان غير مهتم برفع حصيلته من المعارف، غير أنه يتسم بشغفه لامتلاك المهارة، وهنا يطرح المدير العام تساؤلاً «هل تواءمت المدرسة مع الطالب الجديد؟ «
وفي الجزء الأخير من العرض تعرضت الورقة إلى بعض الجوانب المهمة في التعليم العالي دارت حول أن ارتباط الجامعات بالمجتمع وحاجاته في العالم العربي ضعيف أو غير موجود، وأن البحث العلمي والنشر في الدوريات المؤثرة ضعيف، وفي كثير من الجامعات غير موجود، وأن براءات الاختراع في عالمنا العربي يتدنى كثيرًا موقعها على المستوى العالمي، وأشارت الورقة إلى أن جامعات الجيل الثالث هي كيانات مؤسسة لاقتصاد المعرفة، غير أن المشكلة أن تعليمنا تأخر كثيرًا عن الركب.. فكيف نتواكب مع الثورة الصناعية الرابعة، ونحن ما زلنا لم نستوعب متطلبات الثورة الثالثة؟
وفي نهاية العرض الذي قدمه الدكتور القرني أكّد معاليه أن القفزة التي نحتاجها في عالمنا العربي كبيرة جدًا ومضنية، وأن العالم العربي يحتاج إلى إدراك لهذه المشكلة لكي يبدأ في ردم فجوة عميقة بيننا وبين العالم. وعليه أن يدرك أن مما يصعِّب على التعليم العربي خروجه من النفق أن التعليم التقليدي مقاوم للتغير حتى في الدول المتقدمة مثل أمريكا وسنغافورة، واليابان، وألمانيا، وقارن معاليه بين التعليم التقليدي الذي يقوم على: التذكر والتدريبات الروتينية والتكرار والتركيز على المعلومات، وبين التعليم الحديث الذي يجب أن نسعى إليه فهو يقوم على: التعليم العميق، المنطق، والحافز الذاتي، والتفكير الناقد، والإبداع.