تتجدد اليوم أفراح أبناء المملكة وابتهاجهم وهم يجددون البيعة والولاء والوفاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أيده الله، ولسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز حفظهما الله ورعاهما، ويقين كل مواطن أنه حينما يعيش بهجة الاحتفاء بالبيعة المباركة فإنما يحتفي بمجمل الإنجازات التنموية الحضارية المتحققة بفضل الله ثم بجهود القيادة الحكيمة، والتوجيهات السديدة التي أثمرت المزيد من النجاحات والتقدم والازدهار الشامل بكل الاتجاهات، الهادفة لراحة ورفاهية المواطن وطمأنينته، ومواصلة الصعود بالمملكة لمصاف ومقدمة الدول المتقدمة المتحضرة المزدهرة.
سلمان الحكمة
رافق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ ملوك المملكة العربية السعودية منذ أن أسسها المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وأخذ الملك سلمان -حفظه الله- من والده وإخوته الملوك شؤون الحكم وإتقان العمل الإداري، كما أنه -أيده الله- على دراية ضافية بأدق التفاصيل فيما يتعلق بشؤون الدولة.
وشعب المملكة ينعم بفضل الله بقيادة حكيمة سارت على نهج مؤسس هذه البلاد المباركة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، فكان ملوكنا دوماً أوفياء لوطنهم وشعبهم وكرسوا جهودهم لخدمة الدين والوطن وعملوا على إسعاد المواطنين وتوفير سبل الراحة والعيش الرغيد لهم، وكما هو نهج ملوك المملكة الكرام؛ اتجهت عين الملك سلمان إلى أهم منطقتين بالمملكة مكة المكرمة والمدينة المنورة كقبلة للمسلمين، وافتتح عدد من المشروعات شملت مشروع المبنى الرئيس للتوسعة السعودية الثالثة للمسجد الحرام ومشروع خادم الحرمين الشريفين لاستكمال الطريق الدائري الأول، وفي المدينة المنورة افتتح مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الجديد، وفي الرياض عاصمة القرار السياسي عين الأمير فيصل بن بندر أميراً للرياض وهو الخبير بشؤون إمارات المناطق طيلة عقود، حرصاً من خادم الحرمين الشريفين على تفعيل الأداء التنموي والتخطيطي في هذه المناطق، على أن مشروعات التنمية تشمل كافة مناطق المملكة، كما كان موضوع توفير السكن المناسب للمواطن من أولويات قائد الحزم والعزم حفظه الله، فقد صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على نظام رسوم الأراضي البيضاء الأمر الذي يسهم بتقليل تكلفة الحصول على المسكن الملائم وبخاصة لذوي الدخول المحدودة أو المنخفضة، ويمكن القول بإيجاز أن مملكة العزم والحزم بقيادة القائد الحكيم الملك سلمان وسمو ولي عهده سائرة بطريق الريادة والنهضة التنموية الشاملة.
البيعة على ضوء القرآن والسنة
انتهجت القيادة السعودية منذ عهد التأسيس ما جاء بالشرع الحكيم والسنة المطهرة فيما يتعلق بالبيعة لولي الأمر، وأسست هيئة البيعة ليلة 27 من رمضان 1427هـ، بأمر ملكي، لتصبح الهيئة داخل إطار الأنظمة الأساسية للحكم بالمملكة، وهي من سمات الدولة السعودية الحديثة، فكان لهذا النظام صداه الطيب داخل المملكة وخارجها، إذ استشعر المواطن أهمية هذا الاتجاه والقرار الصائب وسعد به، وكذلك فإن العالم العربي والإسلامي قد رحب به لأن أمن واستقرار المملكة العربية السعودية ورفاهية شعبها ينعكس على عالمها العربي وأمتها الإسلامية بالخير والدعم والرخاء، وقد أتى نظام هيئة البيعة ضمن سلسلة الإصلاح والتحديث والعمل السياسي المنظم بالمملكة لدولة تنطلق من شرع الله ونهج الكتاب والسنة، والإفادة من النظم المعاصرة، كما يعد تطويراً وتفسيراً لنظام الحكم وفق المتطلبات والمستجدات بما يزيد مؤسسة الحكم في البلاد رسوخاً وقوة وحيوية، وتجسيدا عصريا لأسلوب البيعة الإسلامية المتجذرة منذ عهد الخلافة الراشدة، وطبقت هيئة البيعة سياسة الملك الموحد جلالة المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، حيث إن مؤسسات الدولة الحديثة يتم إنشاؤها طبقاً لمتطلبات كل مرحلة من المراحل، وهذا يشير بالضرورة إلى أن الدولة ماضية بكل عزم وإصرار نحو استكمال مسيرة التنمية والعطاء، والبيعة ميثاق وعهد ووضع اليد باليد بقصد البيعة ميثاق غليظ وعهد مسؤول (إن العهد كان مسؤولا)، وهي واجبة على الرعية كلها، من باشرها بوضع اليد فقد أعلن وباشر، ومن لم يمكنه ذلك فبايع باللسان أينما كان، ومن لم يمكنه ذلك فيعقد النية في قلبه على ما بايع عليه جماعة المسلمين، ليدخل تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم» أخرجه الترمذي، ولأهمية أمر البيعة أشار القرآن الكريم إليها في أكثر من موضع، فقال تعالى في الآية 10 من سورة الفتح: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ? فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، وفي الآية 18 من السورة ذاتها قال تعالى: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونََ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)، كما أشار القرآن الكريم إلى بيعة النساء، دلالة على أهمية دورهن الفاعل في بناء الحضارة الإسلامية، فقال تعالى بالآية 12 من سورة الممتحنة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ? فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ويقدم العهد السعودي عبر تاريخنا العربي المعاصر نموذجا مثالياً للتعاليم الإسلامية الكريمة، يوضح بجلاء سمات البيعة القائمة على أسس قوية وقواعد مرعية وأعراف خالدة تستمد العون والرشاد من التعاليم الربانية والسنة النبوية، وتتسم مراسم إتمام البيعة بالمملكة بإلقاء الملك المبايع خطاباً للشعب، يوضح فيه المرتكزات الأساس لفترة حكمه، والتوجهات والسياسات التي يسير عليها، ويكون موعد الخطاب عادة في اليوم الأول أو الثاني من البيعة، وقد شهدت خطابات البيعة لملوك المملكة التأكيد على التمسك بكتاب الله وسنّة نبيه كمنهج حياة في كل صغيرة وكبيرة، وقد اتسم خطاب البيعة للملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، بالسير على النهج الذي سنّه مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، واتبعه من بعده أبناؤه، معاهداً الله ثم الشعب باتخاذ القرآن الكريم دستوراً، والإسلام منهجاً، وأن يكون شغله الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين بلا تفرقة، كما ناشد الملك سلمان في خطابه إخوانه وأبناءه المواطنين بأن يشدوا من أزره وأن يعينوه على حمل الأمانة، وتحسن الإشارة هنا إلى أن مراسم البيعة والانتقال السلس للسلطة بالمملكة العربية السعودية تعد شاهدا من شواهد تميز الحكم في هذه البلاد، إذ جاءت مراحل انتقال الحكم وولاية العهد في الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة سلسة وانسيابية وواضحة ومجمع عليها من أفراد الأسرة الحاكمة والشعب بجميع أطيافه.
قائد العزم ومهندس المستقبل
بعد أقل من أسبوع على توليه الحكم أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - قرارات ملكية هامة تعد نقطة تحول تاريخية وبشرت بفجر جديد، وخطوات نوعية حكيمة من القيادة الرشيدة قوبلت بالاستبشار والقبول من الشعب السعودي الوفي، إذ جاءت ملبية لاحتياجاته ومنسجمة مع طبيعة التطور الذي تعيشه المملكة، وعكست رؤية ثاقبة وركزت على ضخ دماء جديدة وشابة في الوزارات والمناصب القيادية تتمتع بفكر جديد يلائم المرحلة الحالية، وهو ما يبرهن بجلاء على عمق فكري وبصيرة ثاقبة لدى متخذ القرار، ودلل على نظرة بعيدة المدى للملك سلمان ما أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه رجل المرحلة ويعمل بصمت دون مزيد من الأضواء والضجيج ليدع النتائج تعبر عن ذاتها، وجاء تشكيل الحكومة من الكفاءات الشابة المستنيرة من أصحاب الخبرة العملية التنفيذية، ليترجم السعي نحو القضاء على البيروقراطية التي تعيق الكثير من الإنجازات، ويؤكد العزم على تطوير الأداء الحكومي، كما تم إلغاء بعض المجالس العليا والهيئات ذات الاختصاصات المتداخلة والصلاحيات غير الواضحة وحصرها في مجلسين فقط بعضوية أعضاء مجلس الوزراء يجعل من آلية اتخاذ القرار أكثر سهولة وسرعة وتركيزا وقربا لولي الأمر، وللقضاء على وتيرة بطء القرارات وتنفيذ الأنظمة.
سلمان العزم وقضايا الأمة
احتلت القضية العربية الفلسطينية منذ عهد الملك المؤسس جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله مكاناً مهماً بسياسة المملكة ولطالما أكدت المملكة على وجوب احترام قرارات الأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية والتصدي للممارسات الإسرائيلية التي تقف بوجه جهود السلام، وتتواصل الجهود السعودية الملموسة لصالح الأمتين العربية والإسلامية وقضاياهما دون ضجيج وبحكمتها المعهودة، كبذلها للجهود المتواصلة في سبيل إخراج الشعب السوري من أزمته، ومن أجل ذلك احتضنت المملكة اجتماع المعارضة السورية المعتدلة لإيجاد حل للأزمة وإنهاء معاناة الشعب السوري الشقيق، وفي فجر اليوم الخامس من شهر جمادى الثانية عام 1436هـ، الموافق السادس والعشرين من شهر مارس 2015م، وبرؤية حكيمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز انطلقت عملية عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة عدد من الدول الشقيقة، استجابة ونصرة للحكومة الشرعية في الجمهورية اليمنية الشقيقة بعد أن قامت الميليشيات الحوثية بنقض العهود والاتفاقيات والانقلاب على الحكومة الشرعية، وخاض الجنود المرابطون على الحدود غمار المعارك نصرة للحق والعدل، وقد أدت هذه المبادرة إلى إبعاد خطر داهم أوشك على النيل منه من قِبَل عدو تاريخي شرس بيّت نوايا ومخططات عدوانية مقيتة أعدها منذ زمن بعيد، تستهدف الدين الحنيف واللُحمة الوطنية والمقدرات؛ ولكن بفضل الله عز وجل تبددت وفشلت هذه المخططات على يد قائد المسيرة الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويعد ما قام به حفظه الله من إقدام وشجاعة منقطعة النظير في الذود عن البلاد الغالية والأمتين العربية والإسلامية كامتداد وجزء لا يتجزأ من إقدام وشجاعة والده الملك عبدالعزيز، فما أنجزه وحققه الملك المؤسس رحمه الله لدينه ووطنه وأمته العربية والإسلامية؛ يضاهي أعلى مستويات الإنجاز التي من الممكن تحقيقها في وقته على المستويين المحلي والدولي؛ فقد عَمِل على القضاء على الفتن والتناحر، ورسّخ استتباب الأمن والأمان، وإشاعة التآلف بين القبائل والأقاليم في ربوع المملكة، كما عَمِل على تطوير ثروات البلاد البترولية والاستفادة من مواردها الطبيعية، وبناء المؤسسات الحكومية الهامة وعمارة الحرمين الشريفين والعناية بهما، وواصل مِن بعده أبناؤه الملوك مسيرة البناء والتطوير والعطاء، رحمهم الله، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله.
كما أعلن الملك سلمان، حفظه الله، عن تخصيص أكثر من مليار ريال استجابة للاحتياجات الإنسانية والإغاثية للشعب اليمني، كما وجه باتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح أوضاع أبناء الجمهورية اليمنية المقيمين في المملكة بطريقة غير نظامية، وفي إطار التعاون العربي مع دول العالم احتضنت الرياض القمة الرابعة للدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، وقد نجحت القمة بقيادة خادم الحرمين الحكيمة في الخروج بـ(إعلان الرياض) وهو إعلان غير مسبوق في شموليته وصدوره بدون أي تحفظات، وشهدت علاقات المملكة مع عدد من دول العالم تطوراً ونماء من خلال الزيارات المتبادلة وتوقيع عدد من الاتفاقيات في مجالات مختلفة، حيث زار المملكة منذ توليه مقاليد الحكم أكبر عدد في تاريخ المملكة من زعماء الدول، إلى جانب ذلك الإعلان عن تكوين تحالف يضم أربعاً وثلاثين دولة إسلامية بقيادة المملكة لمحاربة الإرهاب، والإعلان عن تأسيس مركز عمليات مشتركة يكون مقره الرياض لتنسيق ودعم مكافحة الإرهاب وتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم الجهود بهذا الشأن.