كنت قبل سنوات أسمع عن معرض الدار البيضاء للكتاب ولم أره، شاءت الأقدار أن أزور المغرب وأزور معرضها الجميل الرائع قبل عام بدعوة رسمية بمناسبة حصولي على جائزة ابن بطوطة، وحينما هبطنا في مطار الدار البيضاء كهبوط البجع المرتحل الذي يعبر البحار متلهفاً للجزر والمدن والبشر، توجهنا مباشرة من فندق أيدو انفا إلى مقر المعرض، لم أتخيل أن يكون المعرض بهذا الزخم، والفخامة، والترتيب لمسارات دور النشر وأهميتها، أعني الدور المشاركة من كافة الدول العربية، بالإضافة إلى ضيف الشرف إسبانيا، كنا نشاهد الأطفال بألوان مختلفة كأزاهير كازابلانكا يغوصون في أزقة المعرض بالأوراق واللوائح والكتب، ويتقدمهم معلميهم ومعلماتهم الجميلات، بإرشادات لطيفة، استقبلونا بابتساماتهم الجميلة التي لم أرَ مثلها في بلاد الشرق، ويلوحون لنا تلويح أغصان الزهر لنسائم الصحراء،
اتجهنا مباشرة إلى وسط المعرض نتسكع ونتلفت يمينا ويساراً، كصعاليك أو كأسلافنا البداة العرب حينما يريدون سلب الإبل، بالصدفة اصطدمنا بأول جناح، جناح وزارة الثقافة المغربية التي يزينها أعلام المغرب، كباخرة تطوف على شواطئ الأطلسي بالعلم والعلوم وكنوز أمهات الكتب، وخلفها جناح ضخم للمملكة العربية السعودية، بلاد العز والشموخ، هنا تذكرت رحالة البلاد المغربية الطنجي حينما يطوف، هكذا كانت أول المشاهد أو الالتقاطات.
يزخر المغرب العربي في روحانيات وأباهيج الفرح المختلفة التي تجذب العيون، وتهذب النفوس، وتشد الذاكرة أكثر صلابةً باختلافات الصور الثقافية، فهي مرتع الثقافات المختلفة، والمثقفون من كل بلاد، تعرفنا والتقينا بالكثير من المثقفين العرب، كثير منهم لم أتخيل يوما بأني سألتقي به، عدنا إلى الفندق بعد جولة طويلة شملت المعرض وحواري وأزقة كازا بلانكا بسكانها الذين لم يتغيرون ولم تؤثر عليهم تغيرات الحياة، هكذا هم حينما تسأل يجيبك أكثر من شخص، وحينما تتغير عليك الطرق والمسارات تجدهم يرشدونك، فهؤلاء هم الطيبون.
عدنا مرغمين من تعب السفر إلى الفندق ووجدنا كما أسلفنا مجموعة من المثقفين منهم مشعل الثقافة المضيء أ.نوري الجراح والمذيعة الرائعة كابي لطيف ود عبدالرحمن بسيسو و د. خلدون الشمعة والنحات عاصم الباشا، وكان يجالسني زملائي الفائزين بجائزة ابن بطوطة الجميل د. عائض آل ربيع ورحالة بلاد السامبا مختار شحاته والمترجم الأنيق كاميران حوج، وعلاء البيوك والصديق عبدالرحمن العتيبي وتجاذبنا الحديث رغم التعب والإرهاق حول جماليات المعرض وعن الكتب الفائزة وعن الثقافة والمثقفين، كانت الأجواء جميلة جدا وكان للحديث أكثر جمالا، هكذا رأينا كانت المغرب وهكذا رأينا كرنفالها الثقافي الكبير، فهنيئا لهم ولنا بهذه الجماليات.
** **
- أسامة الفليّح