أ.د.محمد بن حسن الزير
إن الناظر في واقع اللغة العربية من حيث ناحية تعليمها للناطقين بغيرها، ونشرها في أنحاء العالم ليجد أن هنالك ضعفا في تعليمها للناطقين بغيرها، وضعفا في العناية بنشرها وتوسيع دائرة الناطقين بها؛ بالنظر إلى أهمية هذا الموضوع، وبالنظر إلى سعة المساحة التي تحتلها دائرة المستهدفين، وبالنظر إلى أهميتهم بالنسبة إلى أهدافنا ورسالتنا واستراتيجياتنا في الحاضر والمستقبل.
إن اللغة العربية وهي لغتنا الوطنية، ولغة القرآن الكريم الذي يمثل رسالة الله لخلقه المكلفين في هذه الحياة الدنيوية، ورسالة القرآن الكريم هي، في الوقت نفسه، رسالتنا وفيها مبادؤنا وثقافتنا وقيمنا؛ ومن هنا فإن وضع مسألة تعليم لغة القرآن الكريم لغير العرب، ونشرها بين الناس ما أمكن (يجب أن تكون عنصرا حاضرا في استراتيجيتنا لتمكين اللغة العربية) وعنصرا أساسا في خُطتنا الشاملة لذلك التمكين.
الحاجة إلى القيام بمهمة التعريف بالإسلام، بوضوح تام والبيان له على بصيرة وهدى من الله، وقياما بالمسؤولية والوفاء بالرسالة، ومواجهة الظواهر السيئة التي تواجه العرب والمسلمين في أماكن متفرقة من العالم؛ هذه الظواهر التي تلقي بظلالها السلبية على صورة الإسلام الصحيحة، وأهله الحقيقيين؛ مثل ظواهر التكفير والعنف والقتل والإرهاب، وما ينشأ عنها من ظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلام فوبيا) وظاهرة الإعلام العدائي، الذي يسلط أضواءه على سلبيات بعض المنتسبين إلى الإسلام وأخطائهم؛ لإيهام المتلقي بأن هذه هي حقيقة الإسلام وحقيقة المسلمين، وهو عدوان يتجاوز في عدوانه أحيانا ليتهجم على ثوابت الإسلام ومقدساته كالقرآن الكريم، ومثل التهجم على رسول الإسلام، صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله بالقرآن الكريم، وأمره بتبليغه للناس أجمعين في بيان ووضوح، وهذا العدوان الإعلامي يستهدف تشويه صورة الإسلام ؛ من خلال تشويه كتابه المقدس، وتشويه صورة نبيه الكريم، عليه الصلاة والسلام.
وبالنظر إلى أن اللغة تمثل بوابة عظيمة، وجسرا حقيقيا للتواصل والمعرفة وتحقيق التفاهم والتعاون والسلام؛ فإن ذلك يُحتم علينا العمل الجاد لنشرها في العالم؛ وذلك بوضع برنامج خاص لنشر تعليمها للناطقين بغيرها في الداخل للجاليات لدينا، وفي الخارج للعالم؛ وبخاصة حين يُضَمَّنُ هذا البرنامج تركيزا واضحا على المحتوى التعليمي للعربية بشكل خاص؛ يُناسب المعنيين، ويكون مدعوما بمادة ثقافية مختارة، تحمل الرسالة المعرفية المنشودة.
ومن هنا يكون أسلوب (تعليم اللغة العربية الثقافي) من أفضل الأساليب العلمية المعرفية غير المباشرة؛ لفتح نوافذ مضيئة للعالم؛ ليتبين له ما في هذا القرآن ذي اللسان العربي المبين، وما فيه من رسالة سماوية من رب العالمين للناس من خلقه أجمعين، ولا شك في أن الاتصال المباشر بالمصادر الأساسية للمعرفة، عن طريق تعليم اللغة العربية وتعلمها بالوسائل والأساليب المنهجية، هو من أنجع السبل لمواجهة ما يلقاه الإسلام وأتباعه من حملات التشويه الضارية؛ بما فيها من انحياز وعدوانية وظلم!
وإن إقامة مشروع عالمي لتعليم اللغة العربية ونشرها على مستوى العالم، بالنظر إلى أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ولسانه المبين، يمثل وسيلة عملية واقعية إيجابية غير مباشرة تؤدي إلى توضيح وتصحيح صورة الإسلام وأحكامه الصحيحة الحقيقية؛ ومرد ذلك إلى أن العربية محملة في نصوصها الأصيلة بالثقافة العربية الإسلامية.
وهنا لابد أن نضع في اعتبارنا عاملا مهما، هو في صالح مثل هذا المشروع؛ ذلك هو أن (تَعَلُّمَ) اللغات في الأساس والعربية في طليعتها (مطلب ثقافي إنساني لدى كثير من الناس في مختلف المجتمعات في العالم) ويسعون لتحقيقه تلبية لاحتياجاتهم الشخصية وأسبابهم الخاصة المتنوعة، وعلينا نحن العرب المسلمون أن نستثمر هذا (المطلب) وهذا التوجه الذاتي لدى الآخرين، وهذا الإقبال الطبيعي على تعلم اللغات ومنها العربية بخاصة، إلى أقصى حد ممكن، وأن نوظفه من أجل إكساب هؤلاء المتعلمين خبرات معرفية عن الإسلام ومبادئه السمحة، وعن نبيه الكريم، صلى الله عليه وسلم، وعن الثقافة العربية الإسلامية، وقيمها الفاضلة وأخلاقها الحميدة، وعنايتها بالحياة والأحياء والخلق أجمعين!
ونستطيع أن نوظف وسيلة تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بحكمة وفاعلية تامة؛ ضمن منهجية موضوعية مدروسة بعناية، في التعريف (غير المباشر) بالإسلام وتقديم ثقافته من خلالها، ومن خلال الأنشطة والبرامج التعليمية المصاحبة للمتعلمين غير العرب حيثما كانوا!
ولا شك في أن هذا الأسلوب الثقافي غير المباشر من أفضل الأساليب العلمية المعرفية وأنجحه؛ لفتح نوافذ مضيئة للعالم؛ ليتبين له ما في هذا القرآن ولسانه العربي المبين من رسالة ربانية للناس، وبلاغ جميل للعالمين من خالقهم، ذي الجلال والإكرام.
اللغة نافذة حقيقية، وجسر ثقافي مهم للتواصل والتفاهم مع الأمم والشعوب، ومكون أساس لحوار استراتيجي جوهري معهم، يقوم على توصيل الخبرة وتعميق الفهم؛ لمواجهة الأفكار السلبية والمفاهيم المغلوطة، والتصورات الخاطئة عن الأمة وحضارتها. اللغة العربية بشكل خاص؛ بما فيها من مميزات، وبما لها من إمكانات في المفردات والأساليب والصور، والمضامين العميقة، والرؤى الشاملة، والتجارب المتنوعة، جسر حقيقي للتواصل، ومكون أساس لحوار استراتيجي جوهري مع الآخر، يقوم على المعرفة والعلم وتعميق الفهم.
إن نشر تعليمنا العربية في العالم قوة ناعمة ذات تأثير بليغ عميق؛ علينا أن نستثمرها بوعي وحكمة مستفيدين من جماليات اللغة العربية الموضوعية، وجاذبيتها الصوتية، والتصويرية، والمعرفية. وللحديث صلة.