بعدسة - أنس الصبيحي:
أسهمت المرأة الحجازية في الماضي بدور بارز في التصميم الداخلي لمنزلها بما تملكه من حس جمالي وذوق فني رفيع انعكس على جماليات العمارة التقليدية وفنونها.
حيث عملت على تجميل ديكورات وألوان الجدران والشبابيك، وعمل التحف والأشكال الجمالية في أركان المنزل.
وفي هذا المجال تقول الدكتورة ريم بنت فاروق الصبان الأستاذ المساعد في كلية التصاميم والفنون في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة في دراسة لها بعنوان (التناغم بين المرأة والتراث العمراني بمنطقة الحجاز) إن المرأة في السابق كانت تحرص على أن تزين بيتها من الداخل بنفسها وخاصة فيما يتعلق بالألوان والديكورات، مشيرة إلى أن المسكن في منطقة الحجاز كان يلبي احتياجات المرأة الفيسلوجية والاجتماعية والأمنية.
وذكرت أن المرأة الحجازية كان لها دور رئيس في إثراء الفن المعماري والتقليدي، وكما أن المسكن قد استجاب لحاجتها، فإن المرأة في المقابل استطاعت أن تحقق ذاتها وتثبتها من خلال التباهي بمهاراتها ولمساتها الفنية والتي كانت المرأة فخورة بعرضها رغم بساطتها في بعض الأحيان، ومن هنا استنتجت الدراسة أن المرأة الحجازية كانت في حالة تناغم بينها وبين المسكن التقليدي وبيئتها المحيطة.
وأشارت الصبان إلى أن المرأة لعبت دوراً رئيساً في تشكيل الفراغات الداخلية بالمسكن «لا يكاد يخلو مسكن تراثي بمنطقة الحجاز من إبداعات الساكنات من فنون التطريز والحياكة والتزيين، حيث تتنافس النسوة، فيتعلمن التقنيات المختلفة بغرض إبراز الجماليات لتميزهن عن الأخريات، ولتلبية الحاجة إلى تحقيق ذاتهن». وذكرت الباحثة أن النساء ساهمن في أعمال الحياكة، والتطريز، والنحاسيات، وعرض أواني الكريستال والزجاج، والصناديق الخشبية، والعناصر النباتية «خصصت المرأة جزءًا من وقتها في زراعة نباتات الزينة كالورد والياسمين والفل والريحان، لتنبعث منها الروائح العبقة وتضفي نوعاً من الجمال، وغالباً ما تزرع هذه النباتات في أواني مصنوعة من الفخار أو من الصفيح وترص بالقرب من النوافير أو في أركان المسكن التقليدي، أو في الأواني الفخارية التي ترص عادة بالرواشين والمشربيات».
ودعت د. صبان إلى دعم الدراسات والأبحاث المتخصصة في المجالات التي تخص المرأة وعلاقتها بالتراث المعماري «على المصمم المعماري مراعاة حقوق المرأة الشرعية، واعتبار احتياجاتها عند تصميم المساكن، ومعاملتها كعنصر رئيس في التصميم، ومنحها طبيعة محمية خاصة بها، تستطيع أن تمارس كافة أنشطتها بحرية مطلقة». كما أوصت بالعمل على حصر وتوثيق التراث الثقافي والشعبي والعمراني للمملكة العربية السعودية بكافة الطرق المرئية والسمعية والنظرية، لتيسير الحصول على المعلومات المطلوبة للباحثين.
وبينت أن الدراسة المسحية أثبتت وجود بعض القطع التي استخدمت لتزيين الفخار والأواني باستخدام قطع محاكة بأشكال مختلفة كانت المرأة الحجازية تقوم بها في أوقات فراغها مع إضافة الخرز الملون لإضفاء جمال على الفراغ وخصوصا أن تلك الفخاريات تشكل ركناً أساسياً في الفراغات الداخلية للمسكن الحجازي.
كما اهتمت المرأة في الحجاز بالتجميل عن طريق عرض المقتنيات الثمينة مثل القطع النحاسية كالصواني النحاسية المخصصة لحمل الأطعمة ووضعها في وسط المجلس أو عرض السموار وهو إناء كبير الحجم جميل الشكل، كما في بعض الأوقات تعرض في ركن المجلس إناء جميل مع طبق مصنوع من الفضة يقدم للضيف لغسل اليد دليلاً على الاستعداد الدائم للضيافة.
ولعب ازدهار الحركة التجارية بمنطقة الحجاز على توافر العديد من الفرص لاقتناء الأواني الثمينة المستخدمة في الضيافة، والتي تحرص المرأة في الحجاز قديماً على اقتنائها بغرض إكرام الضيف والتباهي بها أو بغرض تحقيق المكانة الاجتماعية المطلوبة، وأثبتت الدراسة الميدانية وجود قطع فاخرة من أواني الكريستال أو المصنوعة من البورسلان، وقوارير كريستالية لحفظ العطور وأكواب الشاي، كما كانت المرأة الحجازية تعرض على الأرفف صواني تستخدم لتقديم الشاي.
وهناك الصناديق الخشبية التي عادة ما تقوم العروس بإحضارها لبيت زوجها لحفظ ملابسها وهي من القطع الأساسية بالمسكن الحجازي وتصنع من الخشب ويعنى بزخرفتها إما بتلوينها أو بالحفر عليها كما تطعم بعضها بالصدف أو النحاس وتوضع عادة بالصفة، وقد اعتاد الأهالي تغطية الصندوق بالأقمشة المزخرفة أو بالقطيفة.
وفي مجال الاستعانة بالعناصر النباتية اهتمت المرأة الحجازية بالبيئة، وقد حرصت على الاهتمام بالنباتات والمزروعات وخصوصا في المناطق التي ساعد مناخها على الزراعة مثل مدينتي المدينة المنورة والطائف، والمساكن التي تحوي على الصحن السماوي، حيث خصصت جزءًا من وقتها في زراعة نباتات الزينة كالورود والياسمين والفل والريحان لتنبعث منها الروائح العبقة وتضفي نوعاً آخر من الجمال، كما حرصت على زراعة بعض النباتات العطرية التي تستخدم عادة في الشاي أو الطهي، وغالباً ما تزرع النباتات في أواني مصنوعة من الفخار، وتوضع بالقرب من النوافير إن وجدت خصوصاً في المدينة المنورة أو في أركان المسكن التقليدي أو في الأواني الفخارية التي توضع عادة بالرواشين والمشربيات.