رمضان جريدي العنزي
ازدراء الناس، والتكبر عليهم، والترفع عنهم، استصغارهم وسفههم واحتقارهم، يعد بغياً وإثماً وتعدياً عليهم، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ }، وقال تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}، وقال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}، وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في جهنم ولا أبالي)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا ينظر الله إلى رجل يجر إزاره بطرًا)، وقال -صلى الله عليه وسلم- (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، إن الكبر والتعالي والغمط صفات مقيتة، لا يتصف بها الإنسان العاقل السوي الحصيف، وصاحب هذه الصفات لديه إفلاس أخلاقي وفكري وسلوكي، وخواء روحي، ومن يتصف بهذه الصفات بالتأكيد يعيش مذموماً من الله ومن الناس، بل وتئن منه الأرض التي يعيش عليها، ويخسر الدنيا والآخرة، إن هذه الصفات اللا سوية تدفع بصاحبها إلى الاستعلاء والغطرسة والاستكبار، وإلى سلسلة من التصورات والأوهام البعيدة عن الحقيقة والواقع، وأياً كان الغرور والترفع والاستكبار، فإنه لن يقود صاحبه إلا إلى الخيبة والخسران، إن المغالاة في غمط الناس والتكبر عليهم يعد شعوراً داخلياً بالنقص يحاول المتصف به ارتداءه تعويضاً عن النقص والفشل، إن الكبر والتكبر والغطرسة والتعاظم، أخلاق رديئة، وذنوب عظيمة، وأدواء دفينة، إن الرجال لا يقاسون بالضخامة والقوة، والطول والعرض، ولا بالزي والمال والمركب والبيت والصورة، ولكن يقاسون بالقلوب الصافية التي تنبض في صدورهم، والأعمال النبيلة التي يتصدرونها، والأخلاق العالية التي يحملونها، فمن حمل قلباً سليماً، وأصدر عملاً نبيلاً، وسعى بين الناس وحمل همومهم، وتخلق بالأخلاق الجميلة، فتلكم هم الرجال الذين يحمد صنيعهم، وتكبر بين الناس سمعتهم، ويعظم الله أجرهم، وإن كان أشعثاً أغبراً ذا طمرين تزدريه النفوس، فإن هذا وأمثاله هم ممن صفت سرائرهم، وخلصت عقائدهم، ولو أقسموا على الله لأبرهم، إن الإنسان العاقل الحصيف السوي، لا يترفع على الناس ولا يتكبر، لأنه يعرف بأن أصله من التراب، وسوف يعود إليه، ويبعث منه، وصدق الشار حين قال:
ولا تمشي فوق الأرض إلا تواضعاً
فكم من تحتها قوم همو منك أرفع
وإن كنت في عز رفيع ومنعة
فكم مات من قوم همو منك أمنع
فيا أيها المستعلي المتكبر، اعلم بأن أولئك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة:
فلا تمشي يوماً في ثياب مخيلة
فإنك من طين خلقت وماء
أزور قبور المترفين فلا أرى
بهاء وكانوا قبل أهل بهاء
فانفضوا يا أهل الكبر والاستعلاء رداء الكبر والبطر والاستعلاء، واستعيذوا منه كما استعاذ منه موسى عليه السلام، (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)، اللهم إنا نعوذ بك من الكبر والتعاظم والبطر والخيلاء، ونسألك التواضع في غير مذلة، والعزة من غير كبر.