(تُشْرِقُ الشَّمسُ كُلَّ يومٍ فنحتاج قَدراً هائلاً مِنَ الشجاعة
لِنُوَاجِهَ يوماً جديداً!)
أقول لكِ هذه الكلمات لأنَّكِ سَأَلتِني ذاتَ مَرَّةٍ:
(كيف تَبيتُ الهمومُ رِئَةً لا تَكُفُّ عن الزَّفير فَيَتَوَسَّدُها الرَّجُلُ و يَبِيتُ و إلى جِوَارِه فَتِيلٌ يَتَآكَلُ باتِّجاه المجهول)؟!
أنتِ تسألين و أنا أريدُ مِنكِ أن تَتَذكَّري دائماً ..
( أنَّ الأَوجَاعَ أَشَدُّ اتِّساعاً مِنْ أنْ يَستَوعِبَهَا حَنانُ الأَرَق!)
لذلك يَشْهَدُ وَسَنُ الرِّجَالِ على بَأسِهِمْ!
إنَّها مأساةٌ كلَّما قَذَفَتْ إليَّ قلماً من أعالي جبالها..
التَفَّتْ عليهِ حِبَالُ التَّرَقُّبِ..
وهكذا ماتت شَنقاً كُلُّ القصائدِ التي كان يراودها حُلمٌ لَجوجٌ
يأبى إلا التَّشَبُّث بأهدابكِ!
* * *
أعرفُ جَيّداً أينَ يَكمُنُ مَربَطُ الفَرَس!
بَيدَ أنَّ لنظراتكِ شَغَباً يسابقني إلى هناك!
يُطلِقُ العنان .. تَجمَحُ الفَرَس!
و لأنَّني لا أعرِفُ جَيّداً أي الصُّدَفِ ستكونُ خيراً مِن ألفِ ميعاد
تبقى فَرَسُ الشِّعرِ موغِلَةً في هروبها إلى ضميركِ!
أما أنا فَلِيَ حنجرةٌ حَقَنَها اليأسُ بقولِ الشاعر:
(رضيتُ مِنَ الغنيمةِ بالإياب)
* * *
وَكأنِّي بِكِ تَضحكينَ وقَد ألَمَّتْ بِكِ نشوةٌ جَرَّاءَ رائحةِ التَّهافُتِ التي تَتَصاعدُ إليكِ حينَ تنظرينَ إلى الكلامِ المكتوبِ أعلاه!
إلا أنَّ هنالكَ تعويذةً ما بَرحَتْ تطفو على ريقي الذي أتَجَرَّعُهُ
وَ لا أكادُ أسيغُهُ منذ استَبَدَّ بِكِ شيطانٌ اسمُهُ الرَّحيل!
ربما تسري تعويذتي إلى ذاكرتِكِ فَتُعيد إليكِ قِسطاً مِنَ الرّشدِ
و ربَّما يَلوذُ عشقنا الكهلُ بِعُنفوانِهِ إذا احتَمَلَتكِ موجةٌ مِن طهارةِ الميلادِ إلى حيثُ كُنا ذاتَ هَذَيانٍ إذ تسألينني عن الشُّرودِ هَل وَلَغَ في ثمالةِ الكأس؟
فأقول : ربَّما كانَ مُنهَمِكاً في دُروسِ العَربدةِ مُتَأبِّطاً حَفنَةً مِنَ التَّبغ!
فَتجزمينَ : بل هو باحثٌ عن ذاتِهِ في هَلوَسَةِ العناقيد!
و بَعدَ أنْ نَهَشَ الصَّمتُ بَعضَ ما نضج على لهيبِ الانتظارِ مِن فؤادينا قُلتِ لي : أنشدني بعضَ ما قُلتَ في النَّشوةِ أيُّها الرَّجُل
فَأنشدتُكِ بعضَ كلماتٍ تَتَدَلَّى إليَّ عادةً من شُرُفَاتِ الألَم فَيَتَكَثَّفُ صداها في نَفسٍ تَهذي مع احتشادِهِ قائلةً:
حَولَ السَّديمِ الذي تَكتَظُّ حَوزتُهُ
بِنا يُدَندِنُ هذا الشِّعرُ مفتونا
وفي الرَّمادِ الذي لا شيء يَسبُرُهُ
طَوِيَّةً يُولدُ المَوَّالُ مجنونا
قُلتِ : زدني فَأنشدتُ :
وتلكَ أرجوحةُ الوَسواسِ قَد حَمَلَتْ
فُتُوَّةَ الرَّيبِ مَفضوحاً ومكنونا
و أنتَ أنتَ !! إذا انداحَ المدى أرَقاً
أعددتَ للَّيلِ فنجاناً وغِليونا
وَذُبتَ في رغوةِ الألحانِ تُوسِعُها
تَأوُّهاً بِهَوى العُنقودِ مَرهونا
كَأنَّ جرحكَ لَمْ يُنشِدْكَ مُشتَعِلاً
تَعَتَّقَ الحُزنُ حَتَّى صارَ أفيونا
وَعِندَها كانَ للرَّحيلِ أن يَنال مِنكِ ما أراد!
** **
- فهد أبو حميد