قديمًا وأعني بها الزمن المستقل لكل فرد، زمن عبارة «لا زلتَ صغيرًا» تُعد إهانة لقناعتك بالنضوج، زمن الشرود في رؤوس البالغين بفكرة كم هم حمقى متعالين.
وقتذاك كان التوق إلى بلوغ العشرين حُلمًا كبيرًا، كأن هذا الرقم هو بوابة التكوين الحقيقية وبداية الحياة.. تتسلم رخصة العيش. لكنك كلما تقدمت زمنًا عدت أصغر مما كنت، ينكمش القلب الذي ما فتئ يحاول أن يكتب في قلب العمر نصًا يُحتفى به عند انتهاء صلاحية الرخصة، لكنه كتعبير الحصة السادسة في الصف الرابع الابتدائي لا يعدو عن كلمات ركيكة باهتة مرصوصة بخط يحاول أن يتزن على السطر فتنحني استقامة ألفه مرة وتنزلق قاف الوقاية مرة وتنكسر العين مرات. تتساءل في طريقك الذي تمشيه مجبر لا بطل، تصعد تلاله وتهبط أوديته، هل ستقوى قدميك المتقرحة على حملك الثقيل غير القابل على التبديد فلا مجال إلى تصفية العمر فهي الطريقة الوحيدة لصناعة التاريخ.. التاريخ المحفوظ بنسختين، نسخة تحتفظ بك كضحية ونسخة مؤجلة لك فيها ضحايا. تود لو تتوقف فحتى هذه الفكرة بالتوقف مرصودة في تاريخك ثم إنك لا تأمن للطريق ولا لنفسك إلى أي مهلكة قد تقودك. كأن العمر ليس سوى جُرح غائر في باطن اليد قبيل مفصل معصمها، تستطيع أن ترى الظلام المختبئ في جرحك ويُهيبك منظره، تأخذك قدميك في سفر البحث عن الشفاء لكنها لا تقف أبدًا، كل الطرق لا تنفع وكل الوجوه التي أحببتها قبل جرحك الكبير لا تعير كفك أهمية، فتقع فجيعتين، فجيعة هذا الدهليز الذي ترى داخلك من خلاله وفجيعة البحث عمن يحبك.. أولئك الذي تركتهم في منتصف الشعور هم الأقدر على وصل جلدك الذي تخلى عن لحمه. في مشوار إدراك الوحدة، تتساءل: ما الذي تخفيه تحت جلدك ويُخيفك ظهوره، أم أنك تخشى ظلام نفسك.. ظلامك الذي يسكنك! ظلامك الذي لازمك منذ تاريخ المستهينين بك حين سخروا من خبرتك التي لا تتعدى رقمًا وغافلتهم خبرة ملاحظتك فسمّتهم بألقاب لا تناسب المكانة التي ظنوا أن لا ملاقي لهم فيها سواهم! الذي كبروا أكثر مما توقعت حين بلغت عشرينك.. حسنا! يبدون أكثر حماقة الآن لأنك تحتاج إليهم أكثر مما كنت تفعل قبلًا، أنت تزداد ثقلًا، وقدميك متقرحة، وشوارد أحلامك طائر في سماء أرض الواقع لا تقترب من الهبوط وأنت لا تحتمل أن ترميها فتسقط ميتة بين يديك.. آه صحيح هذا يعني احتمال إن فتحت لها يديك قد تذوب بداخلك من خلال هذا الجرح.
حاضرًا -عودة من زمن الأمنية الكبيرة إلى زمن حدوثها- تدافع عن نفسك بعبارة: «لازلتُ صغيرًا على هذا».
** **
- هياء بنت عبد العزيز الزومان
hayaalzouman