نشأت بطاعة المولى مُنيباً
وتقوى الله ما برحت شعارك
هنيئاً لك يا بندر.. يَدٌ ندية سخية في أوجه البر والإحسان، وفيض دمعات من خشية الله، رجاء مغفرته ورضاه عند لقائه، فقد لقيه بنفس راضية مرضية - بحول الله ورحمته - فما أسعد من عاش حياته في طاعة مولاه، مُتلذذاً بمناجاته في خلواته آناء الليل وأطراف النهار، ومُحباً لكل إنسان، مُتصفاً بالاستقامة، طيب المعشر، والعطف على الضّعفة والمساكين بما تجود به يمينه من نعم رجاء المثوبة من رب العباد. فهذه الصّفات الجميلة الحميدة مُجتمعة في صاحب السمو صاحب القلب الرحيم، الأمير الكريم بندر ابن المؤسس الملك عبد العزيز - تغمدهما المولى بواسع رحمته ومغفرته -. وقد وَهَبه المولى منذ صباه حسن الخلق والتواضع المحمود، والاستقامة والمداومة على تلاوة القرآن الكريم في حلّه وترحاله.. لعلمه أنه نور بالليل وهدى بالنهار:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له
من الله في دار المقام نصيبُ
وكان منزله في أي موقع ملتقى لأبناء الأسرة المالكة من إخوة، وأبناء، وأحفاد، بل من علماء وأدباء ووجهاء.. فيجدوا منه كل الترحيب وحلو المحادثة التي تؤنسهم.. ولقد أجاد عمر بن عبدالعزيز محبباً محادثة ذوى العقول والآداب: «إن في المحادثة تلقيح للعقل، وترويح للقلب، وتسريح للهم، وتنقيح للأدب» انتهى. وقد صدق - رضي الله عنه -، وما أصدق ما قيل:
وما بقيت من اللذات إلا
مُحادثة الرجال ذوى العقولِ
وكانت وفاته - رحمه الله - يوم الأحد 25/11/ 1440، وصُلى عليه بعد صلاة العشاء بالمسجد الحرام يوم الاثنين 1440/11/26، ثم ووري جثمانه الطاهر بمقابر العدل بمكة المكرمة. ومما أثار شجوني وُقوف صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض، ووقوف إخوته على مقربة من حافة القبر بعدما أخفت الترب جثمان والدهم عن نواظرهم في باطن الأرض، وهو رافع كفيه، وبصوت حزن مسموع لمشاركته في الدعاء، مُترحماً عليه في تلك اللحظات، لحظات الوداع الأخير الأبدي، وبداخله ما به من لوعات الفراق والحزن العميق - كان الله في عونه، وعون الجميع - وبقي مُجاوراً لمن سبقوه إلى ملتقى الراحلين:
مُجاور قوم لا تزاور بينهم
ومن زارهم في دارهم زار هُمَّدا
وقد اكتظ قصر الفقيد الحبيب بمدينة الرياض والطرقات المحيطة به بآلاف المعزين من المواطنين ومن البلدان المجاورة، بل بعضهم من أنحاء المملكة وخارجها.. وفاءً وحباً لصاحب القصر وأنجاله الكرام - تغمده المولى بواسع رحمته -:
حبيبٌ عن الأحباب شطت به النوى
وأيّ حبيب ما أتى دونه البُعدُ
ولم أسعد برؤيته في حياته عن قرب سوى مرة واحدة أثناء حضوري من حريملاء لأداء الصلاة على حرمه (أم فيصل) معزيًا له ولأنجاله الكرام، ومقبلاً ما بين عينيه، وقد بدا على محياه سحابة حزن على رحيل رفيقة عمره - رحمهما الله -:
تَعزُ فلا ألفين بالعيش مُتَعا
ولكن لرواد المنون تتابعا!!
وكان - رحمه الله - محباً للاستمتاع بالأجواء خارج المدن، ولاسيما في مواسم الربيع والرياض الخضراء التي يعبق أريجها من أزاهيرها المتفتحة التي تسر الناظرين، وتبهج النفوس. وإذا صادف وقت الربيع في شهر رمضان المبارك ما يلبث أن يترك مُخيمه رحب الجوانب، وصدره أرحب، مُتجهاً صَوب المسجد الحرام؛ ليصوم هناك كعادته السنوية على مرّ عشرات العقود مُتعبداً، وكثير أداء الصلوات والنوافل أمام الكعبة المشرفة، وتلاوة القرآن الكريم في جلّ أوقاته.. راجياً من المولى جلّ ثناؤه أن يتقبل منه صيامه وقيامه، وأن يكون من الذين يؤتون أجرهم مرتين مع ما يبذله من مال وفير للفقراء والمحتاجين من زكاة وصدقات رحمة بأولئك، وطمعاً في مضاعفة الأجر له ولوالديه، ولمن غاب من أسرته وزوجاته.. وكان محبوباً في أسرته ومجتمعه لما حباه المولى من رحابة صدر وسماحة خلق؛ وهو ما جعل النفوس تميل إليه حُباً واحتراماً:
وإذا أحب الله يوماً عبده
ألقى عليه محبة في الناس
وفي ختام مقالي الوجيز أتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ولسمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض, وإلى أصحاب السمو الملكي الأمراء أبناء وبنات الفقيد وأحفاده وزوجاته، سائلاً الله أن يلهمهم الصبر والسلوان:
لو كان يَخلُدُ بالفضائل فاضل
وُصلت لك الآجال بالآجال
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف