تتزين جدة التاريخية لزوارها في شهر رمضان من كل عام؛ إذ يكون لهذا الشهر الكريم طعم مختلف ورونق خاص؛ وذلك بالفعاليات الرمضانية التراثية، والمتاحف المفتوحة، والفوانيس الرمضانية التي تضيء أزقة المنطقة.
وقد أطلق مركز المبادرات بمؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز «مسك الخيرية» مبادرة مسك جدة التاريخية في نسختها الثالثة في منطقة جدة التاريخية، وذلك في خطوة من شأنها إبراز أهمية المنطقة تاريخيًّا وثقافيًّا، والمساهمة في المحافظة عليها، وتحويلها إلى مزار دائم لسكان وزوار جدة.
وشهدت مسك جدة التاريخية التي تنظمها مبادرة التواصل المجتمعي بمركز المبادرات بالمؤسسة 22 فعالية ونشاطًا لنقل الصورة الأصيلة التي كان يعيشها الآباء والأجداد داخل هذه المدينة، التي كانت غنية بالقيم والتقاليد، لجيل اليوم وسط أجواء تفاعلية ترفيهية موجهة لشرائح المجتمع كافة؛ ليعيش الزوار تجربة ثرية، يتعرفون من خلالها على التقاليد الراسخة لهذه المدينة القديمة التي شكلت عددًا من الجوانب الثقافية في المجتمع السعودي.
ومن بين هذه الفعاليات المسرح الرئيسي، ويعتبر من أهم الفعاليات، وباب المدينة، وجدارية مسك الترحيبية، ومنطقة الطفل، وفعالية أهل أول، وصندوق الدنيا، وعرض التحف، إلى جانب معرض لمعهد مسك للفنون، والبيت الحجازي، وشارع الحرفيين، وحكاية روشن، ومسرح العرائس.
وفي خطوة تُعتبر هي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط في الأعمال الدرامية والمسرحية، جسد المسرح الرئيس في جدة التاريخية تقنية الهولوجرام لمنطقة جدة التاريخية قبل تسعة عقود في عمل مسرحي تحت عنوان «حكاية جدو».
واستطاعت المسرحية التي تعرض يوميًّا في الفعاليات على ثلاث فترات اختصار الزمن، وتعريف جيل الألفية بمكنونات تلك الحقبة المهمة في التاريخ السعودي عبر مسرح روعي في تصميمه الطراز الكلاسيكي، والستائر الحمراء، والمقاعد الخشبية المغطاة بالأقمشة الديكورية التي سادت في المنطقة.
وتتناول المسرحية قصة أحد الأجداد وهو يسرد لحفيده طفولته في المنطقة التاريخية داخل سور المدينة القديم مستعرضًا أهم الأحداث التي شهدتها، مثل قوافل الحجيج، والأعمال التجارية، وأهم الشخصيات التي زارتها.
والهولوجرام عبارة عن عرض مرئي، يقوم بإعادة إنشاء الصورة بطريقة عالية الجودة؛ لتطفو الصورة في الهواء كمجسم هلامي ثلاثي الأبعاد، ويظهر كطيف من الألوان، يتجسد على الشكل المراد عرضه، ويعود تاريخها إلى عام 1947م على يد العالم المجري (دينيس غابور) الذي حسَّن قوة تكبير الميكروسكوب الإلكتروني، وتأخر ظهورها بسبب موارد الضوء المتاحة في ذلك الوقت، التي لم تكن متماسكة، أي أحادية اللون إلى عام 1960م وقت ظهور الليزر. وفى 1967م استطاع العالمان جيوديس اوباتنكس وايميت ليث من جامعة ميشيغان عرض أول هولوجرام.
وجذب زقاق الصور المضيئة زوار فعاليات «مسك جدة التاريخية»، الذي أقيم بطول 60 مترًا طولاً، وبعرض 3 أمتار، واختصر 70 عامًا من تاريخ المنطقة، من خلال عرض 150 لوحة، تترجم دورة حياة قصة جدة القديمة للزوار الذين استوقفتهم الصور.
وأشاد الزوار بما شاهدوه من خلال الصور التي تحكي قصة إنشاء حارات جدة وسكانها، وحكايات بواباتها ومساجدها، ومدارسها، وأسواقها، وأهم معالم المنطقة والشخصيات المهمة التي زارتها وسكنتها بطريقة احترافية متميزة، استوقفت كل من زار جادة الزقاق المضيء.
ومما زاد من تفاعل زوار الجادة الإضاءة الرائعة التي صاحبت الصور على كلا الجانبين، مع وضعها أسفل السقف في مظهر بانورامي تاريخي.
وشكلت جدرانية «جدة وأيامنا الحلوة» موقع جذب للتعريف بتراث الآباء والأجداد ضمن فعاليات مبادرة مسك جدة التاريخية؛ إذ نجحت الجدارية في تعريف الأجيال الجديدة خصوصًا، والزوار عمومًا، بتراث جدة القديم.
وتشكل «جدرانية جدة» أعمالاً تشكيلية، تبرز نمط الحياة، والبناء، والعادات، والتقاليد التي سادت المنطقة، وتحمل بين جنباتها الكثير من الذكريات.
وتمزج اللوحة التشكيلية بين الفن وحكاية التراث في سور جدة القديمة الذي كان يحيط بالمدينة منذ القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي)، وبُني بأمر من قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك البرجية عام 917 هـ، وتم هدمه في منتصف القرن العشرين، وبالتحديد في العام 1947.
وكل لوحة في الجدارية لها حكايتها الخاصة، وتفاصيلها التاريخية، التي رُسمت من قِبل فنانين عالميين لتوثق تاريخًا من مراحل منطقة جدة التاريخية عبر التاريخ؛ فإحداها تتحدث عن ميناء «باب البنط» الذي غادر منه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - في عام 1945 منه إلى مصر للقاء الملك فاروق، وعاد في المسار نفسه عبر البحر. وكان شاهدًا على تاريخ التجارة القديمة الواردة من الصين والهند إلى جدة.
ومن اللوحات التي لفتت زوار «مسك جدة التاريخية» لوحة حملت تفاصيل وصول واستلام «كسوة الكعبة» التي كانت تمرُّ من جدة قبل قرن من الزمن.
ويرى فهد العيسى مدير الجدرانية أن اللوحات أسهمت في إضفاء مزيد من المعرفة التاريخية بطريقة مختلفة وغير تقليدية.
كما تحوي «جدرانية جدة وأيامنا الحلوة» الكثير من اللوحات الفنية العالمية التي تحكي حياة الناس في تلك الحقبة الزمنية والعادات والتقاليد التي تمثل في جوهرها العام «الإرث التاريخي لجدة القديمة».