جزى الله ذاك الوجه خير جزائه
وحيته عني الشمس في كل مطلع
جميل أن يتذكّر الإنسان ماضيه المتقادم الحافل بتراكم الذكريات، ذكريات الطفولة والصبا، ذكريات الفتوة وراحة البال..، ولقد هاتفني الأخ العزيز عبدالرحمن بن زميلنا لدى المشايخ عامي 69-1370هـ الأستاذ الحبيب عبدالعزيز بن عبدالرحمن الزبن معزياً فيه لعلمه بمكانته لدي، فهو من الزملاء القدامى طيّب المعشر سليم الصدر.. الذي ولد عام 1350هـ تقريباً في مدينة البكيرية إحدى كبريات مدن القصيم، حيث كنا نتلقى مبادئ في العلم لدى سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وشقيقه فضيلة الشيخ عبداللطيف بعد صلاة الفجر مباشرة بمسجد الشيخ محمد بن إبراهيم، في علوم العربية على متن الأجرومية، وبعد طلوع الشمس نتجه إلى مجلس سماحة الشيخ محمد في شرقي المسجد الآهل بأعداد كبيرة من طلاب العلم، وكان يحضر ذاك المجلس المبارك العالم الزاهد صاحب السمو الأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود - أبو سعود -رحمهم الله- بحي دخنة، وبعد صلاة المغرب نحضر مجلس فضيلة الشيخ إبراهيم بن سليمان الراشد قاضي محكمة الرياض وإمام الجامع الكبير..، فوقتنا وقت جد وتحصيل، حيث كنا نتنافس في حفظ بعض المتون، مثل متن كتاب التوحيد الذي هو حق الله على عباده، ومتن العقيدة الواسطية، وكشف الشبهات، كذلك متن الرحبية في علم المواريث، ومتن الأجرومية في النحو.. مع قراءة القرآن الكريم، وما تيسّر من حفظه..، واستمر في التعليم حتى نال الشهادة العالية من كلية الشريعة عام 1381هـ، وقد تعيّن مفتشاً بوزارة المعارف مدة من الزمن، ثم انتقل إلى العمل في دار الإفتاء لدى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وبجانب الدكتور عبدالله بن محمد بن إسحاق آل الشيخ -رحم الله الجميع- وكان المسجد يجمعنا بالزميل الحبيب عبدالعزيز بن عبدالرحمن الزبن - أبو عبدالرحمن -رحمه الله- لاستذكار الدروس بعد صلاة العشاء دوماً، وغيره من طلبة العلم المغتربين أمثالنا، وأمثال الزميل الشيخ حمد بن إبراهيم المشعل - إمام الملك سعود - سابقاً - رحم الله الجميع -، وذلك لتقارب سكننا، ومساكنهم في تلك البيوت والأربطة التي أعدها وخصصها جلالة الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- للطلبة المغتربين من داخل المملكة وخارجها من اليمن، وبعض مناطق الخليج..، مع تخصيص مكافأة شهرية منه، ترغيباً، يستعين بها طلاب العلم، فالملك عبدالعزيز - تغمده المولى بواسع رحمته -، معنيٌ بمحاربة الجهل وتنوير صدوأبناء شعبه بالعلوم النافعة، وكذلك الوافدون والمقيمون..، في هذا الوطن الحبيب إلى قلوبنا وقلوب المسلمين، وكانت أيامنا في تلك الحقبة البعيدة التي نيّف عبورها على سبعين عاماً أي منذ 1369هـ من أجمل أيامنا مع مشايخنا الأجلاء، وزملائنا الأفاضل:
سبعون عاماً قد تولت كأنها
حلومٌ تقضت أو بروقٌ خواطف
فالإنسان مهما مر به من أيام وساعات أنس ومسرات في حياته، فلا بد أن يعقب ذلك ما يكدره حتماً، فالسعيد كل السعادة من يستعد مبكراً ليرحل بزاد من التقى قبل إيماءات شعوب للمغادرة إلى الدار الباقية:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له
من الله في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنها
متاع قليل والزوال قريب
وقد أُديت صلاة الميت عليه بعد صلاة العصر من يوم الخميس الموافق 29-6-1440هـ، ولئن غاب عن نواظرنا - أبو عبدالرحمن -، وبات تحت رُكام التراب، فإن ذكرياتنا الجميلة معه باقية في خواطرنا مدى العمر، - تغمد المولى الفقيد بواسع رحمته -، وألهم إخوته وأبناءه وبناته وعقيلتيه ومحبيه الصبر والسلوان -.
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف