الثقافية - محمد هليل الرويلي:
على الساحل الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية يا أعرابي عند التقاء الخليج العربي وبحر العرب, الذي تقف اليوم قبالة سواحله, دلت الأحافير المستكشفة على وجود حضارات بشرية قديمة تعود للقرن العاشر قبل الميلاد, عُثر في «مستوطنة الوطية» التابعة لمحافظة مسقط, على أدوات حجرية وأوانٍ فخارية ونقوش على الصخر تصور أساليب العيش في تلك الحقب البعيدة من عمر الزمن, سُمّيت بمجان أو «جبل النحاس», في النصوص الأكدية والسومرية, ما يؤكد ثراءها وأهميتها الاقتصادية. وصدَّرَت لأهم حضارات العالم (الفرعونيين) المنتجات التي كانت تحتاجها معابدهم لإقامة الطقوس الدينية وتقديم القرابيين للآلهة كابخور واللبان والجلود.
هاجر إليها العرب منذ القرن التاسع قبل الميلاد,. ثم حدث فيها التحول إلى الإسلام بلا معارك. كما ظلت مستعمرة برتغالية إلى أن استطاع رجال القبائل العمانية تحريرها سنة 1650م, فصُنِّفت أقدم بلد مستقل في العالم العربي.
أنزيدك في تاريخنا يا أعرابي إذ ما عهدناك سوى الحاوي القاوي على اصطان القول والمنقول, إن كان في جنانك حينًا أو في رقيمك المنشور.
فقلت وفي قول الأعرابي ما يبين: يا سلاطين السلطنة. أما جدودكم الأباعد فحُمَاة «بمجان», وأما أمسكم فباعد عنكم من الغزاة من باعد من الطامعين.. أما وقد علمتم البرتغاليين كيف يقبضون مناجيفهم فوق متون المراكب والأشرعة باهلين للريح العري هاربين. أما والله قد علم الأعراب تواريخ أمجادكم المقبوسة في طول أعراء السلطنة الرحيبة, غير أني سأغلق باب التاريخ الأصبح, وإني والله ما جئتكم سوى أني طروب لسماع شعركم, أثفه في طلبه مُذ سمعتُ القصيدة المنسوبة لجدِّكم «مالك بن فهم» التي طالما يرددها العرب إلى اليوم فيمن ينكر إحسان من أحسن إليه, ويجازيه بالإحسان إساءة:
أعلمه الرماية كل يوم
فلمَّا اشتد ساعِدهُ رَماني
رمى عيني بسهم أشقدي
حديدٍ شفرتَاهُ لهذمَانِ
توخاني بقدح شك قلبي
دقيق قد برَته الراحَتان
فلا ظفرت يداه حين يرمي
وشُلت منه حامِلة البَنانِ
فبكوا يا بني علي حولا
ورثوني وجازوا من رماني
اهتزت أكتاف كبيرهم وندت عنه ابتسامة مفترة ثم دنا مني وأمسك يدي وقال: أما وأنك جئتنا للشعر والأب والفن, فخذ عنا ومنا يا ابن الجزيرة من الشعر مبتداه ومن الرواية للنهاية, ولكن قبل أن يسدل علس الليل دعنا ننحدر من هذا الضيهب ونتجه صوب ظفار فما ضاحت جهاتها من المبدعين, حصرم قلمك وحبِّر به صحيفتك في جزئها الأول. أما في جزئها الثاني فسنصرف لك من شأن مسرحنا وفنوننا ونقدنا ما تشاء, اسجح به كما تشاء يا ساجح الخلق, وزد ولا تستكثر كوسعة سلطنتنا والمكان الذي طحا بك.
البدايات الشعرية العمانية
أوضح الناقد والشاعر «سعيد الصقلاوي»: أن البدايات الشعرية والأدبية في المجتمع الإنساني كانت أدباً شفاهيًا وليس أدباً مكتوباً سواء كان ذلك شعراً أم نثراً, إذ مضى وقت طويل حتى ظهرت المحاولات الأولى للكتابة, وعمان كذلك كمجتمع إنساني قديم نما وتطور الشعر والأدب فيها في هذا السياق بالرغم من مزامنة الحضارة في عمان لحضارة سومر في بلاد ما بين النهرين كما أشارت إلى ذلك الألواح السومرية وكذلك ملحمة جلجامش.
وأضاف: من المعروف أن عمان كانت تصدر النحاس والأحجار وغيرها إلى بلاد الرافدين بدأ من سومر التي أطلقت عليها اسم مجان ومروراً بالأكديين والأشوريين الذين أطلقوا عليها أسماء أخرى.. إن ظهور ملحمة جلجامش وغيرها في حضارة بلاد الرافدين، قد يحيلنا إلى ظهور أنماط شعرية وأساليب تعبيرية وأشكال من القول كان لابد من حضورها في عمان في ذات الحقبة.. إلا أن الشعر والأدب المكتوب لاتزال بداياته وحضوره يستدعي مزيداً من الكشف ويتطلب تكثيف البحث الأنثروبولوجي والآثاري.. ومؤخراً تم الإعلان عن اكتشاف ألواح كثيرة أثناء التنقيب الآثاري, رسم على هذه الألواح حروف كتابية عرفت على أنها أبجدية عربية قديمة قدر تاريخها بحوالي 2400ق. م. وجد لهذي الأبجدية مثيل في وادي السحتن بولاية الرستاق وأخرى في ظفار.
إن محاولة البحث لجسر التاريخ الأدبي أمر بالغ الأهمية وهو كذلك ليس بالأمر الهين ويتطلب جهوداً واسعة. ومما لاشك فيه أن الانقطاع التاريخي وبالتالي الشعري والأدبي عبر الفترات والعصور المتعاقبة يعد عائقاً كبيراً أمام قراءة التطور الثقافي والفكري والأنثروبولوجي.
وأوضح «الصقلاوي»: إن المتوافر بالنسبة للشعر في عمان ذلك الذي روته وتداولته كتب التراث العربي, شعر منسوب إلى مالك بن فهم الأزدي وأولاده (جذيمة وهناءة وسليمة) الذين تعاقبوا على ملك عمان في فترة قبل الإسلام. هناك من يعزو هذا الوجود إلى فترة (180 ق.م)، والبعض يعزوه إلى بعد انهيار سد مأرب (196 - 230م). لكن بعض المنقولات التاريخية التي تناولتها كتب التراث تربط بين مالك بن فهم وفترة الزباء وجذيمة الأبرش. معززة ذلك بأن هذه الحضور كان بعد الانهيار الثاني للسد الذي حدث في النصف الثاني من القرن الميلادي. وفي أواخر الدولة الفرثية (330 ق.م -226م.).. وبداية الدولة الساسانية في العراق. ومن المعروف أن الرومان قضوا على ملك زنوبيا في مملكة تدمر بقيادة الإمبراطور أورليانس 271م. التي كانت متزامنة مع ملك جذيمة في العراق.
وتابع: هذه الشعرية المتوفرة في مصادر التاريخ العماني والعربي لعلها تعود إلى هذه الحقبة الزمنية وهي نهاية القرن الثاني الميلادي التي تمثلها أشعار نسبت إلى مالك بن فهم وبنيه وبخاصة هناءة وسليمة ومن معه وجالسه من شعراء عمان آنذاك, تقدم لنا القصيدة سيرة الشاعر الذاتية متوشحة بذكريات الشباب والفتوة والبطولة عابرة الأمكنة ملتحمة بالوقائع وصانعة الأحداث السياسية ومأسورة بالحزن الذي قاد النهاية القاسية.
ألا من مبلغ أبناء فهم
مغلغلة عن الرجل العماني
وبلغ منهبا وبني بشير
وسعد اللات والحي المدان
تحية نازح أمسى هواه
بجنح البحر من أرض عمان
فحلوا بالسراة وحل أهلي
بأرض عمان في صرف الزمان
جلبنا الخيل من برهوت شعثا
لى قلهات من شرقي عمان
وبالعرنين كنا أهل عز
ملكنا بربراً وقرى معان
فيا عبا لمن ربيت طفلا
ألقمه بأطراف البَنانِ
جزاه الله من ولد جزاء
سليمة إنه سا ما جزاني
أعلمه الرماية كل يوم
فلمَّا اشتد ساعِدهُ رَماني
رمى عيني بسهم أشقدي
حديدٍ شفرتَاهُ لهذمَانِ
توخاني بقدح شك قلبي
دقيق قد برَته الراحَتان
فلا ظفرت يداه حين يرمي
وشُلت منه حامِلة البَنانِ
فبكوا يا بني علي حولا
ورثوني وجازوا من رماني
من الواضح أن هذا النسق الشعري بلغته اليسيرة وبنائه المشهود وسبكه المنضود قد تأسس على موروث شعري سابق أرفدته خبرات شعرية متراكمة الأمر الذي يؤكد فرضية قدم حضور الشعرية في النسيج الثقافي العماني وأهمية الدور الشعري الذي مارسة الشاعر والراوي في توثيق السير والأخبار الاجتماعية والسياسية.
التّجربة والتطور.. في الرواية العمانية
كشفت الناقدة الدكتورة عزيزة عبدالله الطائي أن هناك فجوة زمنية كبيرة بين الإصدارات الروائية العمانية, بين ظهور رواية «ملائكة الجبل الأخضر» 1965م, لعبدالله الطائي التي تمثل البداية التاريخية للرواية العمانية، ثم رواية «الشّراع الكبير» التي كُتِبها في نهاية الستينيات، وطبعها أبناء المؤلف عام 1981م, ونجد أن هناك ثلاثة وعشرين عامًا لم تشهد أيّ محاولة روائية تذكر حين نقارب الحديث عن تشكل جنس الرّواية في سلطنة عُمان.. فإنّما نحاول تقريبها إلى ذهن القارئ، ومتابعة نماذج من نصوصها المتباينة، لغة وأسلوباً وتقنية، وهذا يتطلب منّا متابعة تأريخها. فالروايات التي صدرت خضعت في تاريخها إلى التّقطع لا للاسترسال.
البدايات المتعثرة للرواية العمانية
وأضافت: تلت أعمال الطائي روايات ظهرت في الفترة من (1988-1995) ثلاث روايات لسيف السّعدي، وخمس روايات لحمد النّاصري، وست روايات لسعود المظفر، ورواية «مدارات العزلة» لمبارك العامري، ورواية «قيثارة الأحزان» لسناء البهلاني؛ وفي نهاية التسعينيات ظهرت «الطّواف حيث الجمر» لبدرية الشحي، وتعدّ أول رواية فنيّة بصوت نسائي. وهكذا يجد الباحث أنّ الرواية العمانية ظلتْ أسيرة البدايات المتعثرة، والخجولة لزمن طويل. على الرغم من البداية المبكرة لها التي سبقتْ البدايات الروائية في عدد من الدول العربية المجاورة. ويرى الباحث محسن الكندي إضافة إلى البدايات الأولى للأعمال الروائية المنشورة التي كتبها عبدالله الطائي في الفترة 1965- 1973، والتي شكَّلتْ نموذجاً للريادة، فإنّ أول نص روائي عماني، هو رواية الأحلام التي نُشرتْ عام 1939م لشخص مجهول في مجلة الفلق في شرق إفريقيا بزنجبار، وهي رواية قصيرة جدًا ذات أبعاد واقعية، واتجاه رومانسي.
وإذا تتبعنا مسار الرّواية في عُمان، نرى أنّها اتخذت عدة مراحل ومحطات ومنعطفات أثناء تشكلها الفني: ففي المرحلة الأولى والتي تمثل مرحلة البداية (1965- 1987) اهتمت الروايات بالجانب التّاريخي، وفي المرحلة الثانية التي تمثل مرحلة التّأسيس (1989-1999) عالجت الروايات الواقع الاجتماعي الذي يحيط بالإنسان محاولة التخلص من بعض العادات والأفكار الضّاغطة، بينما في مرحلة التطور (2000- 2017) فقد ركّزت الرّوايات في موضوعاتها على التّحولات والتّغيرات التي طرأت على المجتمع العماني؛ فاتحة نافذة من أساليب التّجريب.
فجاءت كلّ مرحلة من هذه المراحل الثلاث تمثل بطريقتها ونهجها شكلاً سردياً محدداً هو شكل محكيات الاستكشاف وخلخة البنى السّردية. وهذا ما يدعونا إلى التّأكيد على أنّ الرّواية العُمانية خاضت غمار التّجريب الرّوائي، واستطاعت أنْ تتخطى آليات صوغ ا لحكايات المتخيلة بأساليب متعددة، وهي في ذلك كلّه غامرت في الكتابة عن معرفة الإنسان والتّغيرات التي لازمته في مجتمع هو تاريخه ومصيره على امتداد سبعة عقود مثلتها مع النّشأة، والتّأسيس، والتّطور، كما أنَّها بالأساس وجهتنا إلى التّفكير في سبل تأسيس معرفة بذواتنا ومحيطنا وعوالمنا ومصائرنا.
وتابعت: اللافت للنظر أنْ الروايات التي صدرت مع الألفية تخلصت من الكثير من البنى التقليدية، والأسس المعرفية التي مثّلتها مرحلتي النشأة والتّأسيس، فغامرت مغامرة جديرة بالنظر والدرس والبحث، كما أنّها لا تدعي امتلاك المعرفة الكاملة أو الحقيقة المطلقة حول الإنسان أو المجتمع أو التأريخ، وهذا بلاشك تحول جديد وجدير يحسب للرواية في عُمان؛ خاصة وأنها بدأت تسير في مدارات بنى جديدة، ومسالك تكوينية متعددة.
إنّ الأدب الرّوائي في عُمان يتملكه الشّك والسّخرية واللايقين من كلّ أطر الحياة حوله، ولذلك فهو -لا يزال- يحاول أنْ يستعيد مكانته داخل العوالم الأدبية والثّقافية والمرجعية بنوع جديد من الصدق والاجتهاد والالتزام، لكن بعيداً عن المثاليات الحالمة، والآليات الجاهزة التي هيمنت على السّرد العُماني في عقود سابقة، فظهرت -ولا تزال- تثري السّاحة الثّقافية روايات عديدة صدرت في السّنوات الأخيرة تنحو هذا المنحى الجديد.. فهناك تحولات هائلة في السّرد الروائي. ولهذه التّحولات أسباب لم تكن عرضية أو طارئة، لكنها متساوقة مع التّحولات التي شهدها الإنسان العُماني، وتلاقحه مع مجتمعات وشعوب محيطة به.
وزادت: لم يعد الروائي العُماني نخبة في محيط أُمي، كما كان ذلك قبل نصف قرن -على سبيل المثال- نخبة متعالية على الحياة اليومية للنّاس العاديين الأميين، النخبة التي كانت تجهل تمام الجهل تفاصيل واقعها وهموم فردها البسيط في الشّارع والحقل والجامع والمؤسسة، وبهذا أسهمت الكتابة في حراك تكوّن الرّواية مع تفاعل الحركة الفكرية والاجتماعية التي عرفها المجتمع العماني. إننّا أمام كتابة تكشف عن تطور حدث في بنية الرّواية العُمانية، وتنوع قيماتها الموضوعية، فما عاد الرّوائي يهتم بالبنية الشّكلية بمقدار اهتمامة بالقضية التي ترتكز عليها مضامين الرّواية. فقد حاول الرّوائيون تجريب العديد من الأساليب السّردية التي تتفاعل مع البعد الإنساني في أبعاده الاجتماعية الفردية والكلية على السّواء. وتجلى ذلك كله في محاولة للرّوائي تأسيس لبنات فنية تعتمد طرائق سردية حديثة، وتمنح الثيمة الرّوائية بعدًا تنوعت فيه الصّياغة مع الوجود الإنساني كما يتركب منها المجتمع المحيط به، والعالم من حوله.
القصة القصيرة في السلطنة..
البدء والتطور
كشفت الكاتبة العمانية الأستاذة بشرى خلفان الوهيبي أن الكتابة القصصية في عمان تأخرت تأخرًا تماشى مع دخول عمان إلى عالم المدنية، «إذ إنه فن ارتبط بفترة ازدهار المجتمع العربي حضاريا، بانتقاله منطور البداوة إلى طور المدينة والعمران».. كما أشارت الدكتورة آمنة الربيع في كتابها البنية السردية للقصة القصيرة في سلطنة عمان 1980-2000، وعليه فإن القصة القصيرة كفن سردي لم يعرف في عمان إلا عند انتشار الصحافة والإذاعة والمؤسسات الثقافية الحاضنة، وهذا لم يحدث إلا بعد سبعينيات القرن المنصرم، رغم أن بذورها قد بدأت في التشكل قبل ذلك، مع بداية التعليم النظامي في عمان في1940م، ولكن نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية التي شكلت سلسلة متوالية من العقبات في النصف الأول من القرن العشرين، فإنها لم تتعدَ مرحلة البذار ولم تتطور لتكتمل كمنظومة مدنية متكاملة، قادرة على إبراز وتطوير الأشكال الأدبية الحديثة في السرد.
الصحافة لعبت الدور في القصة
وأضافت: ربما كانت الصحافة أهم مؤسسة ثقافية ترتبط بشكل وثيق بانتشار فن القصة وليس ذلك في عمان وحدها بل في العالم كله، إذ تأخر انتشار القصة القصيرة في العالم عن الأشكال السردية الأخرى كالرواية ولم يبدأ في الانتشار إلا مع انتشار الصحافة.
لقد صدرت أول صحيفة عمانية وهي «الوطن» في مسقط في 28 يناير 1971، متبوعة بعدد من المجلات والصحف التي اهتمت بالجوانب الأدبية والثقافية، بل وأصدرت جريدتي عمان الصادرة في 1972 والوطن، ملاحق ثقافية اهتمت بنقل الأدب العربي والعالمي إلى جمهور القراء العمانيين، ونشر مساهمات الكتاب العمانيين فيها، وبهذا فتح باب للتعرف على ما هو جديد في عالم الأدب وفنون الكتابة، وكذلك بداية تجريب الكاتب العماني لأشكال أدبية جديدة، غير الشعر، لإيصال أفكاره وبث عواطفه وهواجسه.
وتزامن تاريخ كتابة القصة القصيرة العمانية مع ظهور القصة في الخليج العربي في البحرين والكويت، إذ نشر الأديب عبدالله الطائي العديد من قصصه في الصحف الخليجية في أربعينيات القرن المنصرم، كما ذكر د. محسن الكندي في كتابه (عبدالله الطائي وريادة الكتابة الأدبية الحديثة في عمان) الصادر في 2008، إلا أن أول مجموعة قصصية عمانية نشرت كانت «سور المنايا» لأحمد بلال وصدرت في عام 1981، متبوعة بـ «وأخرجت الأرض» و» لا يا غريب» للكاتب نفسه. ثم «قلب للبيع» لمحمود الخصيبي في 1983، و»التباسات قصصية» لسيف الرحبي في1983 ثم «انتحار عبيد العماني» لأحمد الزبيدي في1985، وغيرهم من الكتاب العمانيين في ثمانينات القرن الماضي، مثل إحسان صادق سعيد، ومحمد الهنائي وعلي الكلباني، وسعود المظفر ومحمد القرمطي وصادق عبدواني، وحمد الناصري وعبدالعزيز النقبي.
وشهدت التسعينيات زخماً في الإنتاج القصصي وظهر الكثير من الكتاب العمانيين مثل، حمد رشيد في مجموعته «زغاريد الصهيل»، ومحمد علي البلوشي «مريم»، ويونس الأخزمي، وعلى المعمري، وإسماعيل السالمي، ويحيى سلام المنذري، ومحمد سيف الرحبي، وسالم آل تويه، وعبدالله حبيب، وبدر الشيدي، ونمير آل سعيد وسالم الحميدي ومحمود الرحبي وخالد العزري، كما شهدت التسعينيات إصدار أول مجموعة قصصية لكاتبة وهي «سبأ» لخولة الظاهري في 1998.
وفي بدايات الألفية الجديدة بدأت مرحلة جديدة من مراحل نضج التجربة القصصية في عمان، على أيدي كتاب جدد وآخرين امتدت تجربتهم من التسعينيات، ولقد زاد عدد الإصدارات القصصية من 2000-2008 على الخمسين مجموعة قصصية كما ذكر الدكتور علي بن سعيد المانعي في دراسة له حول تاريخ وواقع القصة العمانية القصيرة والمنشورة في العدد الخامس عشر من ملحق «نون» الذي صدر من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في السادس من سبتمبر 2010، كما بلغت عدد المجاميع القصصية التي صدرت حتى 2015 ما يزيد على 150 مجموعة، بحسب إحصاء الباحث وليد النبهاني.
وعزا الدكتور المانعي هذا الاطراد في إنتاج القصة القصيرة في عمان إلى اهتمام المؤسسات الحكومية والأهلية بهذا الشكل السردي من خلال إقامة الندوات النقدية والمسابقات ورصد الجوائز التشجيعية، بالإضافة إلى النشاط الصحفي من خلال الملاحق الثقافية، والملاحق الثقافية شبه المتخصصة مثل ملحق «أقاصي» الذي كان يصدر عن أسرة كتاب القصة، والذي اجتهد فيه قصاص مثل الخطاب المزروعي وحمود الشكيلي، دافعين من خلاله بحركة القصة القصيرة في عمان نصاً ونقداً.
وبينت الكاتبة بشرى خلفان الوهيبي: أن الألفية الجديدة شهدت إلى جانب اطراد حركة النشر بروز قوي كماً ونوعاً للكاتبات العمانيات مثل: جوخة الحارثي، طيبة الكندي، زوينة خلفان، طاهرة اللواتيا، فاطمة العبيداني، مريم النحوي، هدى حمد، أزهار أحمد، رحمة المغيزوي وليلى البلوشي, وكاتبة السطور. كما اكتسب كتاب القصة في هذه المرحلة ما يكفي من الثقة بمنتجهم القصصي مما دفع بهم للتنافس على الجوائز العربية مثل جائزة يوسف إدريس التي نالها سليمان المعمري في أول دورة لها عن مجموعته «الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة»، وفوز جوخة الحارثي عن «مقاطع من سيرة لبنى إذ آن الرحيل», ومحمود الرحبي عن «أرجوحة بين زمني» في جائزة دبي الثقافية.
ومع دخول العقد الثاني من الألفية الثانية، شهد إنتاج القصة القصيرة في عمان شيئاً من التباطؤ وذلك لتوجه الكثير من كتاب القصة إلى كتابة الرواية، لكنه شهد أيضاً بروز أسماء جديدة ومجددة مثل سمير العريمي، عبدالله الغافري، وليد النبهاني ومعاوية الرواحي، وإشراق النهدية، ونوف السعيدي.
ولم تزل القصة في عمان تتطور وتعيد تشكيل نفسها بخروجها عن المواضيع والأساليب التقليدية، مستفيدة من فنون بصرية مختلفة مثل السينما والتشكيل، محاولة خلق فضاء قصصي جديد على المستويين الشكلي والموضوعي، متمردة على الأطر والقوالب ومؤكدة على فردانية الرؤية الإبداعية.
«ظفار» القصص .. أنموذجاً
وحول التجربة القصصية في ظفار بينت القاصة إشراق النهدي: إن الإنسان في حقيقته كائن قاص، ولدت معه القصة منذ فجر التاريخ، إذ لم تكن حياته سوى سلسلة من القصص الطويلة كان هو بطلها الأوحد وإن لم يكن كاتبها الوحيد. وسنتناول على شكل التخصيص هنا وضع القصة القصيرة في الجنوب (ظفار), مشيرة إلى وجود بعض من نماذج كتاب القصة القصيرة المعروفين في التسعينيات ممن لهم إصدارات مطبوعة حيث قالت: نذكر المعروف القاص والروائي أحمد عمر الزبيدي ابن ظفار وابن التاريخ الممتد بكل أحداثه، والمولود في تيه عزلتها الأولى، تخرج من المرحلة الابتدائية بالمدرسة السعيدية بظفار عام 1960، ثم انتقل بد ذلك إلى العاصمة مسقط، في العام 1978 وكتب مجموعته القصصية الأولى «انتحار عبيد العماني» 1985م.