حاورها - حمد الدريهم:
منذ عقود ولا تزال تحاول تعميق الصّلات الحضارية ما بين الثقافتين العربية والإيطالية وإعادة روح الإرث العربي الذي كان حاضرا بقوة في صقلية بإيطاليا عبر مؤلفاتها الكثيرة منها: «الشعراء العرب في صقلية»، بالإضافة إلى دراساتها الأكاديمية التي تناولت الكثير من القضايا في العالم العربي.
«المجلة الثقافية» التقت بالمستشرقة الإيطالية والبروفسورة بجامعة روما لويس: فرانشيسكا ماريّا كورّاو؛ لنحاورها حول مؤلفاتها والاستشراق الإيطالي وواقع العلاقة ما بين الشرق والغرب بالإضافة إلى قضايا أخرى، فإليكم الحوار:
*بداية أود أن أسألكم عن كتابكم الذي صدر بالإيطالية عام 2018م المعنون بـ: «الإسلام ليس إرهابا» عن دار إلميلينو، ما الذي تتوقعينه أن يضيف هذا الكتاب؛ لاسيما أن هناك بعض الأصوات المعتدلة في الغرب تناولت هذا الموضوع، هل عنيت أن يكون موجها للداخل الإيطالي بصورة أساسية؟
طلب مني رئيس البرلمان الإيطالي السابق (لوتشيانو فيولانتي) أن أكتب هذا الكتاب بسبب المعلومات غير الكاملة في الصحف ووسائل الإعلام الإيطالية حول الإسلام؛ لذا طلبتُ من ثلاثة عشر مثقفا أن يكتب كل واحد منهم بحسب تخصصه حول موضوعات معينة؛ لكي نسهم في تقديم فكرة مركزة وحتى يكون للناس فكرة عامة عن تلكم الموضوعات فمثلا الأستاذ (ماسيمو بابا) كتب عن الشريعة الإسلامية والأستاذ (كلاوديو لوريانكو) كتب حول تاريخ الإسلام و(إيدا زيليو غراندي) عن معنى أسماء الله الحسنى وقيمتها الأخلاقية وغيرهم.. أما بالنسبة لمسألة أن هناك بعض من تطرق لهذا الموضوع في السابق، فدعني أقول لك إن حياة بعض الكتب من ناحية تسويقية مثل حياة الإنسان تذهب وتموت؛ لذا نحن بحاجة لطرق بعض الموضوعات مرة أخرى مهما تقادم الزمن فمثلا أنا ألّفتُ كتابا عن (الشعر العربي من الجاهلية إلى اليوم) منذ عشرة أعوام تقريبا، الآن الكتاب لم يعد موجودا في المكتبات.. والغريب لم يعد لدي الوقت لكي أجدد الكتاب بسبب انشغالاتي الكثيرة بالتدريس.
* من يتأمل عنوان كتابكم: «الإسلام ليس إرهاباً» يوحي إلى أن فحوى الكتاب يحمل نفسا دفاعيا، وهذا عاد بي إلى الذاكرة كتاب المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاغليري: «دفاعا عن الإسلام» وكتابات العديد من المستشرقين الإيطاليين أمثال ليون كايتاني.. وغيرهم، لماذا يبرز دائما النفس الدفاعي في الاستشراق بإيطاليا؟ أليست الحضارة العربية الإسلامية بحاجة ماسة إلى النقد الذي يسهم في تصحيح المسار الحضاري المتطلع للنهضة؟
يبرز الدفاع بسبب طبيعة الثقافة المضادة التي تتكون ضد الثقافة العربية من قبل بعض المثقفين الإيطاليين؛ لذا نحن في حوار دائم معهم، وتصور قليل منهم ممن هو مهتم أو حتى يعرف بـ ليون كايتاني وفاغليري.
وهناك سبب آخر هو أن الثقافة العربية غير موجودة بصورة قوية وفاعلة بل تكاد تكون ضعيفة مقارنة بالثقافتين الإنجليزية والفرنسية، من وجهة نظري يعود ذلك لعدة أسباب من بينها وجود دور النشر التي تترجم وتهتم بنشر الثقافتين الإنجليزية والفرنسية هنا بإيطاليا على عكس الثقافة العربية.
* في بدايات دراستكم واهتمامكم بالعالم العربي كان أقل تمزقا، اليوم أمام خريطة العالم العربي الممزقة بالصراعات والحروب، هل يمكن القبض على رؤية استشراقية واحدة متماسكة اتجاه العالم العربي؟
لا يمكن لأن هناك اختلافا ما بين طبيعة مناطق العالم العربي نفسه، وللأسف أن الناس هنا لا تعرف عن العالم العربي سوى ربطه بالعنف والإرهاب وذلك بسبب الأخبار السيئة الدائمة التي تكون في وسائل الإعلام عن العالم العربي، وكما أنهم لا يعرفون بأن المغرب العربي يختلف عن الخليج العربي فهم يعتقدون أنه كتلة واحدة وعالم واحد.. وهذا أيضا ينطبق على المثقفين الإيطاليين من الممكن أن تجد 30% منهم يعرف هذا الأمر لكن 70% الباقية لا تعرف.
*أنتِ معنيّة بدراسة ثقافة الآخر، ألم يفرض زمن الحداثة السائلة الكونية حاليا ثقافات متشابهة الروح في هذا العالم مما قد يهدد جدوى وفاعلية دراسات ثقافة الآخر مستقبلا أم أننا سنظل نحتاجها في كل زمن؟
في إيطاليا بذلنا جهدا كبيرا لمحاولة معرفة الآخر فأنا كتبت قرابة ثلاثين كتابا وزميلتي البروفسورة (إيزابيلا كاميرا) مع تلاميذها نشرت قرابة خمسين كتابا بالإضافة إلى أن هناك العديد من الطلاب يشتغل في الترجمة والأمر ينطبق ذاته على لغات أخرى مثل اليابانية والصينية والهندية وغيرها من اللغات، كل هذا الجهد لكي نقترب أكثر من الآخر وهذا أمر مهم لأن في معرفة الآخر غنى للبشرية. أما بالنسبة للمستقبل فالاختلاف سيظل بين الثقافات والحوار ومعرفة الآخر سيبقى بصورة دائمة إن نحنُ أردناه ولابد أن نعمل دائما معا لخلق هذا الحوار لكي نساهم في البناء كما يقول الفيلسوف الياباني (دايساكو إيكيدا): «لابد أن نعمل معا لكي نبني إنسانية جديدة».
*ذكرت في أطروحتك المعنونة بـ: «الإعلام وتمكين المرأة المسلمة» بأنه: «يجب أن يأتي تمكين المرأة المسلمة من أعماق المجتمع، لابد أن تجد المجتمعات المسلمة المحافظة الظروف الملائمة؛ لمنح المرأة دورا أكثر اكتمالا في الحياة اليومية» هل يمكن تحقيق ذلك بالرغم من الذهنية العميقة المتجذرة ضد المرأة التي قد توجد أحيانا في بعض المجتمعات العربية والمسلمة؟
الذهنية العميقة المتجذرة ضد المرأة موجودة في مجتمعات العالم كله وليست حصرا على مجتمع دون آخر، فمثلا في إيطاليا هناك عنف ضد المرأة وفي الهند هناك أمور فظيعة تحدث ضد المرأة وغيرها من الأماكن حول العالم.
ستجد نصوصا في النظام الفكري لأي ثقافة تدعم المرأة وتؤيدها؛ لكنه للأسف مجرد تنظير لا يطبق على أرض الواقع، لابد للمرأة دائما أن تحترم نفسها أولا ويجب على كل فرد من أفراد المجتمع أن يتحمل مسؤوليته اتجاه حقوقها.
*هناك بعض الأصوات في الثقافة العربية تشبّه وتقارن بين حالة التخلف في العصور الوسطى بأوروبا وبين حالة التخلف الآنية بالشرق الأوسط؛ بالرغم من اختلاف الجغرافيا والتاريخ المتراكم بين المنطقتين، هل الشرق الأوسط يعد حالة استثنائية تاريخية؟
هناك من لا يرى الحقيقة بصورة واضحة، لا يمكن أن نقارن بين ما يحدث اليوم وبين ما حدث في القرون الوسطى. على سبيل المثال، أنا زرتُ إحدى جامعاتكم بالرياض وصادفتُ تكريما خاصا لمجموعة من مهندسات الفضاء ففي القرون الوسطى لم يكن هذا الشيء موجودا وغيرها من الأمور التي لم تكن موجودة في القرون الوسطى.
طبيعة الحياة في كل الأزمنة أنها لا تخلو من تحدٍ وصراع بين الحياة والموت، التقدم والتخلف، الخوف والشجاعة في كل الأحوال نحن دائما نحتاج إلى المعرفة العميقة لكي نُوجد القوة القادرة على التغيير من التخلف إلى التقدم.
* في أوج أحداث العالم العربي التي حدثت عام 2011م صدر في العام نفسه كتابكم: «الثورات العربية: التحول المتوسطي»، ألم يكن الأجدى التريث لفهم أعمق اتجاه تلكم الأحداث، أم أنك أردت توثيقا لحظيا لتلكم الأحداث من وجهة نظر محايدة؟ الآن بعد مرور هذه السنوات ما رؤيتكم التحليلية اتجاهها هل هي ذاتِها كما طبعت في كتابكم؟
كتبتُ ذلك الكتاب بالشراكة مع بعض تلامذتي، أنا كتبتُ فصلين عن النهضة الفكرية التي حدثت بالشرق الأوسط خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وأشرتُ إلى التحول الدائم الذي يحدث في المجتمعات العربية.
عملية التغيير والتطور الإنساني مستمرة فهي دائمة كموجة البحر بين مد وجزر، وهذا الأمر ينطبق على طبيعة الثورات ونتائجها كما حدث في الثورة الفرنسية خلال القرن الثامن عشر كان هنالك ثورة ثم حدث تراجع فظيع وفشل تام ثم حدثت ثورة أخرى في عام 1830م. وهي نتيجة حتمية لقوة الصراع ما بين التقدم إلى الأمام والتراجع إلى الخلف.
تلكم الأحداث التي حدثت في العالم العربي مهمة جدا لأنها أحدثت تحولات كثيرة منها ما نشأَ من حوار عنيف -مع الأسف- ما بين الأحزاب السياسية المرتبطة بالدين والأحزاب الأخرى وبالمناسبة هذا يحدث في كل بلدان العالم فمثلا لدينا بإيطاليا أحزاب ترى العودة للخلف وأخرى ترى التقدم والتطور وهناك أحزاب عنصرية.
بسبب مزالق التغيير التي تجري في تلكم البلدان، التي أتمنى أن تتحسن الأمور فيها، لا أرى أن نسميه بـ»الربيع العربي»؛ لأن كلمة الربيع تحمل فصلا واحدا بينما طبيعة الثورات دائمة التحول وغير ثابتة إذا تأملنا تاريخها.
* في العصر الحديث، من يتأمل علاقة الشرق -أعني بالشرق هنا العالم العربي تحديدا- بالغرب، يجد أنه في كل فترة تتحور الأسباب؛ لكن تبقى ذهنية التوتر حاضرة بقوة. فعلى سبيل المثال كانت في فترة ما بسبب الاستعمار الأوروبي لبعض أجزاء العالم العربي، أو بسبب إنشاء دولة إسرائيل ودعم بعض دول الغرب لها، أو أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من أزمات في فترة أخرى، وأخيرا ما حدث بعد 2011م في العالم العربي وما خلفته من أزمات ألقت بظلالها على أوروبا، هل ذهنية التوتر المتجذرة دليل على صدق قول الشاعر الإنجليزي روديارد كبلينغ: «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا»؟ كيف يمكن أن نستغل بعض الفترات المضيئة للعلاقة بين الشرق والغرب حتى تكون هي المتن والأصل في العلاقة بينهما؟
طوال حياتي حاولتُ نشر ما يساهم في تعزيز وتعميق التواصل الثقافي ما بين الشرق والغرب وتحديدا عن العلاقة ما بين العربِ والصقليين في القرون الوسطى وعن أثر الشعر العربي في الشعر الإيطالي بالإضافة إلى ترجمتي للعديد من القصائد.
إذا نظرنا إلى الماضي سنجد أن دانتي كان مهتما بالثقافة العربية وأيضا أثّر ابن رشد على الثقافة الأوروبية نحن علينا أن نكمل طريقهم وأن نبذل جهودنا كمثقفين لتعزيز ذلك التواصل.
نحن نعرف أن هناك من النخب في الشرق والغرب من لديه توجس من الآخر وربما بعض رؤاه وأفكاره تساهم في ذلك التوجس وهذا يحصل دائما، فمثلا إذا أخذنا بما يراه هنتجتون أو بما قاله روديارد كبلينج فلن يكون هناك تواصل، فكل ما علينا فعله أن نواصل البناء حتى يكون أساسا دائما للتواصل الحضاري في المستقبل.
* بالرغم من عمق الثقافة الإيطالية وتأثير نتاجها على العالم وبروز العديد من الأسماء ذات التجارب الفريدة في فترات متعددة مثل: أمبرتو إيكو، غرامشي بازوليني، جورجيو أقامبن وغيرهم؛ إلا أنني ألحظ غياب شبه تام في مؤلفاتك عن تناول تجاربهم أو حتى الاقتراب من الأدب الإيطالي، ألهذه الدرجة هوى الشرق ذائب في أعماقك؟ أم أن الصرامة الأكاديمية فرضت نفسها على طبيعة مؤلفاتك؟
في كتابي «الشعراء العرب في صقلية» أشرتُ إلى بعض الشعراء الإيطاليين، كما أنني سبق وأن اشتركت في مؤتمر عن الكاتب الإيطالي (ليوناردو شاشا) وكتبتُ كتابا عنه سينشر قريبا باللغة الإيطالية أتحدث فيه عن اهتمامه وعلاقته بالثقافة العربية ومنذ أسبوع تقريبا كتبت مقالة عن الشاعر الإيطالي جيوسيبي أونجاريتي المولود بالاسكندرية عام 1888م تتحدث عن علاقته بالثقافة العربية.
وللأسف -حسب ما أعرفهُ - لا يوجد ترجمات عربية لأونجاريتي وليوناردو شاشا سوى ما ترجمهُ الشاعر العراقي سعدي يوسف لأونجاريتي وترجمة قصة قصيرة لليوناردو شاشا تُرجمت في مصر. أتمنى أن أرى بالسعودية من يهتم ويترجم الأدب الإيطالي للعربية وأن أرى ترجمات للذين ذكرتُهُم بالإضافة للشاعر الإيطالي فيليبو توماس مارتيني وهو مولود بالإسكندرية أيضا ومن جيل الشاعر أحمد شوقي تقريبا وهناك أسماء أخرى كثيرة أتمنى أن أراها.
* لديكم إسهام معرفي حول الشاعر العربي «ابن حمديس» المولود في صقلية، ونتج عنه إضافة ذلك الشاعر في أنطولوجيا الشعر الإيطالي، ماذا يعني لكم هذا الإسهام؟ وهل هذا اعتراف من المؤسسة الرسمية الإيطالية بأن اللغة العربية مكون رئيس لجذور الثقافة الإيطالية كما هي اللاتينية؟
نعم لقد كتبت عن الشاعر (ابن حمديس) ونتج عن ذلك إضافته إلى أنطولوجيا الشعر الإيطالي مؤخرا، أنا سعيدة جدا بهذه الإضافة المهمة جدا. بالنسبة للاعتراف لم نصل بعد إلى الاعتراف الرسمي من قبل المؤسسة الإيطالية الرسمية فهناك قوى بإيطاليا ترفض بشدة الاعتراف بالثقافة العربية وتأثيرها في أعماق الثقافة الإيطالية وتقف ضده؛ ولكن خطوة إضافة (ابن حمديس) تعد خطوة مهمة جدا.
في إيطاليا كما في معظم بلدان العالم، هناك من يرى الانفتاح وتقبل الآخر وهناك من يرى العكس تماما. على سبيل المثال، كما تعلم حصل لقاء تاريخي في الإمارات ما بين البابا فرانسيس وشيخ الأزهر، في إيطاليا هناك من أيد هذا اللقاء بقوة واعتبرها خطوة مهمة للعلاقة ما بين الإسلام والمسيحية وهناك قوى أخرى غاضبة ترى العكس ولا تؤيد ذلك اللقاء وترفضه.
* من المعروف أن المملكة العربية السعودية غنية بالمبدعين السعوديين وتمثل المملكة عمق العالم العربي، هل من الممكن أن تتناولي بعض التجارب السعودية مستقبلا في مؤلفاتك؟
سبق وأن نشرت عدة قصائد للشاعر السعودي محمد جبر الحربي في كتابي عن الشعر العربي وكان حاضرا في أمسية نظمتها عام 1987م مع شعراء عرب مثل بلند الحيدري ومحمد بنيس وأدونيس وغيرهم.
* قبل سنوات عديدة قال الكاتب الأرجنتيني بورخيس: «أنا في صدمة مستمرة ولكن أحاول أن أعيش في مساحتي الخاصة، منعزل في عالمي الأدبي الخاص..» اليوم في عالم الصدمات الهائلة على كوكب الأرض، كيف يمكن للمنشغل بالثقافة أن يخلق عالمه الخاص؟
لا يمكن للأديب أو المنشغل بالثقافة أن يعيش خارج العالم الواقعي؛ لكنه أثناء الكتابة لابد أن يعيش في عالمه ومن ثم يعود إلى العالم الواقعي والإنسان بطبيعته يكتب لكي يقدم أفكارا ويبني حوارا مع الآخرين..
س/بمناسبةِ ذكرنا لبورخيس أعرفُ أنه دار حوار بينكما حول الثقافة العربية ما طبيعة ذلك الحوار؟
من حسن الحظ أنني عرفت بورخيس عن قرب عندما زار صقلية للمشاركة في مؤتمر عن السيميائية بحضور أمبرتو إيكو، هو أشار في أحد كتبه بأن فكرة مسرح خيال الظل غير موجودة عند العرب، فأنا أوضحت له وقلت له هذا غير صحيح؛ لأن في القرون الوسطى كان عند العرب مسرح خيال الظل وكان منتشرا في العالم الإسلامي، تقبّل مني هذا التوضيح وكان سعيدا به وأشار بأنه لم يكن يعرف عن هذا من قبل.
* منذ «جيرارد كريمونا» المترجم الإيطالي في القرون الوسطى إلى «فرانشيسكا كورّاو» اليوم، هل اختلف دافع الترجمة من العربية عبر الزمن، أم أن دافع محاولة فهم الآخر يبقى جذرا قويا وثابتا في كل الأزمنة؟
شكرا جزيلا لأنك وضعتني في سؤالك بجوار جيرارد كريمونا وأقول لك مثل ما قلتُ في حفل تكريمي بجائزة كريمونا للترجمة: (أنا أبقى صغيرة أمام كريمونا) في الماضي في عصر كريمونا كان المترجم يشتغل دائما لأجل التبادل الثقافي ولأجل فهم الآخر ولنقلِ المعرفة، فشكرا للإمبراطور فيدريكو الثاني الذي اهتم بالترجمة ولأمراء العرب بالأندلس وللرهبان في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا ولا ننسى الملك ألفونسو الذي اهتم بالترجمة والمترجمين وساعدهم في القرن الثالث عشر. اليوم لايزال نقل المعرفة وخلقِ الحوار البنّاء هو الهدف الذي تبذله الجامعات وأقسام الترجمة لأجل تحقيقه. آمل أن تسهم ترجماتي في الحوار وتعميق الصلات ما بين الحضارات كما فعلت أعمال جيرارد دا كريمونا.
*حول الأثر والتأثر بين الثقافات، البعض ممن هو مهتم بالاستشراق وبالإرث العربي بصقلية تحديدا يرى بأن مخطوط كتاب ابن ظفر الصقلي: «سلوان المطاع في عدوان الأتباع» الذي يتحدث عن فن الحكم والسياسة قد تأثر به ميكافيللي عبر كتابه المعروف (الأمير)، ما مدى صحة ذلك؟
الذي أعرفهُ أن كتاب ابن ظفر الصقلي تُرجم ونُقل إلى مكتبة بولونيا وذلك الكتاب مهم جدا يتحدث عن فن الحُكم وكيف يتصرف الحاكم مع الشعب.
من الممكن جدا أن ميكافيللي حصل على هذا الكتاب وقرأه، الذي يهم هو أن الأثر والتأثر بين الثقافات وارد لا محالة وكل هذا يحصل بسبب الترجمة التي تلعب الدور الأكبر في ذلك.
*تربطكم صداقة قوية مع الأديب الإيطالي المعروف (ليوناردو شاشا) الذي قدّم كتابكم: (نوادر جحا) الصادر عن دار (موندادوري) الشهيرة بإيطاليا وأخرى مع الشاعر الإيطالي فاليريو ماغريللي، ما جذور تلكم الصداقة؟
من المعروف أن ليوناردو شاشا ولد بصقلية وكان صديقا لأبي.
ليوناردو شاشا كان مهتمًّا بتاريخ العرب وأراد أن يعرف أكثر وأعمق عن تاريخهم فاتصل بالمستشرق الإيطالي الشهير أمبرتو ريتستانو الذي ألّف عدّة مؤلفات عن العرب في صقلية فعلى أساس هذه المعرفة بين ريتستانو وشاشا، ألّف ليوناردو شاشا روايته الجميلة جدا: «مجلس مصر»، قرأتُها وعندما كبرت ورجعت من دراستي في مصر، قابلته في بيت أبي وأخبرته عن دراستي للماجستير بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وعن نوادر جحا التي أُعجب بها ونصحني بأن أنشرها في كتاب؛ لذا قدّم الكتاب وكان سعيدا جدا بهذا.. قررت أن أنشر الكتاب عن دار موندادوري ولايزال يباع منذ ثلاثين عاما.
أما بالنسبة للشاعر فاليريو ماغريللي الذي كتب موسوعة الشعر الإيطالي وأضاف (ابن حمديس) سبق أن عملنا على شعراء العرب في صقلية ونحن زملاء منذ زمن بعيد، عندما كنا صغارا درسنا في نفس المدرسة.
الصداقة والمعرفة بين الأدباء والمثقفين مهمة جدا لكي تنتج مشاريع ثقافية وأدبية.
* كلمة أخيرة تودين أن تقوليها؟
يجب علينا أن نبذل جهودا كبيرة لكي نبني إنسانية جديدة كما يشير الفيلسوف الياباني دايساكو إيكيدا، والثورة الحقيقية نفعلها عندما نغير من أنفسنا، آمل أن تستمر مثل هذه الحوارات في المستقبل.