تقديم المترجم: هذه المادة مترجمة بتصرف عن الفصل الخامس من كتاب «الصحافة العربية» للبروفيسور ويليام رف، طبعة يناير 2004 . السفير البروفيسور ويليام رف هو أستاذ زائر للدبلوماسية العامة في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس الأمريكية. وعمل دبلوماسياً للولايات المتحدة خلال 1964- 1995، حيث أدى تسع مهام دبلوماسية في العالم العربي. حصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كولومبيا الأمريكية. كما أنه عضو في مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في بيروت. وتشكِّل هذه المادة الفصل الثاني من كتاب «الصراع السياسي والتحيز للحضر في الصحافة الكويتية المعاصرة» الذي صدر مؤخراً من إعداد وترجمة وتعليق حمد العيسى، ومن تأليف الباحث النرويجي د. كتيل سلفيك وآخرين، وصدر في 648 صفحة عن منتدى المعارف في بيروت. وننشر هنا موجزاً لهذا الفصل بعد حذف الجداول التي لا تناسب النشر الصحافي. وينبغي قراءة هذه المادة في سياق تاريخ نشرها عام 2004:
وأعلن الرئيس لحود، في عام 1999، أنه لن تتم ملاحقة قضائية ضد أي صحافي بسبب كتاباته أو آرائه؛ ولكن الحكومة تتخذ إجراءات ضد بعض الصحف. فعلى سبيل المثال، أغلقت الحكومة «نداء الوطن» في عام 1993 لمدة 38 يوماً؛ وهي صحيفة مملوكة لماروني خصم لرئيس الوزراء رفيق الحريري. واتهمت بالتحريض على الفتنة الطائفية لزعمها أن رفيق الحريري كان يشتري كنائس ويحوّلها إلى مساجد بهدف أسلمة لبنان. وأغلقت الحكومة في عام 1993 صحيفة «السفير» لمدة أسبوع لنشرها أسرار الدولة عندما نشرت نص عرض إسرائيلي قُدم إلى الوفد اللبناني في محادثات السلام. كما أغلقت الحكومة صحيفة «الشرق» لمدة أسبوع واحد لنشر كاريكاتير مهين لأسرة الرئيس اللبناني. واتهم النائب العام، في أكتوبر عام 1993، كل من «اللواء» و«الديار» بتشويه سمعة مسؤولين حكوميين. واتهمت الحكومة، في عام 1998، العديد من الصحف بانتهاك قانون الصحافة. ووجّهت الحكومة، في فبراير 1998، ثلاث اتهامات ضد صحيفة «الديار» لإهانة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والسلطة القضائية. وأيدت المحكمة العليا، في يناير 1998، حكما صدر عام 1997 من قبل محكمة المطبوعات والذي قضى بأن يدفع رئيس تحرير صحيفة «الكفاح العربي» اليومية غرامة قدرها 30.000 دولار لإهانة رئيس عربي. ورُفعت دعوى قضائية عام 1999 ضد بيار عطا الله، الصحافي في «النهار» الذي اُتّهم غيابيا في عام 1998 بإهانة السلطة القضائية وزيارة إسرائيل.
ووجّهتِ الحكومة اللبنانية، خلال عام 1996، اتهامات ضد العديد من الصحف؛ فعلى سبيل المثال خلال فترة قصيرة مدتها عشرة أيام، اُتّهمت ثلاث صحف («الديار» و«اللواء» و«نداء الوطن») وأسبوعيتان («الكفاح العربي» و«المسيرة») بإهانة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونشر مواد تعتبر مستفزة لطائفة دينية محددة. وحصلت «الديار» على خمسة اتهامات، وحُكم على مالكها ورئيس تحريرها بالسجن عامين مع غرامة هائلة. وفي المقابل، لا تزال عشرات الصحف والمجلات تصدر وتعبر عن وجهات نظر مختلفة ومتعارضة وتُموّل من قبل رعاة محليين وأجانب، وتعكس الصحف دائماً وجهات نظر هؤلاء الراعين السياسيين، وتستمر الانتقادات اليومية للقادة السياسيين من قبل العديد من الصحف.
وتقدّم المجلات الأسبوعية اللبنانية، مثل الصحف اليومية، مجموعة متنوعة من التوجهات السياسية والدينية التي لم تمحها الحرب الأهلية. وانخفض عدد المجلات الأسبوعية بسبب الظروف غير المستقرة في البلاد؛ ولكن بحلول عام 1986 كان هناك 30 مجلة أسبوعية سياسية، وكانت تعرض مجموعة واسعة من الآراء والتوجهات التحريرية. وعبّرت أسبوعية «المسيرة» عن وجهات نظر حزب الكتائب المسيحي، وكانت «الأمل» تمثل حزب أمل الشيعي المعتدل. وأما «العهد» فكانت تمثل حزب الله الشيعي الراديكالي، وعبرت «الأنباء» عن الدروز والحزب التقدمي الاشتراكي. كما نقل العديد من الناشرين مكاتبهم من بيروت إلى أوروبا خلال الحرب الأهلية، حيث أصبحت المطبوعات الأسبوعية اللبنانية تطبع في باريس ولندن ولا يقرؤها فقط المغتربون العرب؛ بل ترسل من هناك إلى البلدان العربية، بما في ذلك لبنان. وبحلول عام 2000، كان هناك أكثر من 50 رخصة لصحف يومية؛ ولكن المُستخدم كان أقل من النصف. وإجمالاً، كان عدد الدوريات التي تصدر 50 تقريباً. (14)
عاملان أسهما في جعل الصحافة اللبنانية الأكثر حرية هناك عاملان أديا إلى جعل الصحافة اللبنانية الأكثر حرية في العالم العربي:
أولا، فشلت الدولة في كبح نقد الصحافة مثل بقية الدول العربية المستبدة التي نجحت في كبحها، كما أن الصحافة طوّرت نوعاً من التنظيم الذاتي لحماية نفسها كمؤسسة.
ثانيا، والأكثر أهمية، انعكس استمرار المجتمع التعددي والديمقراطية الطائفية في تنوع حقيقي للصحافة اللبنانية. قراء الصحف اللبنانية قد لا يجدون دائما الموضوعية في صحيفة واحدة؛ ولكن في الإجمال توفر الصحافة اللبنانية لهم طيفا واسعا من الآراء والأخبار المتنوعة التي لا مثيل لها في العالم العربي. ومن ثَمَّ، يستطيع القارئ عبرها أن يختار ما يناسبه منها. لقد أُسس هذا النظام الصحافي على قاعدة سياسية من التعددية المؤسسية التي تفتقدها دول عربية أخرى. ومع انهيار هذه القاعدة في الحرب الأهلية، أصبحت الصحافة أكثر محدودية لتعمل باعتبارها قناة ضيقة للتواصل بين أعضاء مجموعة واحدة، وأصبحت أكثر طيشاً وتهوراً وأكثر ارتباطاً بعملاء العنف، وتحوّلت التعددية إلى تجزئة. وبعد الحرب، استمرت الفصائلية وانعكست في الصحافة. واستمر التنوع على الرغم من تقلصه إلى حد ما، بسبب سوريا والتطورات الاقتصادية والإعلامية في المنطقة. (15)
يتبع
** **
ترجمة وتعليق/ د. حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com