صدر حديثاً عن (الدار العربية للعلوم - ناشرون) مجموعة قصصية بعنوان (من حكايا الجدة) للكاتب والقاص السعودي أحمد إسماعيل زين.
وتقع المجموعة في 61 صفحة, وهي الإصدار الثالث للكاتب, الذي جاء بعد إصداره لمجموعتيه السابقتين (زامر الحي) و (أصداء الأزقة).
ويأخذ السرد في هذا العمل منحىً فنياً مختلفاً في لغته وبنيته وتشكلها عمَّا درجت عليه عادة تناول الأساليب القصصية التقليدية للحوادث والشخصيات وزمانها ومكانها ومعالجتها معالجة مبنية على رؤى منهجية, أو مفاهيم مؤطرة, وقوالب محددة سابقة, يعتبرها بعض نقاد السرد خروجاً أو نشازاً, ينحرف في مؤداه عن القواعد والأسس المألوفة أو المتبعة لفنون السرد, وكيفية تعامل الكاتب معها.
فالقصة والحكاية والأحجية والخرافة والأسطورة لدى (أحمد زين) من خلال عمله هذا ليس بشرط أن تلتزم ببداية أو نهاية معينة, أو أن يكون لها بطل (نموذجي) يدور حوله محور الحدث السردي, أو زمان ومكان معروفان, وإنما قد تكون ذات بدايات أو نهايات وأزمنة وأماكن وحوادث وشخصيات مفتوحة، وقد لا يوجد رابط موحّد يربطها ببعضها, وذلك كسراً لرتابة التسلسل المنطقي للحوادث وشخصياتها وأدوارها, ورغبة في التحرر من السياق التقليدي السردي المعتاد وسطوته التي قد تفرض على الكاتب - أحيانا - التقيد بالعناصر المعروفة للقص وأدواته.
ولذلك تميز السرد هنا بمزجه بين الموروث والأسطوري والخرافي, وتقاطعه مع (الفلكلور الشعبي) واعتمد الكاتب في طرح هذا المزيج ومعالجته على (الاسترجاع) أو (ذاكرة الماضي) بلسان الحاضر، ومفارقته للواقع الراهن.
قد لا تمثّل حادثة أو قصة خرافية أو أسطورة ما أي قيمة أو أهمية للناس في زمانها ومكانها الذي وجدت فيه قبل فترة طويلة من الزمن، لكن قيمتها وأهميتها تظهران في الأزمنة اللاحقة, حين يلتقطها الكتاب والمبدعون والقصاصون والمثقفون من أفواه الرواة والحكواتيين والإخباريين وألسنتهم, ويصوغونها بأقلامهم بأساليب فنية متقنة, كل حسب طريقته, ليحيوها بعد أن أماتها الزمن, ويضفوا عليها شيئاً من الجمال والألق والأهمية التي فقدتها بين أهلها وفي زمنها ومكانها الأصليين.
وهذا ما فعله (أحمد زين) حين قام - مثلاً - بتوظيف خرافة ذلك المخلوق المخيف, المسمى بـ (النباش) الذي وصفه الحكواتيون القدامى بأنه كان ينبش قبور الموتى, ليأكل جثثهم, أو ما تبقى من رفاتهم، ومقارنة هذه الشخصية الغريبة المقزِّزة في الزمان السابق بشخصية حديثة، تحمل الاسم نفسه، لكنها تختلف عنها في كونها فقيرة ضعيفة, تنبش القبور للبحث عن الأكفان وبيعها والاسترزاق منه, وليس من أجل أكل الجثث أو العبث بها, وغير ذلك من الحكايات والقصص الأخرى التي حفلت بها المجموعة.
** **
- عرض وتحليل/ حمد حميد الرشيدي