الثقافية - محمد هليل الرويلي:
كشفت الكاتبة الروائية «سعاد ثامر» أنه لم يكن يدور في خلدها أن تنشر في بادئ الأمر ما جادت به قريحتها الروائية «ملائكية الهارب» الصادرة عن دار كلمات، لكن فرصة جميلة جاءتها كهبة من الله جعلتها تقوم بمراسلة الدار في هذا الجانب. واصفة التجربة بالشعور المؤلم الذي يمس أرواح الصداقة التي تنطلق منذ بدايتها بأمور عظيمة جدًا حدّ الولع, ثم تصاب بخيبة النهايات جراء ما عاشته حد الاختناق في الرواية التي تدور أحداثها حول فتاة جامعية تُدعى «صمود» تعيش مع والدها المصاب بالانفصام العقلي, وصديقاتها نوف وسُهد. إحداهما أصابها البكم نتيجة تعرضها لحادث فتنزوي وتبدأ بالانغلاق على نفسها حتى تطرأ عليها فكرة نقش فضفضتها وبكائها على أحد صخور الحديقة, إلى أن ينتهي بها المطاف أن تجد ردًا على كل الأحاديث التي نقشتها على الصخر ما جعل الأمل يدب في حياتها.
أما الأخرى فكانت الأقرب غير أنها تصاب بالصدمة حين تكتشف أنها سرقت منها الشخص الذي طالما عرفت أنه أعز ما تملك. وكشفت أيضًا أنها تعمل على إصدار كتاب جديد جمعت فيه نصوصها الأدبية, مُرجِئة فكرة طرح رواية ثانية رغم ما وصفته أن فكرة الرواية «تتدلى في عقلها كسحابة رمادية ممتلئة».
وقالت «للثقافية» للكتاب المبتدئين لكل من بدأ صفرًا أقول: أكملوا ما بدأتموه حتى يكون هذا الصفر هو القيمة التي تضعونها أمام كل ما كان بلا قيمة فيُصبح ذا قيمة, في أول الطريق ستكون وحدك وستظل كذلك إن كُنت لا تجسر السير وحدك, لكن
تابع الطريق مهما بدا لك ذلك مستحيلاً فلا أحد يخلق لاسمِه صيتًا من العدم، ولا التوفيق يأتيك على طبق من الذهب. إن المحرضين الحقيقيين على الإبداع في حياة كل كاتب كُثُر, نتأثر بتجاربهم أو نظل أسرى لنصوصهم الإبداعية. وإن كان لا يسعني أن أذكر الجميع لكن الأغلب -في تجربتي- دائمًا, هم بُثينة العيسى التي أسرتني في خرائط التيه حد أنني بكيتها ثلاثة أيام، وأحلام مُستغانمي في «الأسود يليق بك» وكذلك محمد حامد في جلّ ما يكتب. بدأت بقراءتهم مّدة من الزمن وما زلت بنفس الدهشة التي قرأتهم بها لأول مرة، وكأنني ما أنفك أُدهش!
(الكريزما) لا تعطيهم الحق أن يحشروا أنفسهم في الكتابة!
وطالبت «ثامر» أن ننحاز إلى صف الكُتّاب المبدعين ونصفق لأقلامهم لا في صف نجوم الإعلام الجديد أو «مشاهير شبكات التواصل الاجتماعي» الذين يظنون أنهم يكتبون وينشرون كلامًا مذهلاً بينما يردد القراء «ليت هؤلاء الفارغين سكتوا»، وقالت: لن نكون قاسين كون الحقيقة تفرض نفسها هُنا, حتى لو تحدثنا معهم بكلامٍ ليّن، مثل هؤلاء يمتلكون «الكاريزما» التي جذبت لهم «جمهور مُندهش» بكل ما فيهم عدا الكتابة التي حشروا نفسهم بها!! ثمّة أقلام هي الأولى بأن يُصفّق لها القُرّاء, فبهم من الدهشة ما بهؤلاء الفارغين، ولكن ما الذي تستطيع أن تقوله هُنا عدا أنّهُ الحظ الذي لا يمكن أن تقف في طريقه.
وطالبت أن يُفسح المجال للكتاب الناشئين، وأن يُدعموا ويجدوا من يمسك بيدهم تجاه نجاحهم الذي يستحقونه, وأن يطرق الحظ بابهم، وأن تُسمع أصواتهم.
الله رزقني يد ثالثة
وزادت: ومن باب من لا يشكر الناس لا يشكر الله. أود أن أشكر أشخاص رزقني بهم الله كيَد ثالثة طبطبت عليّ وقت ضعفي، الضعف الذي أنساني كيف أرسم كلمة واحدة في ورقة فارغة! صفقوا لي، شجعوني وهتفوا بأروع الكلمات بالوقت الذي كنت أنتظر فيه جمهورًا بسيطاً يُعيدني لما كنت عليه من قبل. الأصدقاء نعمة من الله سأظل أحمد الله عليهم ما بقيت، شكرًا عميقة لجميع أصدقائي في فجة طرب، أنتم -بعد الله- السبب في وجودي هُنا.
وحول حركة القصصية أوضحت الروائية سعاد ثامر أن «فن القصة» أدبٌ يوضح معاني الحياة بشكل يطرب لهُ عامّة الناس وخاصتهم لأنّهُ فن متنوع يجيء بفكاهة أو مثل ويجيء بأسطورة أو خرافة أو نوادر وملح! لهذا هو مزدهر ويمضي في وجهته الصحيحة غير أنّهُ نوعًا ما مُهمل وينبغي ألّا يستمر إهماله, لا أتمنى أن تنذر شمسها بالأفول, أحب هذا النوع من الفن وأتمنى أن يبقى, لكن لو افترضنا أن ذلك قد لاح فالنوادي الأدبية ستسد هذا الغروب المؤقت وسُتعيد شمسها للشروق أبدًا. كما أن القاص سيحتاج لوجود مثل هذه الأماكن التي يُتاح لهُ فيها أن يُدير نشاطاته ويعمل على تطويرها حتى تصل للقارئ بالشكل المطلوب وتُعيد لها رونقها وانتعاشها الذي تستحقه.
«البطل» أو مُذنب يُحمّله كل الآثام هذا الكاتب قضيته
واصفة الشكل الخارجي لكتابات المبدع بناتج تأثير القضية وانعكاساتها إذ إنّهُ كلّما اقترب الموضوع لهُ من الناحية العاطفية كُلّما كان النتاج مُبهرًا موازيًا له, فإما أن يكون هذا المولود بطلاً يتباهى به أو مُذنبًا يُحمّله كل الآثام! فيتعايش به ومعه حتى يصنع لهُ عالمًا خاصًا به بين الورق الذي سيكون بين يديّ ويديك في يومٍ ما كقُرّاء تُدهشهم هذه الولادة، مشيرة إلى أن ضعف الحركة النقدية يتحمله النقاد المنحازون الذين يجدون في هذا الأمر هواية يتنفّسون من خلالها، حتى لو كان هذا الأمر غير مُثيرًا للجدل! إذ غالبًا ما تجد الناقد يتفرّس الأوجه ويبحث لهُ عن وجبةٍ دسمة تُرضي ضميره المتأجج.
أما الضحية هو ذلك الكاتب الذي حاول أن يخلق لنفسهِ عالمًا يتنفّس من خلاله.
وبرغم هذا الطقس المُزعج إلّا أن الصحو لن يكون مستحيلًا بينهما فالسماء لن تتلبّد دائمًا بالغيوم، وعلينا أخيرًا ألّا نجد لهواة تسلّق الأكتاف مكانًا بيننا.
من يجلس أمامك صامتًا يدفعك للأمام؟!
وفي الختام، نوهت الروائية «سعاد ثامر» أن الأندية الأدبية لعبت دورًا مهمًا في المشهد السعودي من خلال تنظيم الأمسيات أو تبنّي طباعة الإصدارات وتوزيعها التي تعد بمثابة حياة جديدة رائعة وُهبت لك, كون المبدع دائمًا شغوف لمن يدفعه للأمام حتى لو كان هذا الدافع هو الجلوس أمامه والإنصات فحسب. وأكثر ما يُغريه ويُشعل غرائزه هو الجمهور، من يقرأ له، من يُنصت حتى ينتهي، من يقف له مشدوهًا ويُصفق له بإعجاب، من يتلقّف جديدك بلهفة الظمآن، أكثر من يجعل لعاب المحبرة لا ينفك أن يتدفّق وكأنهُ خُلق ليجري، فلا يتوقّف أبدًا.