تقديم المترجم: هذه المادة مترجمة بتصرف عن الفصل الخامس من كتاب «الصحافة العربية» للبروفيسور ويليام رف، طبعة يناير 2004 . السفير البروفيسور ويليام رف هو أستاذ زائر للدبلوماسية العامة في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس الأمريكية. وعمل دبلوماسياً للولايات المتحدة خلال 1964- 1995، حيث أدى تسع مهام دبلوماسية في العالم العربي. حصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كولومبيا الأمريكية. كما أنه عضو في مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في بيروت. وتشكل هذه المادة الفصل الثاني من كتاب «الصراع السياسي والتحيّز للحضر في الصحافة الكويتية المعاصرة«» الذي صدر مؤخراً من إعداد وترجمة وتعليق حمد العيسى، ومن تأليف الباحث النرويجي د. كتيل سلفيك وآخرين، وصدر في 648 صفحة عن «منتدى المعارف» في بيروت. وننشر هنا موجزاً لهذا الفصل بعد حذف الجداول التي لا تناسب النشر الصحافي. وينبغي قراءة هذه المادة في سياق تاريخ نشرها عام 2004:
وعلى الرغم من انتقال الاضطرابات في لبنان إلى عقد الثمانينيات ما أثر على التوزيع وغيره من جوانب النشر، واصلت العديد من الصحف الصدور. وبحلول عام 1986، كانت 14 من أصل 15 صحيفة يومية لا تزال تصدر (اختفت «صوت العروبة» ولكن ظهرت صحيفة جديدة هي «الحقيقة» لتمثل العمال). وكانت كل من «النهار» المستقلة و«السفير» المدعومة من ليبيا تصلان إلى معظم القراء، حيث توزع كل منهما 60?000 نسخة، بينما توزع جميع الصحف مجتمعة حوالي 175?000؛ وهو أعلى رقم في تاريخ لبنان.
وبعد الحرب الأهلية، واصلت المطبوعات اللبنانية مواجهة مشاكل خطيرة (*) ناجمة عن ضعف الاقتصاد، وزيادة المنافسة من قبل صحف ممولة تمويلا جيدا في الخليج والخارج، ومن القنوات الفضائية. كما تغيّر الوضع القانوني إلى حد ما. ويضمن الدستور حرية الصحافة؛ ولكن الحكومة تحد من ذلك جزئيا، حيث ترهب الصحافيين ليمارسوا الرقابة الذاتية. ويحظر القانون الطعن في كرامة رئيس الدولة أو القادة الأجانب. وتملك الحكومة حق مقاضاة الصحافيين المخالفين في محكمة المطبوعات الخاصة. ويملك الأمن العام سلطة الموافقة على جميع المطبوعات الأجنبية. ويشير رؤساء التحرير اللبنانيون إلى أن مسؤولي مديرية الأمن يبلغونهم هاتفياً أحياناً بأوامر حول قضايا محددة، وفي العادة تتعلق القضايا الحساسة بسوريا أو أحد كبار المسؤولين اللبنانيين، بمن في ذلك رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان. (10)
وصدر قانون جديد للصحافة في عام 1994، وفرض بعض النظام في المشهد الصحافي الفوضوي الناجم عن الحرب الأهلية. وخفّف القانون سلطة الحكومة عبر إنهاء الاعتقال الوقائي للصحافيين، وسمح بالرقابة المسبقة فقط في حالات استثنائية (بشرط موافقة مجلس الوزراء عليها) وكذلك لمراقبة الصحف الأجنبية. ونصّ القانون على غرامة كبيرة لانتهاك بنوده، وأكد سلطة الحكومة لإصدار وإلغاء التراخيص أو توقيف المطبوعات على أن تراجعها محكمة خاصة. وتضمّنت المحظورات إهانة الأديان أو الدعوة إلى كراهية عنصرية أو دينية. كما وضعت نقابة الصحافة «ميثاق شرف» يماثل «الرقابة الذاتية».
وتعد القضايا المحلية أكثر حساسية، في كثير من الأحيان، من القضايا الأجنبية. وحتى إسرائيل التي تعد أسخن قضية خارجية يمكن معالجتها بحدود. وتنشر الصحف اللبنانية بانتظام مقتطفات من الصحافة الإسرائيلية وتقتبس بحرية من تصريحات قادة وسكان إسرائيل؛ ولكن لا يسمح للصحافيين اللبنانيين بإجراء مقابلات مع الإسرائيليين، لأن لبنان لا يزال رسمياً في حالة حرب معها. (11) وفي أبريل 2002، دعت الحكومة إلى إجراءات قانونية ضد صحيفة «ديلي ستار»؛ لأن صحيفة «إنترناشينال هيرالد تريبيون»، التي تصدر عنها في بيروت، نشرت إعلاناً عدّته الرقابة دعاية إسرائيلية ممنوعة بموجب القانون. (12)
إحدى المسائل الرئيسة التي تؤثر على الصحافة اللبنانية في السنوات الأخيرة هي حقيقة أن سوريا تؤثر تأثيراً كبيراً على السياسة اللبنانية؛ فلا تزال عشرات الآلاف من القوات السورية موجودة في لبنان (**). وينص الاتفاق الأمني اللبناني-السوري لعام 1991 على حظر نشر أي معلومات تعدّ ضارة لأمن البلدين. ونظرا لخطر الملاحقة القضائية، التزم الصحافيون اللبنانيون بالرقابة الذاتية في المسائل المتصلة بسوريا. وهكذا، أصبح الصحافيون اللبنانيون حذرين بشأن ما ينشرونه حول سوريا، وبخاصة شؤونها الداخلية. إنهم يقولون إنه من الممكن في الافتتاحية أن يقترحوا على سوريا - مثلاً - أن «تعيد التفكير» في سياستها تجاه لبنان؛ ولكن «لا ينبغي مطلقاً» مساواة الوجود السوري في لبنان مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. واشتهرت جريدة «النهار» بنقدها لسوريا أحياناً؛ وهو ما عزّز سمعتها بين القراء اللبنانيين على الأقل («النهار» محظورة في سوريا)، ولكنها أيضا مثل غيرها تتجنب انتقاد الشؤون الداخلية السورية. (13)
يتبع
... ... ...
هوامش المترجم:
(*): توقفت جريدة «السفير» نهائيا في 31 ديسمبر 2016. وبرر طلال سلمان، ناشر الصحيفة ورئيس تحريرها، سبب الإقفال بالأزمة المالية التي تعصف بصحيفته وتراجع مداخيلها من المبيع والإعلانات والاشتراكات. ويشير تقرير صحافي حديث في جريدة «الأخبار» اللبنانية إلى أن صحيفة «النهار» تواجه صعوبات مالية كبيرة وتراجعت مبيعاتها نحو 60% منذ عام 2010. وذكر تقرير صحافي نشر في سبتمبر 2009 أن «النهار» قامت بتسريح 55 موظفا (صحفيون ومحررون وإداريون). (العيسى)
(**): نشرت هذه المادة في يناير 2004. وفي أعقاب اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق، في فبراير 2005، والتورط المزعوم لسوريا في وفاته، اجتاحت لبنان انتفاضة عامة أطلق عليها اسم «ثورة الأرز». وصدر قرار مجلس الأمن رقم 1559، الذي قضى بخروج سوريا من لبنان، واضطرت سوريا إلى إعلان انسحابها الكامل من لبنان في 30 أبريل 2005. (العيسى)
** **
- ترجمة وتعليق/ د. حمد العيسى