د. أحمد الفراج
كتبت في المقال الماضي أن الرئيس ترمب أيقظ شعوراً كامناً لدى شريحة لا يُستهان بها من الناخبين، أي اليمين المتطرف، وهذه الشريحة كان صوتها قد خفت، بعد أن وقّع الرئيس، ليندون جانسون، قانون الحقوق المدنية، قانون المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق أو الدين، وذلك في عام 1964، وهو من أهم القوانين في التاريخ الأمريكي، ولم يكن ذلك هيناً على هذه الشريحة، فهي تتألم وتشعر بالغضب، ويثيرها رموز العنصرية بين الحين والآخر، مثل فرسان منظمة الكلو كلس كلان، وغيرها من تنظيمات اليمين المتطرف، ولكن هذه الرموز العنصرية لم يكن لها وزن معتبر في الحراك السياسي الأمريكي، مثل ديفيد دوك، الذي كان أقصى ما وصل له هو الفوز بعضوية مجلس نواب ولاية لويزيانا ولفترة واحدة يتيمة.
لكن المعادلة انقلبت تماماً بعد فوز ترمب بالرئاسة، وهو الذي استخدم لغة إقصائية وعنصرية، جذبت شريحة العنصريين البيض، واليمين المسيحي على وجه الخصوص، والذي يعتبر جيري فالويل وبات روبنسون من أبرز قادته، فاحتفلت هذه الشريحة، إذ لم تصدق أن ذلك سيحدث بهذه السهولة والسرعة، فخرج زعماء التطرف من مخابئهم، وأحرجوا ترمب كثيراً، إذ هم يؤكّدون أنه يمثّلهم، وأنه واحد منهم، وهو يعرف خطورة الانجراف في هذا السياق، فأمريكا هي بلد الحريات، ومهوى الحالمين من كل أركان الكرة الأرضية، ولذا يحاول في كل مرة أن يمسك العصا من المنتصف، أي لا ينجرف مع اليمين المتطرف، وفي ذات الوقت، لا يستفز هذا اليمين، فيخسر سياسياً، وكان ردة فعله على حادثة نيوزيلندا أفضل مثال على ذلك.
بعد الحادثة، اتصل ترمب برئيسة وزراء نيوزيلندا، وأبلغها أن أمريكا تقف بكل ما تملك مع بلدها، وعرض عليها المساعدة، وهذا متوقّع من رئيس أمريكا، الذي يُسمى زعيم العالم الحر. هذا، ولكنه حاول جهده أن يشجب الحادثة، دون أن يُغضِب اليمين المتطرف، فهذه الشريحة كان لها دور كبير في وصوله للرئاسة، وهو يحتاجها في معركة إعادة الانتخاب بعد أقل من عامين، وبالتالي لم يصف الحادثة بالإرهابية، بل بالعمل الشنيع، كما رفض أن يشجب اليمين المتطرف صراحة، حتى بعد ما ضغط عليه خصمه الأشرس، أي إعلام اليسار، وهو محترف في العناد والمناكفة مهما كلّفه ذلك، ويتفهم أي معلّق دوافع ترمب، فمصلحته السياسية تأتي فوق كل اعتبار، وتفرض عليه واقعاً لا يعجب خصومه، الذين يتصيّدون أصغر الأخطاء، فما بالك بالكبير منها، ولكن هذا هو ترمب، وسنواصل الحديث.