الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
خص الله سبحانه وتعالى الشريعة الإسلامية ببعض المزايا غير الموجودة في الشرائع السماوية السابقة، ولا توجد في القوانين الوضعية، وهي شريعة أبدية وخالدة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وعلى الرغم من ذلك تتجدد الاتهامات إلى شريعتنا الإسلامية الغراء بعدم صلاحية أحكامها للتطبيق في هذا العصر من المستشرقين والمشككين والمغرضين؛ فكيف ينظر المختصون في الشريعة الإسلامية لتلك الاتهامات المتلاحقة في عصر الإعلام الجديد التي يتلقفها الجميع، وقد تؤثر على الناشئة والشباب؟
تشويه الإسلام
يقول الدكتور نايف بن أحمد الحمد قاضي الاستئناف رئيس المحكمة العامة بالرياض سابقاً: مما أؤذي به نبينا -صلى الله عليه وسلم-لصرف الناس عنه وعن الإسلام وأنه غير صالح للعمل به: اتهامُ أعداء دعوته بأمور منها: ما ذكره الله -تعالى-عنهم بقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (الأنفال31)
ومن ذلك ما حكاه الله -تعالى- عنهم بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الأنفال5)
وسعوا لتشويه رسالته بأنه تلقى القرآن من راهب قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (النحل103)
وزعموا أن ما جاء به يتعارض مع ما ورثوه من آبائهم وأنه يتعذر العمل به قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} (لقمان21)
واتهموا النبي -صلى الله عليه وسلم- بشخصه الكريم قال تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} (الطور30)
واتهموه بأنه يفرِّق بين الوالد وولده، والزوج وزوجه، وكل هذه الحملات المتتابعة منهم لم تحل دون انتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجًا؛ لأنه الدين الحق فيعلو ولا يعلى عليه {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (النصر3).
وبعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- ما زال المنافقون وأعداء الإسلام يسعون لتشويه الإسلام بكل فعل قبيح -كذبًا وزورًا-، سواء بإحياء ما كذَبه سلفهم، أو باستحداث شبه يروجون لها بدعوى حرية الرأي، وانطلاق العقل، للوصول إلى ما هو أفضل بزعمهم، وأنَّى لهم ذلك، وستبقى هذه الترهات يتداولونها جيلا بعد جيل، وسيقيّض الله -تعالى- مَن يبين عوارها وضلالها إلى أن يشاء الله فسنة التدافع قائمة {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص83) والحمد لله رب العالمين.
أصول وضوابط
ويرى الدكتور فهد بن سعد المقرن الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض أن من فضل الله على هذه الأمة بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للبشرية قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، ومن رحمته بهم أن جعل شريعته كاملة تامة، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، وجعل من تمام الاستسلام لله الاستسلام لشريعته وأحكامه فقال سبحانه: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}، وجعل الله اتباع هديه وشريعته فيها الهدى والرشاد في الدنيا والآخرة، فقال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، والعجب أن تتهم الشريعة بالجمود وعدم الصلاحية للتطبيق في هذا العصر، وهي شريعة قد تفردت بالأصول والضوابط والقواعد التي لا توجد في غيرها من الشرائع، تتضمن العدل والسماحة والكمال والشمول، ترعى الضرورات الخمس التي اتفقت الشرائع على رعايتها، يجد فيها المرء التوازن في العلاقة بين الروح والجسد وبين الفرد والمجتمع، ومما يذكر في الاعتراف بفضل الشريعة ممن لا يدين بدين الإسلام ما شهد به المؤتمرون في مؤتمر القانون الدولي الذي عقد في لاهاي عام 1948م فقد أصدر المؤتمر قرارًا نصه: (أن الشريعة الإسلامية حية مرنة، تصلح للتطور مع الزمن، وتعتبر مصدراً من مصادر القانون المقارن)، ومن صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان رعايتها للضرورات، وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان وفق إطار منضبط من الاجتهاد الشرعي المعتبر، لا بالاسترسال مع دعوات التغريب تحت شعار التقدم، فلا يفتح الباب لمن يريد استباحة الشريعة بتحريم ما أحل الله أو تحريم ما أحل الله في وسطية ثابتة من أصول هذه الشريعة الخالدة، ومن توفيق الله لهذه الدولة السعودية أن جعلت من مواد نظام الحكم أن القرآن والسنة هما مصدرا التشريع وكل نظام خالفهما فهو باطل، وبحمد الله هذه الدولة متناغمة مع التقدم الحضاري، تأخذ خيره وترد شره، وها هم أبناء هذه الدولة ومواطنيها يسهمون في رقي الحضارة والتقدم مع ثباتهم على دينهم ولله الحمد.
وسطية واعتدال
ويبين الدكتور مقبل بن مريشيد بن راشد الرفيعي الحربي الأستاذ المشارك بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: أن الله تعالى أرسل نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، واصطفى أتباعه لحمل هذا الدين ودعوة الناس لعبادة رب العالمين، ومن سماحة شريعته أنها بعيدة عن التشديد والتضييق كما كان في بعض الشرائع السابقة {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} سور الحج 87. ويتسم هذا الدين بالوسطية والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} سورة البقرة 143. وقد ردّ النبي صلى الله عليه وسلم بنقيض ما أراد أولئك النفر لما سألوا أزواجه عن عبادته في السر وتقالُّوها ثم قال: {فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي}.
فالإسلام الحق هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنه صحابته الكرام رضي الله عنهم فإنهم حفظوا نصوصه وفهموا مقاصده واستنبطوا أحكامه وحمله عنهم وعلى فهمهم من جاء بعدهم غضاً طريا، وحفظ الله تعالى للمسلمين دينهم وما تكفل سبحانه بحفظه إلا وهو صالح لكل مكان وزمان، ولما انتشر الإسلام وزادت أعداد المسلمين قض مضاجع مناوئيه انتشاره فسخّروا وسائل الإعلام ومواقع التواصل في الطعن في الإسلام وإلصاق التهم الباطلة به وبث الشبهات وإشاعة الشهوات لإخراج الناس من الدين أفواجاً كما دخلوه أفواجًا وقطع الطريق على النشء معرفة دينه ومعتقده حتى لا يعرف من رسمه سوى اسمه، وتشكيك من يرغب الدخول في الإسلام وتخويفه، والمسلمون اليوم محتاجون لتحصين أبنائهم وتعليمهم دينهم عقيدة وشريعة، والاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة لنشر الإسلام بصورته الصحيحة وتعليم الناس سماحة الإسلام وبراءته من العنف والتطرف والإرهاب، وإنشاء المؤسسات العلمية و مراكز البحث لدراسة الطعون الموجة للإسلام وردها رداً علميًّا.
النظرة للعقل
ويؤكد الدكتور بدر بن محمد المعيقل أستاذ العلوم الشرعية بجامعة الجوف أن الإسلام يتميز بتقديره للعقل ودعوته إلى التأمل في الكون والإنسان والحيوان، والنفس والروح، والحياة والموت، وهكذا، إلا أن ما يميز نظرة الإسلام للعقل، هو: أن هذا العقل تابع للنقل، يجب أن يحتكم إليه حال الخلاف بين العقول، وليس العكس، وذلك لأن جميع العقول مخلوقة، والمخلوق ناقص قاصر، والوحي كامل معصوم، فيكون التحاكم للكامل المعصوم، وليس الناقص القاصر، ومن أعجب العجائب: أن يرتضي أناس الاحتكام إلى فلسفات أرضية، لعقول ناقصة قاصرة، وتأنف من الاحتكام إلى وحي سماوي كامل معصوم، وهنا التناقض الكبير، الذي ينتشر ويشيع كتيار في أوساط المراهقين والمراهقات بحجة الحرية الزائفة، والعقلانية المزعومة، هكذا زعموا.